انوار الفقاهه - کتاب المکاسب

اشارة

نام کتاب: أنوار الفقاهة- کتاب المکاسب موضوع: فقه استدلالی نویسنده: نجفی، کاشف الغطاء، حسن بن جعفر بن خضر تاریخ وفات مؤلف: 1262 ه ق زبان: عربی قطع: وزیری تعداد جلد: 1 ناشر: مؤسسه کاشف الغطاء تاریخ نشر: 1422 ه ق نوبت چاپ: اول مکان چاپ: نجف اشرف- عراق

ص: 1

الکلام فی العقود

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ

العقد فی الأصل العهد الموثق من الجمع بین الشیئین بحیث یعسر الانفصال بینهما و المراد بها هاهنا کما هو عند الشارع أو المتشرعة صیغ خاصة بجعل الشارع و تقریره لها آثاراً خاصة لفظیّة أو ما قام مقامها صادرة من طرفین حقیقة أو حکماً مقرونة برضاهما و قصدهما حقیقة أو حکماً و المعروف إطلاقها علی الألفاظ دون الأفعال و دون مدلولات الألفاظ بل إطلاقها علی غیر الألفاظ یکون مجازا و إن أطلقت أسماء أفرادها علی غیر الألفاظ حقیقة و لا ملازمة و من العقود کتاب التجارة و یراد به هنا النقل بالبیع أو نفس الصیغة و توابعه و ذکر غیره و فیه استطراداً و لا یراد بها ما هو المعنی المعروف لها من المعاوضة مداً مطلقاً لطلب الربح زائداً علی رأس المال کما هو ظاهر الکتاب و السنة و لا المعاوضة مطلقاً و لا المعاوضة علی الأعیان مطلقاً أو مع طلب الربح و لا البیع المقید بذلک و لا الصناعة و الحرفة و لا نفس الأعیان کما تطلق علیها مجازاً و لا الاکتساب بالملک و التملیک مطلقاً و لا مع ملاحظة الربح و إن کان فی کثیر منها یمکن القول بالاشتراک و الکلام هنا یقع فی مطالب تشترک فیها جملة من العقود أو أکثرها أوکلها ثمّ الکلام علی البیع إن شاء الله تعالی.

المطلب الأول: یشتمل علی فصول:

أحدها: الأحکام الخمسة لا تتعلق بالأعیان

بل بفعل المکلف و ما تعلق به الحکم من الأعیان فهو من باب المجاز و الفعل المتعلق بالاکتساب ینقسم باعتبار جهاته إلی الأحکام الخمسة إلا أن تعلق الواجب و المندوب بالأنسب بمجرد الجهة المقتضیة لوجوب التکسب أو ندبه کوفاء دین أو نفقة واجبة أو للتوسعة علی عیاله أو لطلب

ص: 2

الرزق و تعلق الثلاثة الباقیة لخصوصیة فی نفس النقل أو المنقول کالنهی عن بیع المنابذة و النهی عن بیع النجس و النهی عن بیع المزابنة و المحاقلة و کراهة بیع الطفل دون أمه و کراهة البیع فی أوقات معلومة أو أحوال معلومة.

ثانیها: إذا تعلق لفظ التحریم بالمعاملة أو النهی بصیغة و کان بنفسها أو بجزئها أو بثمنها

فالظاهر منه الفساد للاستقراء أو للإجماع المنقول أو لظهوره فی الإرشاد إلی فساده أو لظهوره من حال الناهی الغنی أو لخلوّه بعد النهی عن دلیل الصحة و الأصل عدمها و لیس النهی مستعملًا فی التحریم و فساد المنهی عنه أو الإرشاد إلی فساده لعدم معهودیة استعمال اللفظ فی معنییه الحقیقیین أو الحقیقی و المجازی بل هو مستعمل فی تحریم الفاسد لا دخول الفاسد فی معناه بل أنه کاشف عن فساده فلیس استعماله فی فساد المحرم و لا فی التحریم و فساد المحرم بوجه.

ثالثها: قد یقال إن هنا أصلًا من الأخبار

و هو أن الله إذا حرم شیئاً فقد حرم ثمنه و تحریم الثمن دلیل علی فساد المعاملة لأن تحریمه لمکان انه لم ینتقل عن صاحبه لا أنه حرام علی المشتری تعبداً و لکن لا یخلو من تأمل فإن کان المراد من تحریم الشی ء تحریمه فی الجملة لزم تحریم بیع أکثر الأشیاء و إن أرید تحریم المنفعة الظاهرة له کتحریم الشرب للخمر و الأکل للمیتة و الدم و الخنزیر أو جمیع المنافع لتسلیطه علی العین نفسها کحرّمت علیکم المیتة و الدم و لحم الخنزیر کان له وجه باستلزام تحریم منفعته الظاهرة أو جمیع المنافع لعدم صحة انتقاله لعود المعاوضة علیه سفهاً إلا أنَّ الروایة غیر صحیحة و هی مبنیة علی القاعدة المتقدمة و هی دلالة التحریم علی فساد المنهی عنه.

رابعها: المشکوک فی جواز استعماله و الانتفاع به

فالأصل إباحته و المشکوک فی ملکیته یعد کونه موضوعاً تحت الید فیه وجهان من أصالة عدم الملک لأنه حکم شرعی مفتقر إلی دلیل و لم یثبت أن مجرد دخول الشی ء تحت الید و کان من المباح دخول مملک غایة ما فی الباب أن الید کاشفة عن ملک ما یملک أو مملکة ما یملک لا أنها مثبتة لملک المشکوک فی إمکان ملکه أم لا و من أنا لا نعنی من الملک إلا السلطنة علی ما جاز وضع

ص: 3

الید علیه و جواز التصرف فیه علی کل حال فیجری علی ما کان کذلک حکم الأملاک و الأوّل أقوی.

خامسها: لا ملازمة بین صفة الملک و المالیة فرب شی ء یعد مالًا

و لا یملک و رب شی ء یعد مالکاً و لا یعد مالًا فعلی ذلک ما کان تحت الید لا یحکم بمجرد ذلک بالمُلکیّة و إن عد مالًا عرفاً و لا یحکم بما لا یعد مالًا عرفاً فعلی بعدم الملک لأجل ذلک.

سادسها: ما کان تحت الید فالأصل یقضی باختصاصه بصاحبه

و لا یجوز مزاحمته علیه سواء عد مالًا أم لا و سواء قلنا بملکه أم لا أما علی القول بملکه فظاهر و أما علی القول بعدمه فلأن مزاحمته ظلم و عدوان و لأن للسابق حق فلا یجوز دفعه عنه و لکل امرءٍ ما سعی.

سابعها: إن المعاوضة علی رفع الید عن الاختصاص جائزة بصلح و بشبهة

لعموم أدلته و لعدم عده سفهاً سواء فی ذلک ما یتمول و غیره.

ثامنها: لا ملازمة بین الملک و بین جواز النقل و التملیک فی المشکوک بجواز نقله و تملیکه

لأصالة العدم سواء کان النقل بمعاوضة أو مجاناً لأن النقل بأسباب شرعیة فلا بد من القطع بحصول السبب و عمومات الصلح و البیع لا تدل إلا علی أن القابل للنقل یجوز أن ینقل بالبیع و الصلح و أنهما سببان للنقل و لیس مساق أدلتهما کأحل الله البیع و الصلح جائز قاض بجواز بیع کل شی ء مشکوک بنقله و انتقاله و بالجُملة فهما مبینان للنقل لا قاضیان ببیان ما ینقل و ما لا ینقل و قد یحتمل ذلک کما أستدل بعض الفقهاء علی جواز نقل المشکوک بانتقاله بعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و ب (وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَیْعَ) الأول أوجه.

تاسعها: لا ملازمة بین جواز النقل مطلقاً و بین جواز المعاوضة لتوقفه علی عده مالًا یقابل بالعوض

و الأصل فی المشکوک به عدم المالیة و عدم القول و الاستناد لعموم الأدلة منظور فیه کما قدمنا.

عاشرها: الأعیان النجسة أصالة کالخمر و النبیذ و الفقاع و الخنزیر و الدم مما لا یقبل التطهیر

لا یجوز استعماله فیما یُعد استعمالًا و انتفاعاً یعود للمنتفع لعموم الأدلة

ص: 4

کتاباً و سنة نعم یجوز الانتفاع بها فی المنافع الخارجة التی تؤدی إلی إتلافها کإحراقها بالنار فینتفع بتلک النار أو یدهن به بعض الحیوانات أو یصلح بها بعض المزارع و النخل مع احتمال المنع مطلقاً سیما فی المیتة لخصوص الأخبار الدالة علی حرمة الانتفاع بشی ء منها و هل یجری علیها حکم الاختصاص الوجه نعم فیما جاز اقتناؤه و جاز الانتفاع به بوجه من الوجوه و إلا فلا اختصاص و أما صفة الملک و التملیک فلا یتعلق بهما مطلقاً لعموم الأدلة و الإجماع.

حادی عشرها: کل ما یقبل التطهیر بملک و یجوز نقله

لعدم شمول أدلة المنع له کالکافر بالإسلام و العصیر بالنقص بل قد یدعی أن العبد المرتد الفطری یجوز ملکه و تملیکه و إن کان نجساً عیناً و لا تقبل توبته ظاهراً و لا باطناً لانصراف دلیل المنع من ملک الأعیان النجسة و تملیکها بل کانت نجاسته تمنع الانتفاع به مطلقاً و المیتة لمنفعته الظاهرة و العبد الکافر لا تمنع النجاسة صنعته من منافعه الظاهرة و جواز قتله لا یلزم منه کون المعاوضة علیه سفها و لکن الأوجه الأول.

ثانی عشرها: المائع المتنجس بالعارض أن قبل التطهیر قبل جموده بالاتصال

کالماء المطلق و بعض المائعات علی قول أو بعد جموده و لو ظاهراً کالذهب و الفضة و القیر و الطین لو صار خزفاً و العجین لو جُفف کذلک و کذا الطین و وضعا فی ماء کثیر جاز استعماله و ملکه و تملیکه بعوض و بدونه لعدم انصراف أدلة المنع لمثله و احتمل المنع من ذلک مطلقاً أخذاً بالإطلاق و هو بعید و إن لم یقبل التطهیر فإن لم تمنع نجاسته الانتفاع به فی الجهة المقصودة منه جاز استعماله و ملکه و المعاوضة علیه لعدم انصراف دلیل المنع إلی ذلک لأنه لیس تعبداً محصناً و عموم أدلة الجواز شاملة له و الإجماعات المنقولة منصرفة إلی المائع الذی تبطل النجاسة منفعته المقصودة أو جمیع منافعه فحینئذٍ لا بأس ببیع الأصباغ لو طرأت علیها نجاسة عارضیة و کذا الصابون مائعاً أو جمد بعد ذلک لاستصحاب ملکها السابق و عدم القطع بالمزیل و شمول ادلة العقود و البیوع لها و انصراف أدلة المنع لغیرها مما یمتنع الانتفاع به مع نجاسته.

ص: 5

ثالث عشرها: الدهن

و یلحق به الشحم المذاب و الشمع و النفط لو أصابته نجاسة عارضیة فإن أبطلت الانتفاع به بالاستصباح مطلقاً أو تحت السماء خرج عن الملکیة و إن لم یخرج عن الاختصاص و جواز الاستعمال و الانتفاع فلا تصح المعاوضة علیه و لا تملیکه مجاناً و جاز استعماله للأصل و انصراف أدلة المنع للاستعمال الباعث علی عدم الاکتراث بالنجس و عدم المبالاة به أو المؤدی إلی معاملته معاملة الأملاک نعم یستثنی من ذلک دهن المیتة المتخذ من شحمها فإن استعماله و الانتفاع به ممنوع کتاباً و سنة و إجماعاً سوی ما لا یعد عرفاً استعمالا و انتفاعاً و لا یشترط فی الاستصباح به کونه تحت السماء للأصل و لعدم زوال منفعتُه بالنجاسة و لإطلاق الأخبار المتکثرة فی مقام البیان فلا یقیدها الضعیف من المراسیل و الإجماع المنقول علی لسان بعض و کذا الشهرة المنقولة علی لسان جماعة و کان ذلک محمول علی الندب و التعلیل بنجاسة السقف بعید و التعبد مفتقر إلی ما یقاوم تلک الإخبار و لیس فلیس و علی التقیید بذلک فالظاهر إرادة أن الضیاء تحت السماء لا المستضی ء و الظاهر ان الشبابیک من الحائل و کذا الثوب و لو استضاءوا به تحت السقف نعل من أناره أو وضعه حراماً و أما من کان مستضیئاً فوجهان و لو اشتبه الدهنان ترک الجمیع من باب المقدمة و لا یشترط بعد حصول منفعة الاستصباح جعله غایة للبیع لفظاً أو قصداً من البائع أو المشتری أو کلیهما فلو ترکاها بل لو قصد غیرها من المحللات جاز و ان قصد المحرم ففی الصحة و عدمها وجهان و هل یشترط فی الاستصباح الاحتیاج إلیه فلو استصبحا به نهاراً عناداً ففی الجواز وجهان و کذا لو استغنی بالتعدد عن ضوئه أو بإشراق البدر و یجوز استعماله عند الاستصباح بالطبخ علیه و تسخین البدن به.

رابع عشرها: لو تعامل المجتهدان المختلفان فی التقیید و الإطلاق و کان الدهن لا قابلیة له للاستصباح تحت السماء

بطل العقد بینهما علی الأظهر و هکذا الحکم فی کل مختلف فی إباحتها و لأن العقد لا یصح من جانب و یبطل من الآخر مع احتمال صحة من أفتی بصحته و الأصل الصحة فیکون العقد کله صحیحاً من جانب و کله باطلًا من جانب آخر و لا بأس بذلک.

ص: 6

خامس عشرها: لا تملک عذرة الإنسان و لا کل عذرة نجسة العین

فلا تصح المعاوضة علیها و لا نقلها نعم یتعلق بها حق الاختصاص لو کان منفعة تصرف إلیها و یجوز استعمالها و الانتفاع بها لتسخین الحمامات و تسمید الخضر و الزرع نعم تمنع الاستعمالات المؤدیة إلی عدم الاعتناء بالدین و عدم المبالاة بالنجاسة أو ما یعود للبدن منهما و ما دل علی جواز منع بیع العذرة محمول علی عذرة ما یؤکل لحمه و المیل إلیه بعید نعم یجوز الصلح علی رفع حق الاختصاص منها لو کانت تحت ید من له غرض بالانتفاع بها و أما صاحبها فالظاهر أنه لا اختصاص بها.

سادس عشرها: یجوز استعمال النجس فی الجهة المنهی عنها لمکان تقیة أو مرض أو اضطرار

کأکل المیتة فی المخمصة و شرب الخمر للتداوی به و نحو ذلک لأن حفظ النفس أهم من اجتناب المنهی عنه کما یشعر به الکتاب و السنة و یشترط فی التداوی به انحصار الدّواء به و القطع أو الظن العادی أو المأخوذ من خبر عدلین أو طبیب حاذق مأمون بنفعه و حصول البرء به و کون المرض مضر ضرراً لا یحتمل عادة (و ما جعل الله فی محرم شفاء) متروک لا محرم عند التداوی به علی تحریمه.

سابع عشرها: بیع النجس المائع أو الجامد فی مقام جوازه إذا کان مأکولًا أو مشروباً یجب الإعلام بنجاسته للمشتری

و یجب علی المشتری لو کان ذو ید وکیلًا أو أصیلا لحصول الضرر منه علی مشتریه أما واقعا أن قلنا إن فی نجاسته سمیة واقعیة و أما لخوف العاقبة من الأذیة الحاصلة منه بعد العلم به و للأخبار الآمرة بالأعلام الواردة فی الدهن النجس و لا یجوز دفع النجس للأکل و الشرب لعیاله و أطفاله و أضیافه لأنه من المنکر و الإغراء بالقبیح و ما ورد من النهی عن الأخبار بنجاسة الید أو الثوب محمولًا علی ما لا یؤدی إلی استعماله فی الأکل و الشرب أو إلی ما لا یدفعه الإنسان لغیره مما ظاهره الطهارة.

ثامن عشرها: لا یجوز بیع النجس علی مستحلیه مطلقاً

و ما ورد من الجواز غیر معمول به و لا یجوز بیع المخلوط من المُذکّی و المیتة و لا من جلودها و بما ورد من الجواز متروک أو محمول علی التقیة.

ص: 7

تاسع عشرها: یجوز الانتفاع بالأرواث الطاهرة و بیعها لحصول النفع بها من غیر معارض

فتشملها أدلة العقود و البیوع و ما ورد من النهی محمول علی منها و خصوص الأدلة تقضی به أیضا و أما الأبوال الطاهرة فیجوز الانتفاع للأصل من غیر معارض بل یجوز بیعها إذا کانت لها منافع مقصودة لعموم الأدلة و ما لم تکن له منفعة ظاهرة لا یجوز نقله و انتقاله و إن جری حکم الاختصاص علیه و هل تتعلق به صفة الملک وجهان و فی جواز شربها اختیاراً قولان أرجحهما العدم لاستخباثها عرفاً إلا بول الإبل فلا یبعد جواز شربه لعدم استخباثه عند أهله و لخصوص الروایات الواردة فیه من غیر معارض و قد یحض جواز شربه بالاستشفاء و إن لم ینحصر فیه الدواء فیجوز بیعه لتلک الجهة أو مطلقا بل قد یقال إن بیع غیر بول الإبل غیر جائز و إن حصلت ببیعه منفعة لأن منافعه نادرة و المنافع النادرة و لا یقبح الاکتساب فیدخل تحت ما لا ینفع فیه و لأن منفعته الظاهرة منهی عنها کما تقدم و أن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه و لا یرد أن منفعة العقاقیر نادرة فلا ینبغی أن تباع لأن نقول فی العقاقیر إن منفعتها نادرة الوجود و الوقوع یعد کونها منفعة و هذه نفعها نادر الوجود و الوقوع لقلة الانتفاع بها مع الحاجة إلی الانتفاع بها و الفرق ظاهر و من الفقهاء من منع بیع البول مطلقاً و منهم من أجاز مطلقاً و أجاز شربها و منع الاستخباث المدعی فیها استنادا إلی الأخبار المجوزة لشربها و منهم من أجاز بیع العذرة مطلقاً للأخبار المجوزة و لأن لها نفعاً فی الجملة و منهم من منعها مطلقاً للأخبار المانعة و منهم من حمل الأخبار المانعة علی اختلاف البلدان أو التقیة و منهم من فرق بین عذرة غیر مأکول اللحم فمنعها مطلقاً و بین غیرها فأجازها مطلقاً للأخبار الدالة علی جواز بیع العذرة و منهم من منع بیع الأرواث مطلقاً لأن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه و الأرواث محرمة الأکل کالطحال و الذکر و منهم من خص المنع بالنجس لأن الروث لا یستلزم حرمة أکله حرمة بیعه لأنه لیس معداً للأکل و منهم من أستند فی المنع فی کثیر مما تقدم إلی عدم المالیة عرفاً و قد عرفت أن عدمها لا ینافی الملک و التملیک و أن نافی المعاوضة و الضمان بالقیمة أو المثل و بعد التأمل و النظر لا یمکن المحیص عما بنینا علیه.

ص: 8

العشرون: تحریم الخبائث و تحلیل الطیبات

فالمعلوم من أحدهما بالرجوع لأهل العرف فلا کلام فیه و المشکوک فیه یرجع فیه إلی اصل الحل لتعارض أصلی العدم فی کل منهما سواء کان المشتبه ابتداء أو کان مشتبهاً فی غیر محصور و هل بین الطیب و الخبیث واسطة أو کلما لیس بخبیث فهو طیب أو بالعکس و یترتب علی ذلک أحکام منها أن کلما اعد للأکل و الشرب و کان خبیثاً حرم ثمنه لأن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه فیلزمه تحریم المعاملة اللازم لفسادها شرعاً.

الحادی و العشرون: النهی المتعلق بالکل متعلق بالأجزاء التزاماً عرفیاً

ما لم تبین أن المراد الکل بشرط الانضمام و الاجتماع فالنهی عن بیع المیتة نهی عن جمیع ما حله الموت من الأجزاء و کذا النهی عن بیع الکلب و الخنزیر إلا أن الفرق بینهما أن ما لا تحله الحیاة من المیتة لا یدخل تحت إطلاق المیتة لأن الظاهر منه مجموع ما لا تحله الحیاة منها أو المراد جمیعها و خرج ما لا تحله الحیاة بالدلیل الدال علی طهارته و جواز الانتفاع به فعلی ذلک لا یخرج عن الملک ما ینتفع به من المیتة من عظم و شبهه و یجوز نقله إذا کان فیه نفع یعتد به بل لو باع المیتة أجمع تبعضت الصفقة علی المشتری بالنسبة إلی ما لا یملک منها و ما یملک و أما ما لا تحله الحیاة من الکلب و الخنزیر فحکمه حکم ما حلته الحیاة.

الثانی و العشرون: میتة غیر ذی النفس السائلة یجوز ملک ما ینتفع به منها و بیعه و شراؤه

کدهن السمک و الضفادع و بعض لحومها للأدویة و تحریم أکله للاستخباث لا یستلزم حرمة بیعه لعدم انحصار منفعته الظاهرة فی الأکل.

الثالث و العشرون: اللهو الذی من شأنه أن یُنسی ذکر الله تعالی و عبادته و یلهی عن اکتساب الخیر و الرزق حرام

سواء کان بآلة أو بدونها کالرقص و بعض أنواع الصفق و اقتناء بعض الطیور للّعب بها و صید اللهو و هذا هو المفهوم من ذم اللّهو و اللعب فی الکتاب و السنة و لأنه لو وزن الحق و الباطل لکان من الباطل و یحرم اقتناء الآلات المعدّة له المختصة منافعها الظاهرة به و إن أمکن الانتفاع نادراً بها بغیره کالطبل فی غیر الضرورة و مقام الحرب و المزامیر و الرباب و السنطور و الناقوس بل ربما یلحق

ص: 9

بها المراصع و الشاخات و الطوبة و القلل بل الکعاب المعمولة للهو بها و یحرم استعمالها و نقلها و انتقالها بعوض و بدونه للأخبار و الاجماع المنجبرین بالشهرة المحصلة و یلحق بذلک آلات الخمور و القمار کالشطرنج و النرد و الأربعة عشر بل أوانی الذهب و الفضة و الدراهم الزیوف و الدنانیر کذلک و الجواهر المغشوشة و نحو ذلک و لو باع المادة مجردة عن الصورة لم یصح و لو شرط علی المشتری أن یکسرها قبل الاقباض أو أن یکسرها المشتری لو کان عدلًا أو یتلفها لم یصح لتعلق النهی ببیعها علی جهة الإطلاق علی احتمال الصحة سیّما لو علم أن المشتری یکسرها فوراً و الأقرب فوریة وجوب کسرها و یجب علی من تمکن من إتلاف صورتها و إرجاع المادة لمالکها أو عدم منعه منها و بذله له ذلک و لو أتلف المادة فإن کان لعدم إمکان إتلاف الصورة بدونها لم یضمن و ان أمکنه إتلاف الصورة بدون المادة فالأقوی ضمانها بالمثل أو القیمة مجرد عن الصورة و لو باع الصورة و المادة باسمها بطل البیع و لم تتبعض الصفقة و کذا لو باعهما منفردین و لا یدخل ملک الصورة فی ملک الکافر إلا المستحل فیه وجهان و لو کانت الآلة ذات جهتین کبعض الآلات القابلة للهو و لظرفیة المآکل و المشارب و القابلة للخمر و لغیره اتبع القصد فی الحرمة و الحل و فی الصحة و الفساد کلام سیجی ء إن شاء الله تعالی.

الرابع و العشرون: کلما یمکن الاکتساب به فی جهتین محرمة و محللة اتبع فی التحریم و التحلیل قصد الناقل و المنقول إلیه

أو هما معاً و أما الفساد فما تعلق تعلق به نهی نفسی أو انعقد إجماع علی فساده فهو فاسد و إلا فلا دلیل علی فساده لأن النهی فی المعاملة إذا لم یکن اصلیاً نفسیاً لا یدل شرعاً و لا عرفاً علی فساد المعاملة و لم یقم إجماع علی فساد ما نهی عنه کغیره فعلی ذلک لو باع الطعام فقصد بائعه أو مشتریه القوة به علی الزنی و کذلک اللباس لتحسین الأولاد و الزانیات کان حراماً لما فیه من الإعانة علی الإثم و العزم علی المحرم و لم یکن فاسداً لعدم الدلیل علی فساده حتی لو أخذ شرطاً لم یفسد لتحریمه و إنما یفسد لفساد الشرط المحرم و فساد الشرط یقضی بفساد المشروط و تحریر المسألة أن المحرم إما أن یکون معلوماً وقوعه بعد النقل و الانتقال و لکن غیر مقصود لهما علی سبیل العلّیة المصرحة أو المضمرة أو الشرطیة نعم یعلم

ص: 10

البائع أنه یصنع العنب خمراً بعد انتقاله أو یعلم المشتری کذلک و لکنه قصده السلطان و الملک نعم یعلم أنه لو ملک لوقع منه ذلک فالظاهر أن هذا صحیح و لا حرمة فی نفس النقل و الانتقال و لا یدخل تحت الإعانة المحرمة لأن الظاهر أن الإعانات فی المشترکات تتوقف علی النیة سیما لو کان الحرام المترتب بعیداً تربته کما إذا باع أرضاً یعلم أن صاحبها یکری لها نهراً و یغرس فیها عنباً ثمّ یصنع منه خمراً و السیرة القطعیة قاضیة بعدم المنع فی ذلک و إلا لما بیع علی الفسقة أکلًا و شرباً و ثیاباً و علی الظلمة دوراً و عقاراً فی الخبر فیمن یؤجر سفینته و دابته أن یحمل علیها الخمر و الخنازیر قال لا بأس و فی الآخر یبیع الخشب ممن یتخذه برابط قال لا بأس و فی ثالث عن عصیر العنب ممن یجعله خمراً قال یبیعه حلال و یجعله ذلک حراماً و فی رابع نحو ذلک و فی خامس یبیع العنب ممن یعلم أنه یجعله خمراً قال لا بأس ببیعه و فی سادس إنا نبیع تمرنا ممن یعلم أنه یصنعه خمراً و فی سابع بعه إذا کان عصیراً قال إنه یشتریه من عصیره فیجعله خمراً قال بعته حلالًا فجعله حراماً أبعده الله و احتمال طرح هذه الأخبار أو حملها علی صورة عدم العلم فی ما لیس فیها أعلم أو حمل العلم علی الظن فیما فیها ذلک أو حملها علی الجبر أو علی الذمة الذین یرون حلیة ذلک أو أداؤه الخمر المحرمة أو غیر ذلک کله تعسف و خلاف الظاهر و أما أن یکون مظنوناً بالظن الشرعی أو العادی و هما أولی بالجواز من العلم نعم قد یقال بتحریم ما علم تأذیته إلی تلف النفوس و هتک الأعراض لأنه مصدر الفساد و لا یدخل فی أدلة الجواز و أما أن یکون مأخوذاً شرطاً منهما أو من أحدهما فالأقوی هنا الحرمة و البطلان لأن المشروط باطل ببطلان شرطه و أما أن یکون شرطاً مضمراً مبنیاً علیه العقد فهو کذلک و أما أن یکون راعیا و علة منهما مصرحا بها منهما أو مطویة بینهما لفظاً لا قصداً و علة مصرحة من المشتری أو علة مطریة من البائع فالظاهر الحرمة فی جمیع هذه لأنه من المعاونة عرفاً علی الإثم و من التعاون علیه مع اتفاقهما سیما فی التقریب من الفعل کبیع العنب و العصیر أو الثمر للخمر أو الخشب للصلیب و المباشر هنا و ان کان أقوی من السبب إلا أن الإعانة عرفاً حاصلة و لا یرد أن الله خلق قوة المعصیة و آلاتها و شرائطها و مقتضیاتها و مع ذلک فلیس بمعین قلنا نعم لو

ص: 11

خلق تلک لمجرد المعصیة لکان معیناً و لکن تلک للطاعة و إن علم صرفها بمعصیة فصرفها عبده بسوء اختیاره فی المعصیة فهو لیس بمعین إلا علی الخیر و الطاعة فتأمل و علی الشرطیة أو العلیة المصرح بها منهما أو من البائع أو المطویة من البائع منزل الأخبار و المانعة من بیع الخشب لیعمله صلیباً و عن أجرة البیت فیباع فیه الخمر أو تحمل علی الکراهة أو علی تحریم الأجرة لأنها من ثمن الخمر لعدم تصریح الروایة بأنه باعه لمن یعلم أنه یبیع فیه الخمر و أما الفساد فی ذلک فهو قریب مع التصریح بالعلیة من البائع أو منهما لظاهر فتوی المشهور و الإجماع المنقول و بعض النواهی الأصلیة و أما مع نیة البائع فقط فیشکل الحکم بالفساد لعدم تحقق الإجماع و لعدم التصریح بالنهی فی خصوص الصورة الخاصة و أما مع نیة المشتری فقط فالظاهر أنه لا تحریم أصلًا للسیرة و للأخبار المتقدمة.

الخامس و العشرون: من جملة مشترک الجهتین بیع السلاح لأعداء الدین

و الظاهر أن بهذا خصوصیة زائدة علی ما تقدم من جهة تکثر الإخبار بالنهی عنه فیحرم سواء علم أن السلاح یعینهم علی المقاتلة أو لم یعلم بل لو علم عدم المقاتلة به علی إشکال و سواء کانت الحرب قائمة أم لا و سواء قصد المشتری ذلک أم لا و سواء قصد البائع ذلک أم لا نعم لا یبعد انه لو کانت هدنة بیننا و بین أعدائنا مرجوة لبقاء مدة یعتد بها أمکن أن یدور التحریم مدار قصد الإعانة و عدمه من البائع أو منهما معاً و الأقوی أنه یفسد مع ذلک لتکثر النواهی الأصلیة عنه و ان ظهر احتمال أنه لمکان تقویتهم و إعانتهم علی الإثم و ظاهر الأصحاب و الإجماع المنقول الفساد و یشمل التحریم کل سلاح من حدید أو غیره من الخشب کالقوس أو صوف کالذی یصنع لرمی الحجارة أو عصی معدة للسلاح کالجناة و ما کان مشترکاً ککثیر من الخشب اتبع القصد و لا فرق بین النقل المجانی و بعوض فی التحریم و الفساد کما لا فرق بین الأعداء من المسلمین و الکفار بل لو بغی علی فریق من الإمامیة کان کذلک علی أشکال لخروجه عن مورد النصوص و لا یشمل لفظ السلاح ما یتقی به من الدرع و البیضة و لا یجری لما لا یکون سلاحاً کقوالب الحدید و ما بعد بالفعل عن السلاح و لا یلحق

ص: 12

ظروف الأسلحة فی الأسلحة و لو تجردت الأسلحة عن ظروفها شملها الحکم و ربما یلحق السرج بالسلاح فی روایة و ربما یقید الحکم بوقت الفتنة کما فی روایة أخری و هو غیر بعید إلا أن العمل بالإطلاق و حمل الروایة علی تأکّد التحریم أظهر و لا یبعد کون المعونة للظالمین علمیة لا واقعیة فلو لم یعلمها لم یترتب تحریم و لا فساد بل لا یبعدان کلما کان تحریمه لنهی مفارق یجتمع معه فی الوجود الخارجی یتوقف فساده و حرمته علی العلم بل ربما یدعی أنه لا یفید فساداً إلا مع ورود النهی فی الأخبار بحیث یعود معه کالنهی الأصلی.

السادس و العشرون: کلما لا نفع له یعتد به فی المعاوضة لذاته أو لخسته أو لقلته

کحبة حنطة فی الأعیان و عمل قلیل فی المنافع لا تصح المعاوضة علیه إن بذل العوض فی مقابله و منه ما لا یصلح للنقل مطلقاً و لو مجاناً و منه لا یتعلق به ملک أصلًا و منه لا یتعلق به اختصاص و ربما یختلف باختلاف البلدان و الأزمان و الأحوال و لا بد من التأمل فی ذلک و التمییز بین ما لا نفع فیه أصلًا و رأساً و بین ما فیه منفعة لکنها غیر معتد بها لعدم الاعتناء بها و بین ما له منفعة ظاهرة و بین ما لا له منفعة خفیة و بین ما له منفعة نادرة یندر وقوعها و حکمها حکم المنفعة الظاهرة کمنافع بعض الأدویة و الفرق بین نادرة الوقوع و بین ما لا یعتد به ظاهر و المنفعة الغیر المعتد بها حکمها حکم ما لیس له منفعة و لا یدور الحکم هنا مدار الحشرات أو السباع أو المسوخ أو الفضلات و نحو ذلک فیجوز بیع کثیر من الطیر المشتمل علی نفع و العلق من الدود و زنبور العسل ودود القز و عظام الفیل و دهن السمک و بالجملة فالشی ء إما أن لا یکون له فی حد ذاته منفعة إلا نادرة لا یعتد بها کالدود و القمل و البرغوث و البق و إما أن یکون له منفعة و لکنه مستغنی عن منفعته کبیع الماء علی من هو فیه و الطین علی من هو فی محله أو تکون له منفعة و لکن عرض له عارض عن الانتفاع کماء البحر لملوحته و بعض المیاه کذلک أو تکون له منفعة و لکن لا طریق إلی الوصول إلیها کدار لا طریق لها فی الدخول إلیها أو بستان کذلک أو تکون له منفعة بعد عمله کالتراب بعد صیرورته آجراً أو بعد هیأته کوضع الطین علی هیئة اللبن أو الترب الحسینیة المشرفة أو علی غیرها من الهیئات

ص: 13

المطلوبة أو یکون له نفع ببلد دون آخر أو قوم دون آخرین و بالجملة فما لا نفع فیه لا تصح المعاوضة علیه إذا کان مسلوب المنفعة بحد ذاته لأن شرع العقود لمصالح العباد و لتکسبهم و لحصول النفع لهم و لأن بذل العوض به من السفه المرغوب عنه و أخذه من أکل المال بالباطل نعم یتعلق به حق الاختصاص ما لم یمنع مانع من جواز اقتنائه کما قیل فی بعض السباع المؤذیة و السموم القاتلة الخالیة عن النفع بغیر ذلک فالدریاق المرکب من خمر و لحم الأفاعی بل و یتعلق حقّ الملک فی الکثیر من ذلک لإجراء حکم الأملاک علی کثیر منها بل و التملیک المجانی سوی المعاوضة علیه و من ذلک ما لا تصح المعاوضة علیه لقلته أو لعدم الوصول إلیه مع احتمال أن القلیل تصلح المعاوضة علیه بالمثل و إن لم تصلح بالقیمة کما یصلح نقله و انتقاله مجاناً و قد ذکروا هنا المسوخ و السباع و الحشرات و بعض الحیوانات الصغار فمنع جماعة من بیع السباع کلها و جوز آخرون بیعها کلها و ثالث جعل الأمر دائراً مدار النفع و رابع استثنی الفهود و خامس ما یصاد به و سادس الهرة و جوارح الطیر و فی جملة من الأخبار تجویز بیع الهرة و الفهد و سباع الطیر و جلود السباع و السباع و جلد النمور و هو دلیل علی جواز بیع ما اشتمل علی نفع و جلده أو صیده أو عظمه و الانتفاع بجلده دلیل علی طهارته و جواز بیعه و أما المسوخ فهو الحیوان المبدل من صورة إلی أقبح منها و یقال إنه لا یبقی أکثر من ثلاثة أیام فالموجود الیوم إما موالیدها إن کان لها موالید أو الحیوان الذی علی صورتها المتقدم علیها خلقاً کما هو الظاهر أو المتأخر عنها خلقاً فذهب الشیخ إلی تحریم بیعها مطلقاً بناءً علی نجاستها و هو ضعیف لضعف المبنی علیه و اجماعه المنقول معارض بما هو أقوی و فی الأخبار ما یدل علی جواز بیع عظم الفیل مشطا و هو دلیل علی جواز استعماله بیعه حیّاً لمکان عظمه أو الصلح علی عظمه و هو حی و ما یدل علی جواز استعمال جلود الثعالب و الأرانب و هو دلیل علی جواز بیعه لأنه لم یحرم لبسه فلا یحرم ثمنه إذ لا یراد بما إذا حرم الله شیئاً حرم ثمنه بتحریمه و لو من جهة واحدة بدیهة بل إما من کل جهة أو من جهة ما حرم بینهما فعلی ذلک یجوز بیعهما لمکان جلدهما أو الصلح علی جلدهما حیین و بالجملة فما أمکن الانتفاع به من المسوخ بشمله

ص: 14

عمومات الأدلة من العقود و البیوع و الإجارات و نقل عن العلامة (رحمه الله) أنه یقول إنَّ (أحل الله البیع) شامل لجمیع أنواع المبیع عند الفقهاء فی جمیع الإعصار و یدخل تحت الملک لتحقق السلطان علیه مع وجود نفع یعود لمن تحت یده و لا تجوز مزاحمته و لا رفع یده فهو إما ملک أو اختصاص شبه الملک و ربما یقال إنه لا فرق مع وجود المنفعة بین حیوان دون آخر اتفاقا فما فی بعض الأخبار من النهی عن بیع القرد و شرائه أما خاص أو علی الکراهة أو علی نیة اللهو أو کاشف عن أنه لا ینتفع به و أما الحشرات فهی التی لا تحتاج إلی الماء و لا إلی شم الهواء و مثله الحیوانات الصغار کالسلبوح و الذباب و ما شاکلها فحکمها کما قدمنا من جواز التکسب بها مع حصول النفع المعتد به و عدمه مع عدمه و تعلق الاختصاص به بعد وضع الید علیه لأن مزاحمة الواضع ظلم و أما الملک فیشکل الحکم فیه لعدم کونه مالا أو مقتطعاً من مال أو یئول إلی مال أو یعتد به بحیث یعده أهل العرف عداد المملوکات و لو شککنا فی حیوان أنه مما ینتفع به أم لا فالأصل عدم الانتفاع به و مما یعد هنا فضلات الإنسان أیضاً من شعره و عرقه و بصاقه و کذا فضلات غیره من الحیوانات مما لا نفع له عادةً و إن أمکن الانتفاع نادراً فی بعض الفضلات لخاصیة فیها عند بعض أهل الخواص أو عند بعض أطباء الحیوان أو أهل الأسرار أو انتفعت امرأة بشعر أخری فإن هذه المنافع لا یسوغ معها النقل و الانتقال بالعوض بل و لا التملیک المجانی و فی حصول الملک فی بعضها وجه کما أن الاختصاص فی کثیر منها لا محیص عنه و أما التراب فالظاهر أنه مما لا یحتاج إلیه فیدخل تحت دلیل السفه فی وجه و لیس مما لا ینتفع فیه بل اکثر النفع فیه فی عبادات و معاملات و کذلک الرمل و یجوز بیع النوی و کثیر من قشور الفواکه و الخضروات و الجوز و البندق و إن استغنی عنها ما لم یدخل تحت دلیل السفه و أما بیع الدخان المتصاعد فی المملوک حطباً أو غیره أو بیع البخار المتصاعد من الماء المملوک و نحو ذلک فلا یخلو عن إشکال و لو أمکن قبضه للشک فی دخوله فی الملک و حصول الانتفاع به نفعاً یقابل بالعوض و قد یقال بمنع بیع الهرة بعدم قضاء سیرة المسلمین ببیعها مع حاجتهم للتکسب و کثرة تداولها و ما ورد من جواز بیعها محمول علی دفع حق الاختصاص عنها و من ذهب

ص: 15

إلی التصدق بثمنها یشیر إلی عدم لزوم نقلها أو انتقالها و یجوز بیع لبن الامرأة لأنه یشتمل علی نفع یعتد به و هو مملوک لها علی الأظهر لأن الحر یملک منافعه و فوائده و هل یجوز نقل لبن الکافرة لتغذیة الطفل أو منفصلًا لجواز استرضاع الذمیة وجهان من حصول النفع المعتد به و من کونه من المائعات النجسة و الأقرب جوازه تبعاً لأصالته و یجوز بیع لبن الأتان للتداوی به بل کل لبن ینتفع به نفعاً یعتد به و لو کان من غیر مأکول اللحم.

السابع و العشرون: مما یحرم الاکتساب به عمل الصور المجسمة ذوات الظل علی شکل حیوان

أو إنسان أو غیره صغیراً أو کبیراً حیّاً أو میتاً معیناً بنفسه أو علی شکل رجل أو ولد أو بنت أو امرأة کلیة للأخبار و الاجماع و ظاهر المنع فیها مخصوص بالصور ذوات الجسم الذی یمکن أن یقوم بنفسه فلا اعتبار بالصور الحاصلة من البناء أو الحیاکة من مقابلة بعض الأحجار لبعض أو مقابلة بعض المسوخ لبعض و کذا لا اعتبار بالأصباغ و أما الصبغ الذی یشتمل علی أجزاء تلصق بالورق أو الحجارة فوجهان من أنها لا تقوم بنفسها و الأصل الحل و من أنها جسم لاصق بجسم و إن خف و لطف و له ظل لو فرضنا قوامه بنفسه و المدار علی تمام الصورة فإن نوی عملها حُرم علیه ابتداء العمل و أن نوی الأبعاض بشرط عدم غیرها لم یحرم علیه ابتداء العمل و إن فعل متردداً فی الإتمام و عدمه فوجهان و لا یبعد التحریم و إن اشترک اثنان حرم علیهما معاً عند اجتماعهما و لو ترتبا احتمل فعل الأخیر فقط و أحتمل تحریم المبتدئ أیضاً إذا کان من نیته أن یبتدئ لعامل آخر تم العمل و لو وجد شخص صورة ناقصة فأتمها تعلق التحریم به و الظاهر أن المدار علی ما ظهر من الصورة فلا اعتبار بالبواطن فلو لم تکن لها قلب و کرشة أو مصران أو طحال لم یسقط به حکم التحریم و لو کانت ناقصة جزء لا ینافی صدق اسم الحیوان علیه فالظاهر عدم سقوط حکم التحریم و کذا لو کان موضوعاً علی شکل النادر من الإنسان کالموضوع علی ذی حقوین أو ذی رأسین أو نحو ذلک و کذا لو کان علی شکل اعور أو اعرج أو أعمی علی الأظهر و لو کان موضوعاً علی شکل مبدأ الإنسان کعلقة أو مضغة فوجهان و لو عمل أجزاء

ص: 16

متفرقة فإن نوی تواصلها فی الغیر أو یواصلها حرم الابتداء و إن لم ینو تعلقت الحرمة بالمواصل و لو توهم شکل حیوان لیس علی طرزه شی ء من الحیوانات الخارجة فصور بهذه النیة فلا تحریم و لو رکب حیوانا من حیوانین نصفا و نصفا أو غیره من الکسور فإن کان مما وقع فی الوجود حرم و إلا فوجهان و لا اعتبار بالشعر وجوداً أو عدما و لا بالقرن و الأظفار و لا یحرم تصویر الأشجار بمجسم أو غیره و کذا غیر الحیوان مطلقاً لظهور الأخبار فی تحریم تصویر ذوات الأرواح نعم لا یبعد تحریم تصویر الجن إذا کانت صورهم معلومة أو الملائکة أما إذا لم تکن معلومة و لکنها مخترعة کبعض ما یخترعونه من صور السعالی و نحوها من الصور التی یقرب لهم أنها صورهم فوجهان و الحل أقوی بحسب النظر و الفقاهة و بالجملة فلا بأس بصورة غیر مجسمة لجسم أو غیره سواء کان المجسم حیواناً أو غیره و لا بأس بصورة مجسمة لغیر مجسم أو لمجسم ما لم یکن حیواناً و الأقوی جواز اقتناء الصور مطلقاً بل استعمالها و التکسب بها بعد عملها لو کان لها نفع یعتد به ما لم تدخل فی اسم الملاهی و غیرها من المحرمات و الصور و النقوش فی الدور و الفرش مما جرت علیه سیرة المسلمین و لو اشترکت الصورة بین الحیوان و غیره اتبع القصد و لا یجب منع الصبیان عن التصویر لعدم کونه مثاراً للفساد و یجوز النظر إلی صورة الامرأة من غیر لذة و لو کانت صبیة بل یجوز النظر إلی صورتها المعکوسة فی مرآة و نحوها للأصل.

الثامن و العشرون: مما یحرم فعله و الاکتساب به الغناء

إجماعا کتاباً و سنة بل و عقلا لأنه منبع الفساد الذی نهی عنه رب العباد و هو کالزنا حرام لنفسه لا للعوارض اللاحقة له الباعثة علی الفساد کدخول الرجال علی النساء و اجتماع الأولاد و حدوث العشق و اللواط و استعمال الملاهی من الرقص و آلات اللهو و الضرب بالعود و الرباب و نحو ذلک کما قد یتخیل و هو خیال واه مخالف لظواهر الأدلة بل الإجماع المحصل نعم ربما یکون ذلک حکمة للحکم لا علة و الاستناد فی جوازه بنفسه إلی بعض الأخبار الضعیفة الموافقة للعامة المخالفة للشهرة بل الإجماع محصلة و منقولة بل الأخبار المتواترة الدالة علی النهی عنه بقول مطلق لا وجه بالکلیة سواء أراد أنَّ تحریمه مقصور

ص: 17

علی اقترانه بذلک أو أراد إن موضوعة موقوف صدقه علی ذلک کلاهما بدیهی البطلان أعاذنا الرحمن من وساوس الشیطان و من أن حب الشی ء یعمی و یصم و مثل ذلک من قصد تحریمه أو موضوعه فی احتمال علی ما لم یکن فی قرآن أو تعزیة لأخبار ضعیفة غیر قابلة للتخصیص بل لا تقوم فی نفسها فی الحجیة موافقة فی الکتاب للعامة و هی فی تعزیة الحسین (علیه السلام) لطمع الدراهم من القارئین أو شهوة النفس من المستمعین و دعوی العموم من وجه بین أدلة استحباب قراءة القرآن و تعزیة الحسین (علیه السلام) و تقدیم أدلة الاستحباب لموافقتها الأصل من الأغلاط الواضحة لمنع تعارض الأدلة أولًا لأن الغناء من کیفیات الأصوات فالنهی عنه أخص من المأمور به و هو القرآن غایة ما فی الباب دخول الکیفیات فی إطلاق القراءة و هو لا یعارض النهی بالعام عن الغناء قطعاً و ثانیاً من المعتبر الوارد قوله (علیه السلام): (ما أجتمع حلال و حرام إلا و غلب الحرام) و ثالثاً أن موارد أدلة الاحتیاط اللازم هی هذه الموارد و شبهها و رابعاً أن هذا التخصیص خلاف العرف و الشرع و لو ساغ ذلک لحلت جمیع الحرمات عند دخول المستحبات فیها من إجابة التماس أو سرور مؤمن أو غیره و هو خلاف البدیهة بل لا یفهم أهل العرف إلا تخصیص المندوبات بالمحرمات علی أن المطلقات من المثبتات تخصیصها النواهی لأن عمومها کالنص بالنسبة إلی الظاهر و هو ظاهر و خامساً أنه قد ورد إیاکم و لحون أهل الفسق فإنه سیجی ء قوم یرجعون القرآن ترجیع الغناء نعم العوام من الناس الذین لا یعرفون العرف لقلة تمیزهم و إدراکهم سوی ما کان مستعملًا عندهم لا یسمون المؤذن و الداعی و القارئ و الناعی علی الحسین (علیه السلام) مغنیاً لاشمئزاز أطباعهم عن انتساب هذه الصفة لهؤلاء الفاعلین و بالجملة فالغناء لا یزیل حکمه و لا یرفع اسمه کونه فی مندوب أوفی واجب و لا فی کونه فی قریض أو فی شعر الیوم من البدو و المعدان و کذلک لا یثبت حکمه و لا یحقق اسمه بعد أن کان مقولة الأصوات الغیر مشروطة اسماً و حکماً بشرط من الأمور الخارجة کونه یشتمل علی الباطل من الکلام أو کونه مثاراً للفساد و دخول الرجال علی النساء أو کونه مصاحباً لآلات اللهو للقطع بانه من مقولات الأصوات أو کیفیاتها کما هو عند أهل

ص: 18

اللغة و العرف فلا مدخلیة لمصاحبته لشی ء خارج عنه و لا یتوقف تحریمه علی شی ء خارج عنه لأنه هو اللغو و اللهو و قول الزور نعم لو اتحد مع آلة اللهو صوت المغنی کان حراماً من جهتین و ما ورد فی خبر (علی بن جعفر) عن الغناء هل یصلح فی الفطر و الأضحی قال لا بأس ما لم یعص به فهو محمول علی التقیة أو مطرح أو یراد به المشارف علی تسمیته غناء و هو استعمال شائع أو علی الغناء فی العرس إن قلنا به المقارن للعیدین و مثله فی الحمل ما یقرب إلیه مما یؤدی ذلک الحکم نعم قد أضطرب کلام اللغویین و الفقهاء فی بیان معناه و کذلک أهل العرف حصل لهم الاشتباه فیه لاشتباهه عندهم فلنا أن نرمیه بالإجمال أو نبینه فإن رمیناه بالإجمال قلنا أن لا نشک أن للغناء معنی واحد لغة و عرفاً و شرعاً و لیس له معان متعددة حتی نحمل الأخبار علی اللغة أو علی العرف العام إن قدمناه علیها أو علی المعنی الشرعی إن وجد بل هو المقدم علیهما و ذلک المعنی الواحد اشتبهت ماهیته علینا فیجب علینا تجنب الجمیع من باب المقدمة بناء علی أن المحصور عند الاشتباه حکمه حکم الواجب فیجب ترک الجمیع کما یجب الإتیان بالجمیع و لا یتفاوت فی لزوم الاجتناب بین شبهة الموضوع الراجعة إلی شبهة الحکم أو الراجعة إلی الموضوع نفسه کما قد یتخیل لا یقال إن هذه الشبهة فی غیر المحصور فلا یلزم اجتنابها للاجماع و العسر و الحرج لأنا نقول ذلک حتی لو کان الاشتباه فی افراد الأصوات أما لو کان الاشتباه فی الأنواع کان من قبیل المحصور لا یلزم من الاجتناب عنه العسر و الحرج لأنه من المعلوم أن کلامنا و أصواتنا المعتادة لیست غناء و وقع الشک فی أنواع أخری کیفیات خاصة مضبوطة و لو انها من غیر معتاد الکلام و الأصوات فیلزم اجتنابها و لا عسر و لا حرج بل قد یقال إن المقامات و الألحان المشکوک فی دخول الغناء فیهن أمر مضبوط عند المغنین بل کتبوا فیه کتباً و رسائل فیجتنب ذلک المشکوک به و یرتکب ذلک المقطوع بعدمه لا یقال إنّا فنتمسک بالأصل کالتکلیف المجمل لا التکلیف بالمجمل تأخذ فرداً مقطوعاً بأنه غناء و نتمسک فی غیره بالأصل قلنا من المقطوع به أن هذا تکلیف بالمجمل و لا یجری فیه الأصل علی الأقوی لانقطاعه بمثله و دعوی أنه یؤخذ فیه بالفرد المقطوع بأنه غناء و یتمسک فی الباقی

ص: 19

بالأصل مسلّم و لکنه لیس فرض المسألة لأن فرض المسألة الفرض إجمال هذا الموضوع بحیث لم یحصل تمیز لبعض أفراده أو أنه حصل تمیز لبعض أفراده و لکن قطعنا أن له أفراداً قد اشتبهت فی غیره أما لو ظهر نوع أو فرد من المحرم و شککنا بعد ذلک فی حرمة غیره فلا شک أن الأصل حل الباقی لعدم المقتضی لتحریمه لأن المقتضی الإجمال الذی دفعه ظهور فرد ینطبق علیه ذلک المجمل فیبقی الباقی مشکوکاً فی أصل تعلق الخطاب به فالأصل إباحته نعم قد یقال إن الأصوات المتجددة لیست کالموجودات الخارجیة فی وجوب الاجتناب عنها فی الشبهة لأن المتجدد إذا اجتمع مع الأصوات المتجددة المفروضة و هما لیس حکمها کحکم الموجودات الخارجیة بحیث یتعلق بها خطاب المقدمة و مثل ذلک ما لو علمت أن فیما یصنعه الکواز إلی شهر إناء نجساً فقام یصنع و یبیع أ لا تری یجب علینا تجنب ما یعمله الکواز إلی شهر أو أکثر أو یقال إن هذا البئر من کل شهر یوماً من بالوعة نجسه و لکن لم یدر أی یوم من أیام الشهر إلی غیر ذلک و لکن الأظهر فی النظر عدم الفرق بین المتحدد و الموجود لأنه موجود بحسب الإمکان فی أحد الأزمنة فیجعل حکمه الموجود و یجری حکم الشبهة فی النوع إلی الشبهة فی الفرد بعد العلم بأن نوع الغناء هو الکیفیة الخاصة فقرأ شخص أو قرأ القاری نفسه یلحق شک فی دخوله تحت العنوان و عدمه فله أن یتمسک بأصل الإباحة و له أن یمنع الاحتیاط لکونه کالشبهة المحصورة فی الموجودات الخارجة و له أن یتمسک بالأصل بعد العلم بدخول فرد تحت الغناء غیر هذا فإن لم یعلم فلا بد من الاحتیاط و إن بیّناه فبیانه بعد العلم بأن معناه واحد أما بالرجوع إلی أهل اللغة النقلة أو الفقهاء الناقلین و الرجوع إلیهم یقضی بأخذ إثبات کل منهم و طرح ما نفاه أو بأخذ المتفق علیه منهم و طرح ما انفرد به کل واحد منهم أو ننظر فی الترجیح بین النقل من الأکثریة و الأعدلیة و الأضبطیة لأن کل واحد منهم مثبت لما نفاه الأخر و لأن ظاهر النقل أن التفسیر هو تمام المفسر منطبق علیه لا أقل أنه خاصة أو جنس أو عوض عام فلا یکون جعله رسماً بما یلحقه مرة من الصفات و مرة لا یلحقه لأن الذین یقولون انه رسم یدعون أن تفاسیرهم کلها تشیر إلی المعنی العرفی کالسعدانة نبت و هذا ضعیف لأن النبت بالنسبة

ص: 20

إلی السعدانة جنس بخلاف من فسر الغناء بالترجیع و الآخر بالمطرب فإنه علی الأول قد ینفک عن الثانی بل قد ینفک عن الأول فلا یصلح تفسیر الشی ء بما یلحقه مرة و أخری لا یلحقه فکیف یمکن أن جمیعهم یریدون معنی واحداً یعرفه الجمیع نعم الجمیع یحاولون بیان المعنی العرفی و کل منهم بنظره أن المعنی العرفی ما فسره به لأنه فی مقام البیان لأن الغناء من المحتاج إلی معرفة موضوعة لعدم التساهل بحکمه فظهر عدم إمکان القول بأن التعاریف لفظیة و لا معارضة فیها و کلهم متفقون علی معنی واحد یشیرون إلیه بذلک التفسیر إشارة و إن لم یکن المفسر به ملازماً لمخالفة الظاهر تمام المخالفة و علی ما ذکرنا فلا بد من الترجیح و الطرح و الرجوع إلی العرف لإمکان اشتباههم فی العرف فلعلنا نفهم غیر ما فهموه و طرح البعض لمفارقته دون الآخر أو جعل الجمیع غناء عندهم علی سبیل الاشتراک المعنوی أو اللفظی و إن کان بعیداً لظهور وحدة معناه أو جعل ما ذکروا غناء و ما حکم به العرف أیضاً کذلک إن خالفهم و لا یمکن حمل المطلق علی المقید فی کلامهم أو حمل العام علی الخاص لأن شرط حمل المطلق و العام علی المقید و الخاص کونهما من متکلم واحد أو شبهه ککلام الأئمة (علیهم السلام) علی أن ذلک فی التفاسیر و الحدود غیر موافق للضوابط و علی کل حال فالمعروف فی تفسیره و الأقوی إلی العرف هو الصوت الممدود أو مد الصوت المشتمل علی رجع المطرب أی الذی من شأنه الإطراب لفاعله أو لمستمعة و إلیه یرجع انه ترجیع الصوت و مده أو انه من الأصوات ما طربه أو انه تحسین الصوت أو انه مد الصوت و موالاته أوانه الصوت المطرب أو انه مد الصوت ضرورة إدارة مده علی نحو غیر نحو النداء أو الصراخ و أما العرف فمن المعلوم عندهم انه لیس کل من مد صوتاً فی کلامه غناء سواء صرخ أو نادی و لا کل من رجع غناء و لو بالترجیع المنکر و لو مرة و لا کل من اعتنی بصوته و حسن غناءه لأن کلًا من الداعین و القارئین و الزائرین کذلک و لا کل من أطرب بنفس صوته لحسنه غناء کما ینقل عن سید الساجدین عن الأنبیاء الماضین (علیهم السلام) و لا کل من رقّقَ غناء و لو کان لضعف أو لأمر آخر أو لقبح کما یفعله النساء و هل المراد بالترجیع المرة و المرتین أو المراد و هل الطرب فیه فی النفس أو لذة و میل

ص: 21

للصوت و هدیه أو بالمد العرفی أو الصرفی و ربما عاد الإجمال فی کلا تفاسیرهم و الأظهر انه کیفیة للصوت یعرفها أهل العرف لا نفس الصورة و له لوازم تنبعث عنه لکونه مطرباً محدثاً لخفة النفس عند استماعه مهیجاً لتذکر المعشوق عند سماعه و فعله محرکاً للشهوة الحیوانیة و هذه کلها تلحقه من حیث نفسه ما لم یمنع من السامع له من تقوی أو حزن أوهم مانع أو ما لم یمنع مانع من فاعله لکراهته و قبح صورته و خشونة صوته و یعرفه أهل العرف کما یعرفون الفرق بین حرکة الرقص اللهوی المطرب و حرکة اللطم الحزین و بین حرکة الذی یسمونه یهوس فی الحرب و کما یفرقون بین المهللة و المغنیة و إن اشتملت الهلاهل علی صوت و عود و ترجیع و بالجملة فاللغویون حاولوا کشف معناه عرفاً و کل منهم تخیل وصوله إلی العرف دون ما هو عند أهل اللغة و إن کان کله بمعنی واحد و الظاهر أنه لو أجتمع فی الصوت المد و الترجیع و التحسین و الموالاة و الأطراب المنشانی و الترنیق علی نحو خاص کان غناء عرفاً فالهلاهل غناء و الحوراب الذی یصنع فی الحرب کذلک و یمکن أن یقال أن الغناء یتبع القصد عند اجتماع هذه الأوصاف فإن قصد به القارئ و المستمع الطرب و اللّهو و تذکر المعشوق کان غناء و إن قصد به حزناً أو بکاء أو مدحاً أو قدحاً لم یکن غناء و ربما یساعد ذلک العرف الیوم و لکنه بعید عن مذاق الفقهاء.

التاسع و العشرون: و قد استثنی بعضهم من حرمة الغناء ما یتبع فی الأعراس

للصحیح أجر المغنیة التی تزف العرائس لیس به بأس لیست بالتی تدخل علیها الرجال و إلا حرم کسب المغنیات التی تدخل علیها الرجال حرام و التی تدعی للأعراس لیس به بأس بناء علی أن تحلیل الأجرة یلازم تحلیل المستأجر علیه لأن الله تعالی إذا حرم شیئاً حرم ثمنه و إضافة الأجر إلیها ظاهر فإن الأجرة علی الغناء و ظاهر فی شموله للدوام و المتعة و لکن لا بد من الاقتصار علی المغنیة دون المغنی و الاقتصار علی حالة الزفاف و من الامرأة إلیه لا من الرجل إلیها حین الزفاف لا یومه کله مع احتمال ذلک مع دخول اللیل و قید بعضهم بما إذا لم تدخل علیها الرجال و لا بد من تقییده بالأجانب لمکان حرمة صوتها و احتمال العموم ضعیف و لم تتکلم بالباطل و لم تتلعّب

ص: 22

بالملاهی و القید الأول قد تشعر به الروایة و إن کان ظاهر الأخیرة المقابلة و أن الذی للأعراس لا بأس به مطلقاً لأن استعدادها للعرس و الفرح لدخول الرجال فتخصیص التحریم بمن استعدت لدخول الرجال إلا أن أشعارها بعموم التحریم عند دخول الرجال ظاهر لا ینکر و أما التکلم بالباطل فهو حرام بنفسه لا یجوز اخذ الأجرة علیه فلو قلنا إن الغناء نفس الصوت حرمت اجرته لاتحاده مع الکلام بالباطل و إن قلنا انه کیفیة الصوت احتمل وجهان التحریم لمکان اتحاده و حلیته لکونه کالمقدمة له و أما اللعب بالملاهی فحرام لا ینافی اخذ الأجرة علی الغناء المصاحب له إلا مع فرض اتحاد صوت آلة اللهو معه و قد نقل بعضهم الشهرة علی الحکم حتی یتسرّی بعضهم إلی جواز الدف معه العادی عن الصَّنج و الجلاجل و لکن الحق خلاف جمیع ذلک لعموم النهی عن اللهو و عن قول الزور و انه لو میّز الحق عن الباطل لکان الغناء منه و انه الباعث عن الفسوق و الفجور و علی إتیان الفساد و الأحوال التی لا یرضی بها رب العباد فکان تحریمه کتحریم القبیح العقلی الذی لا یقبل التخصیص و دعوی بعضهم أن العقل لا یقبح ذلک و لا لقبح الالتذاذ بتقبیل النساء و مجالستهن بل و مجامعتهن فإن ذلک مما یفید طرباً و لذة و خفة مع انه مرغوب إلیه دعوی لا محصل لها لأن العقل یقبح مثار الفساد الباعث علی معاصی رب العباد المانع من الحلال الداعی إلی الحرام لا یقبح ما شرعه رب العدل من اللذة الحافظة للنسل الموافق حسنها لجمال العقل المبتنی علیها نظام العالم و الذی صدر عنها سلسلة بنی أدم و قد بنیت الشرائع علی حفظ الأصول الخمس الذی هذا منها و قد یستثنی الحد لروایة عبد الله بن رواحة (رضی الله عنه) حیث أمره النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) بالارتجاز و کان جید الحد و هو ضعیف إن دخل الحد و فی مصداق الغناء لعدم القابلیة للتخصیص و إن لم یدخل کما هو الظاهر فلا بأس بالقول بتحلیله و لو قلنا بدخوله فی اسم الغناء لزم الظالمین لحرمتها بنفسها بما تسمی إعانة عرفاً سواء بعدت مقدماتها أو قربت و تحرم إعانة الظالم بنفسه علی معصیته و الظالم لغیره فی ماله أو نفسه أو عرضه أو دینه و فی ظلمه أو لأجل ظلمه أو علی ظلمه لقوله تعالی: (وَ لٰا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا) (هود آیة 113) أو لقوله: (وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ) (المائدة آیة 2).

ص: 23

و مفهوم قوله تعالی: (کٰانُوا لٰا یَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنکَرٍ فَعَلُوهُ) (المائدة آیة 9) و للأخبار المتواترة الناهیة عن المیل إلی الظلمة و خدمتهم و الکتابة لهم و بناء مسجد لهم و قضاء حوائجهم و السعی فی مصالحهم و حب بقائهم و لقائهم و وطء فراشهم و طلب معاشهم و لکن کل ذلک مخصوص بما قصد المعونة لهم علی ظلمهم فیحرم لتحریم ما قصد له أو علی المیل القلبی له من حیثیة مناصبهم و ارتفاع کلمتهم أو علی تقویم أمرهم و إعلاء شأنهم و تقویة جندهم أو جر النفع لهم فی رئاستهم و بقاء منصبهم أو ربط المودة معهم الباعثة علی تسویة کلمتهم و المیل إلیهم بسب ظلمهم و جبروتهم أو تکثیر سوادهم أو إهدائهم إلی معانی الظلم أو إعانتهم فی النظر أو المشورة أو أعداد الملابس لجندهم أو جمع الأطعمة لعساکرهم أو غیر ذلک مما لا أختص وجهه فی المحرم أو مما کان مشترکاً و لکن قصدت جهة الحرام نعم یکره ما کان عبثاً لا لقصد محرم و لا لقصد مندوب من الأمور المشترکة أما لو کان فی المشترکات عود النفع للعامل من المباحات فلا بأس به من طبخ الزاد لهم و خیاطة ثیابهم و حمل الأطعمة لهم و بیعها علیهم و بیع الملابس و الدور و البساتین علیهم و إکرام ضیفهم و دفع اللقمة لسائلیهم و دفع الماء عند العطش لعطشانهم و الهدیة لهم و حجامتهم و فصدهم و طبیاتهم و البیطرة لدوابهم فلا بأس به للسیرة القطعیة من قدیم الزمان إلی الآن علی معاملتهم و مزارعتهم و أخذ المضاربات منهم و البیع علیهم و الشراء منهم و استئجار أرضهم و إجاراتهم و أخذ الدواب منهم و بیعها علیهم إلی غیر ذلک و یشعر بذلک ما ورد عن أئمتنا (علیهم السلام) من عود مرضاهم و تشییع جنائزهم و الصلاة معهم و إظهار المودة لهم فإن ذلک من لوازم هذا و آثاره لأن ترک معاملتهم مما ینفر طباعهم و یُبعد الرحمة عن قلوبهم و توحش أنفسهم بل قارنت نیة مخالطتهم و معاملتهم و القرب إلیهم تفریج الکربة عن المؤمنین و دفع الشدة عن المتعلمین و قضاء حوائج الفقراء و المساکین و کانت مرتبة (علی بن یقطین) من أعظم القربات و من أعلی المندوبات و من أجل ما یرضی رب السماوات و هو الذی یظهر من الأخبار و الآثار و السیرة القطعیة و رفع العسر و الحرج و الشریعة السمحة السهلة و الجمع بین ذلک إن سلاطین الملل الخارجة عن فرقة الحق لا تجوز إعانتهم فی المباحات الراجعة

ص: 24

إلی تقویة شوکتهم و إعلاء کلمتهم و اجتماع جندهم و تکثیر سوادهم و لا فی المباحات المشترکة بین ذلک و بین غیرها مما یباح مع قصد أعانتهم علی ظلمهم و تقویة کلمتهم و یکره أعانتهم فی المباحات الراجعة إلی خدمة أشخاصهم و صحة أبدانهم و تقویة أمزجتهم و خیاطة لباسهم و جلب طعامهم و تضییفهم و عطائهم لا بنیة إعانتهم بل تکره محبة أشخاصهم و لو لمکارم أخلاقهم و حسن سجایاهم و تستحب أعانتهم و القرب إلیهم لقصد دفع أذاهم و تقلیل ظلمهم و فک الحبیس منهم و إطلاق الأسیر من أیدیهم و حفظ الأموال المعتصمة منهم فتندب معاشرتهم و السلوک معهم و إظهار مودتهم کی یقول: (رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما کان یؤدب أصحابه) و هذا یعمُّ سائر الفرق و لکن یختص فرقة المخالفین بندب تقیتهم و مخالطتهم بالمعروف و الإحسان إلیهم و إن لم یکن التقیة قائمة فی الحال و أما ظلمة أهل المناصب من الإمامیة فیحرم القسمان الأولان بالنسبة إلیهم و یندب الأخیر و یباح الثالث و حکمهم کحکم غیرهم من العصاة فی مخالطة و معاملة إلا أن تخییر خلطهم و معاملتهم إلی ارتکاب الشبهات و أکل المال المشتبه و الوقوع فی المحرمات فإن طاف حول الحمی أو شک أن یقع فیه أو یئول إلی تکثیر سوادهم و تقویة جندهم و الاستعداد لکونه من أتباعهم فإن ذلک بین محرم و مکروه و أما المعاملة التی تعلق بها التحریم لدخولها تحت المعونة المحرمة فالظاهر صحتها لعدم تعلق النهی الأصلی عنه و النهی عن الوصف المفارق لا یفضی بالفساد و إن اتحد فی الوجود الخارجی مع فرد المعاملة لعدم قیام إجماع أو قضاء عرف بالفساد نعم ما یتعلق به النهی الأصلی کبیع المسوخ و السلاح لأعداء الدین و نحو ذاک یقضی بالفساد کما قدمنا ما لم یعلم أن نهیه غیر ما کان بالنهی عن البیع وقت النداء و المقام لا یخلو من تأمل.

الثانی و الثلاثون: یحرم التکسب بکتب الضلال نسخاً و بیعاً

تعلیماً و حفظاً علی الصدر أو حفظاً من التلف و یحرم اقتناؤها و تلاوتها وهبتها و عاریتها و استیداعها بل و یجوز میراثها و لا یمکن ملک صورتها کل ذلک لظاهر فتوی الأصحاب حتی کاد أن یکون فی الجملة إجماعاً محصلًا و لنفی الخلاف عن حرمة حفظها و نسخها لغیر

ص: 25

النقض کما عن العلامة و لأنها أولی بالإتلاف من هیاکل العبادة و آلات اللهو و لأنها من قول الزور و اللغو و لهو الحدیث المأمور بالاجتناب عنهن و لدخول جملة منها فی ذم الله تعالی: (لِلَّذِینَ یَکْتُبُونَ الْکِتٰابَ بِأَیْدِیهِمْ ثُمَّ یَقُولُونَ هٰذٰا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ لِیَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِیلًا) (البقرة: من الآیة 79) و لأنها أولی بالإتلاف من إتلاف الکفار و المخالفین و جهادهم لأن إتلافهم لسوء اعتقادهم فما هو سبب الاعتقاد أحری بالإتلاف و لروایة (تحف العقول) الناهیة عن بیع و شراء و إمساک و ملک وهبة و عاریة و جمیع تقلبات ما فیه من وجوه المعاصی أو باب یوهن به الحق و إتلافها یکون بإتلافها أجمع و بإتلاف موضع الضلال منها فبالنقض علیها لأنه نوع إتلاف لما تضمنته من القضایا الفاسدة لأن إتلاف بعض آحادها لا یقضی بإتلاف أصلها و الرد علیها قاض بإتلاف أصل قضایاها نعم لو لم یکن إلا کتاب واحد فلا یبعدان إتلافه بحیث لا تظهر مفاسده خیر من نسخه و الرد علیه و لا یبعد أن نسخه المنقض علی هیئة الأصل و الشرح خیر من نسخه منفرداً لإمکان ذهاب النقض و بقائه و الظاهر أنه لا یدخل الضلال فی الکتب المشتملة علی التواریخ الکاذبة و الأحادیث المضحکة (کمقامات الحریری و بدیع الزمان و السلوانات) لأن الظاهر إرادة ما فیه إضلال لأنه ضلال بنفسه نعم لو اشتمل الکتاب علی کذب فی اللغة أو القواعد العربیة أو الصرفیة أو التفسیر کان من کتب الضلال و أما الکتب الباعثة علی الإضلال فی الأعمال و الإسراف فی الأموال ککتب الکیمیاء الکاذبة غالباً و کتب الجفر و الفال مما لا یدخل تحت عنوان السحر فلا یبعد أیضاً انه مما یبنی علی الفساد و یحرم التکسب به و مثلها الکتب المصورة للنجوم و للعوالم مع العلم بعدم معرفة صاحبها ذلک فکذلک الواجب اتلاف ما کان یرجی أو یحتمل احتمالا عادیاً إضلاله فلو کان بخط یعلم انه لا یعرف کتابته أو کان موضوعاً أو وضع بموضع لا یمکن الوصول إلیه عادة لم یلزم إتلافه تعبداً و قد یناقش فی حرمة حفظ الضلال علی الصدر لمن یعتقد ضلالها فحفظها من قال لها أو حفظ معانیها لمجرد أن العلم بالشی ء خیر من الجهل به و حینئذٍ فدعوی حرمة حفظها علی الصدر کما أطلقه جماعة لا أری لها دلیلًا شافیاً لضعف روایة (تحف العقول) أو عموم: (اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) لتفسیرها

ص: 26

بغیره و یدخل فی کتب الضلال الکتب السماویة المحرفة و المشتملة علی الحجج فی العقائد الفاسدة ککتب الفلاسفة و کتب النصاری و کتب القائلین بالجبر و کتب المستدلین علی خلافة القوم و الکتب المشتملة علی حجج إنکار أحوال المعاد الجسمانی من الصراط و المیزان و الجنة و النار و الکتب المشتملة علی الغلو و إنکار الضروریات ککتب الغلاة و المجسمة و بعض کتب ما یسمونهم الیوم کشفیة و الکتب المشتملة علی جمیع الشبهات علی العقائد الحقة و إیقاع الشبهة فی تلک العقائد و الکتب المعدة لبیان الأصول الفاسدة المعلومة البطلان المترتبة علیها الأحکام الشرعیة ککتب القیاس و الاستدلال علیه و تصحیحه و کذا بعض کتب الأخباریة المعدة لبیان الأصول الفاسدة و الاستدلال علیها لسب المجتهدین و بیان بطلان مذهبهم و الطّعن فیهم و فی مذاهبهم و کذا کتب الصوفیة المشتملة علی الاحتجاج لمذاهبهم و علی بیان طرائقهم و مقاماتهم و طرق ریاضتهم و کذا الکتب المشتملة علی بیان وحدة الوجود و قدم العالم و بیان الجدیدة المجسمیة و العقول العشرة أو بیان ما لا یفهمونه من خلق الملائکة و الجن علی غیر طریقة المتکلمین أو الأخبار و کذا الکتب الموصوفة لسیاسة الجند تعلیماً لهم لقتال المسلمین و نهب أموالهم و استیلاء بلادهم و کذا الکتب الکاذبة فی طب الأبدان المؤدیة إلی هلاک النفوس و کذلک المشتملة علی الأحادیث الباطلة و الروایات الکاذبة و لا بأس بکتب فروع العامة لأن طرحها من ضروریات مذهب الشیعة و حالها معلوم فلا تکون مما شانُها الإضلال و یجوز بیعها و شراؤها و نسخها للاطلاع علی مذهبهم دفعاً للتقیة أو للأخذ بما خالفهم أو للتنبیه علی فروع المسائل أو للرد علیهم و لا بکتب أحادیثهم لأن الضلال منه معلوم نقضه عندنا و معرف لدینا فیجوز بیعها و نسخها للأغراض المتقدمة و ما کان منهم من شأنه الضلال فحکمه حکم کتبه و لا بأس أیضاً بکتب أهل الضلال المشتملة علی بیان المقدمات الاجتهادیة من کتب الأبیات و الأصول و المنطق و إن اشتملت علی جملة من الضلال لأن ضلالها معلوم و نقضه لدی کل أحد مفهوم و لا بأس بکتب الأنبیاء و إن علم انها منسوخة فیجوز نقلها و انتقالها لاکتساب مواعظها و الاطلاع علی أخبارها و آثارها و لا بأس بکتب تفسیر القرآن من العامة و الخاصة و إن

ص: 27

علم أنه بالرأی و الاجتهاد و إذا کان مما یمکن استخراجه من منطوق الألفاظ و معانیها و من کتب الضلال کتب الکذب علی الأنبیاء و نفی عصمتهم و نقل المناقب فیهم و نسبته ما لا یرضی لهم فلا یجوز استعمالها إلا مع النقض و لا یجوز نقلها و لا تعلیمها و لا نسخها و لا فرق فی وجوب إتلاف قضایا الضلال بین کون الکتاب کله کذلک أو أکثره أو من بعض منه و تجوز سرقته من أهله لإتلافه إذا لم تکن تقیة و یجب إنکاره علی المعیر و له أن یحلف و یودی و یحب الإنکار علی من عنده بالقلب و اللسان و الید ما لم یصل إلی حرج أو قتل و یصدق من ادّعی استعماله لغرض صحیح حملًا لفعل المسلم علی الصحة و الحق جماعة بکتب الضلال الکتب المنسوخة السماویة و إن لم تکن محرفة کالتوراة و الإنجیل و الزبور و هو علی إطلاقه مشکل لأن الإضلال بها مع معلومیة حالها بین المسلمین بعید بل لا یکاد یوجد استعمالها لغرض صحیح لا بأس به و لو کان الاطلاع علیها لإبطال مذهب الیهود بما فیها و للرد علیهم و الإنکار علی مذهبهم الذی لم یوص أفق الکتب السماویة لتحریفهم ایاها و تبدیلهم ما فیها فی شک فی رجحانه کما یفعله الیوم علماؤنا کما أن الرد علی المحرف منه من أعظم الطاعات.

الثالث و الثلاثون: یحرم التکسب بهجاء المؤمنین و أخذ الجعالة علیه و قبول العطایا لأجله

لحرمته فی نفسه للإجماع بقسمیه و لأنه من إشاعة الفاحشة المنهی عنها کتاباً و سنة و لما دل علی لزوم تعظیم شعائر الله و تحریم هتک حرماته و ما دل علی حرمة إیذاء المؤمن و ما دل علی حرمة نفسه و ماله و عرضه و ما دل علی حرمة غیبته و ما دل علی النهی عن الباطل و لو وزن الحق و الباطل لکان من الباطل و للنهی عن الاستهزاء به و الغمز علیه و لأنه غالباً من لغو الحدیث و قول الزور و المراد بالمؤمنین الاثنی عشریة الذین کانوا لم یخالفوا ضروریاً إسلامیاً و لا ضروریاً إیمانیاً و لم یکونوا من أهل البدع و الأهواء و الخروج عن أداء العلماء و یلحق مستضعفهم بهم و أولادهم الممیزة بل و مجانینهم أیضاً و لا فرق بین هجاء النوع و العشیرة و الصنف و الشخص و لا بین المیت و الحی و هل یختص لفظ الهجاء بالشعر القریض و غیره حتی ما یسمی الیوم بنداً و لو شطیراً واحداً و یعم حتی النثر ظاهر جملة من کلام أهل اللغة اختصاصه

ص: 28

بالشعر و ربما یساعده العرف و قد یلحق بالشعر المستمع من الکلام الثری القابل رسمه فی الدواوین الکثیر ما یسمی هجاء فی عرفنا الیوم و لو هجا شخصاً معیناً عنده غیر معین عند السامعین حرم لکنه أقل وزراً من المعین و لو هجا شخصاً موهوماً و واحداً لا بعینه فلا بأس و لو هجا غیر المؤمن من المشرکین و المستضعفین منهم جاز (و قد ورد أمر من النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) الله علیه و آله حساناً یهجوهم و قال أنه أشد علیهم من رشق النبال) و کذا یجوز سبهم و شتمهم و لعنهم ما لم یکن فحشاً أو قذفاً غیر جامع لشرائط الجواز و لو هجا کافراً فآمن ففی وجوب محوه کفایة أو علی الفاعل أو العدم وجوه و فی الأخیر قوة و الأول أحوط و لو هجا مؤمناً فکفر جاز ابقاؤه و مع بقائه مؤمناً یجب محوه علی الفاعل و وجوبه کفایة و الهجاء هو ذکر المعایب الواقعیة و لا یبعد شموله للکاذبة و علی کل حال فهی أعظم وزراً لزیادة الکذب المحرم علی المحرم الأول و أما هجو الفِرق الضالة فمن العبادة لمساواتهم للمشرکین فی عاقبة الأمر و للسیرة القطعیة فی صدور ذلک زمن خلفاء بنی أمیة و العباسیین و أتباعهم و تقدیر الأئمة (علیهم السلام) للشعراء الهاجین لهم و لو لم یکن إلا ما صدر من علی (علیه السلام) و الحسن و الحسین (علیهما السلام) مع معاویة و أتباعه و جلسائه مما هو أعظم من الهجو و أبسط لکفی و ما ورد من شتمهم و سبهم و أنهم أنجس من الکلاب و أنهم مجوس هذه الأمة أصرح شاهداً علی ذلک و یلحق بالفرق الضالة من تدیَّن بدینهم و ارتکب طریقهم و احتذی حذوهم من غیر تقیة أو داع و إن أعتقد الحق بقلبه و أولئک المنافقون الذین جحدوا بها و استیقنتها أنفسهم (قلوبهم).

الرابع و الثلاثون: قد یستثنی من حرمة الهجاء ما کان واقعاً للمنکر المصر علیه صاحبه

لما دل علی لزوم النهی عن المنکر و لأنه إحسان لرفعة عن الضرر الأخروی بجزئی من الضرر الدنیوی و هو کما تری موقوف علی ترجیح أحد العاملین من وجه و هو ما دل علی النهی عن المنکر علی الأخر و هو ما دل علی حرمة الهجاء و کذا تشییع ما کان لرفع ضرر دنیوی عنه بنفس أو عرض أو مال و لا بأس به فی الأول و الثانی و أما الثالث فإشکال و إن رضی به المهجو لأنه حق إلهی لا یسقط برضاه و قد

ص: 29

یستثنی المتجاهر بالفسق و لا یبعد جواز ذلک فیما تجاهر به أما ما لم یتجاهر به فعموم تحریم الهجاء أقوی من دلیل جواز غیبة المتجاهر و لا یستثنی الإنشاد بل لو نوی بإنشاده هجو معین کان کإنشائه و فی لزوم محوه وجه و ظنی أن الهجو فیه معنی إنشائی یزید علی الغیبة کالإنشاء الحاصل من اللغو و السب و الشتم و القذف و قد یستثنی الظلمة الغاصبون لمنصب الأئمة (علیهم السلام) و اتباعهم من حرمة هجاء المؤمنین و إن کانوا مؤمنین و لکنه بعید لا یدین به من خاف مقام ربه و قد نستثنی هجو الهاجی من المهجو لقوله تعالی: (جَزٰاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُهٰا) و من غیره تأدیباً له و قد یستثنی الهاجی نفسه للشک فی دخوله تحت أدلة تحریم الهجو.

الخامس و الثلاثون: مما یحرم التکسب به لحرمته فی نفسه الکذبُ

فلا تجوز المعاملة و لا لفظاً لأجله و لا بذل المال للکاذب من جهة کذبه و حرمته من البدیهیات و الضروریات الشرعیة و هو علی الله و رسوله و الأئمة فی الأحکام الشرعیة من اعظم المعاصی و کذا علیهم فی غیرها و إن کان الأول أشد و کذا الکذب علی العلماء فی الأحکام الشرعیة و فی غیرها و إن کان فی الأول أشد و کل کذب حرام و قد یتضاعف اثمه بتضاعف المکذوب علیه و الکاذب و المکذوب به و لا بد فی الکذب من مخاطب عاقل فلو القی کلاماً لنفسه من دون مخاطب و خاطب من لا یعقل فلا بأس إلا إذا قصد بذلک إفهام من یعقل و أغراه بالجهل فلا یبعد أن حکمه حکم الکذب بل حکمها حکم الإغراء بالجهل و لو کانت موضوعة علی الدوام کانت أعظم دیناً من الکلام و المبالغة من الکذب إلا إذا ظهرت قرینتها لدی المخاطب و کان الشی ء من شأنه المبالغة کالمدح و القدح فی الشعر و النثر لا یجب إظهار قرینة المبالغة بعد العلم بحسب العادة أن المقام مقامها علی نظم القوافی من معادنها (و ما علیّ إذا لم تفهم البقر) و من ألقی کلاماً ماله ظاهر و لکن المخاطب یفهم غیره لم یکن کذباً و یمکن تعلق الإثم به لمکان الإغراء بالجهل و یمکن أنه لم یغره و إنما أغری هو بنفسه و من خاطب شخصاً کذباً یعلم المخاطب کذبه لیسمع غیره فیعتقد الظاهر لیس کذباً و لکن لا یخلو من الإغراء و من أخبر بالظاهر عازماً علی القرینة فیها لا إثم علیه و من عمد علی عدم القربة کان

ص: 30

کاذباً و ان استدرکها بعد ذلک و من عزم علی القرینة فی مقام کلامه فلا إثم علیه و من عزم علی القرینة بعد الخطاب بمدة کان کاذباً و من أنشأ کلاماً إنشائیاً یتضمن خبراً کاذباً دخل فی الکذب حکماً لا اسماً و من قال یا زید فإن قصد بیان أن زیداً موجود أو لیس کذلک و کان موجهاً الأفهام بمعین کان حکم الکذب و الأفعال الظاهرة فی شی ء غیر مطابق للواقع بحکم الکذب فی أسمه فمن لبس عمامة خضراء لیبان أنه سید أو تحنک لإظهار تقدسه أو لزم السبحة أو وضع کتاباً فی یده لإظهار انه عالم أو لبس ثیاباً فاخرة لإظهار أنه غنی أو بالعکس لإظهار فقره و کان علی خلاف ذلک دخل فی الکذب حکماً لا اسماً و من أتی بظاهر و أراد ظاهره و لم یکن مطابقاً للواقع فهو کذب قطعاً و إن لم یرد ظاهره و لم ینصب قرینة فهو إما کذب أو حکمه حکمه و لو دار الأمر بین الأول و الأخیر للضرورة أو لتقیة لزم إرادة الأخیر و قد یسمی ذلک بالتوریة و قد تکون التوریة فی إرادة أحد معین المشترک من دون بیانه و لا أثم فی ذلک و کل محمل أرید معانیه فلیس من الکذب إلا أن یکون له ظاهر و أرید خلاف ظاهره و لو أضطر للکذب لحفظ نفس أو مال أو عرض جاز و لا یبعد لزوم التوریة و إرادة المجاز و لو لا بعد العلائق لأنها أقل قبحاً و لو خرج کاذباً و لم ینصب قرینه کان کاذباً و لو قال (کلما أتکلم به الیوم کذب فتکلم صادقاً کذب) فی الأول و لا أثم علی کذبه و لو قال کلامی الیوم صدق و کذب فلا یبعد عدم الإثم بکذبه لعدم الإغراء بالجهل و لو نقل عن نقل عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لم یکن کاذباً علی النبی صلی الله علیه و آله و لم یبین ذلک و لو قال: قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) فهل کذب علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أو علی فلان وجهان و الأوجه الأول حکماً بل قد یقال و اسماً و لا یجوز علی سید الشهداء للبکاء و نحوه و لا علی الأئمة (علیهم السلام) و نحوه للتعظیم و إظهار الشعائر و من حدث نفسه حدیثاً کذباً فلیس کاذباً حکماً و لا اسماً و إظهار قضاء الحاجة للعیال و تفریحهم و وعدهم بالجمیل لیس من الکذب حکماً لجریان العادة به بل و لا اسماً و المخبر عن شک کاذب و عن ظن وجهان و لو قال أظن لا فی نفس الخبر و کذا من قال أحتمل أو أشک.

ص: 31

السادس و الثلاثون: یحرم التکسب به سب المؤمنین

کما یفعل بعض العصاة لأخذ الأموال من المخالفین و الأعداء الظالمین و هو حرام لنفسه کتاباً و سنة و إجماعاً لاشتماله علی الظلم و إیذاء المؤمن و هتک حرمته و إفشاء الفاحشة علیه و ورد (أن سباب المؤمن فسوق) و لا یتفاوت بین التقی منهم و الفاسق نعم قد یستثنی المتجاهر منهم بالمعاصی الکبائر و الظالم لغیره سیما الغاصبین لمنصب الشارع و التابعین لهم لجریان السیرة علی لعنهم و لأنهم قد أسقطوا حرمتهم بفعلهم و ظلمهم و تجاهرهم و لأن الکتاب و السنة مشحونان بلعن الظالمین و الغاصبین لحق الأئمة (علیهم السلام) و أشیاعهم و اتباعهم و یدخل المستضعفون فیهم و کذا أولادهم الممیزون بل و غیرهم نعم یستثنی ما کان لمصلحة دنیویه أو أخرویة ترجیح علی قبح فعله عن أمر بالمعروف و نهی عن منکر أو حفظ لنفس المسبوب أو عرضه أو ماله أو حفظ نفس محترمة أخری و من کان أبوه کافراً جاز سب الأب منفرداً بحیث لا یکون سباً للولد و إهانة له فلو قال لمن کان أبوه کافراً لعن الله أباک جاز و إن قال له یا ملعون الأب و یا خبیث الأصل حرم و المراد بالسبب کل ما یقضی بالإهانة من قول أو إشارة بل و کتابة مع القصد إلیها فی وجه من لعن أو بقبیح أو ذکر عیب قاصد به إنشاء الاهانة کی یفارق الغیبة کما یقول یا أعور یا دنی ء یا اقرع و کذا لو أبرزه بصورة دعاء علیه کأبعدک الله و قبحک و أدخلک النار و غضب علیک و قد یکون بخطاب و قد یکون بغیبة و کذا لو شبهه بالحمار أو بالکلب أو أطلق علیه الکلب، أو الکافر، أو الشیطان، أو بعض الکفرة کفرعون و یزید و الشمر أو أطلق علیه أوصافاً ردیئة (کیا مغنی و یا طبلکی و یا لئیم و یا بخیل و شحیح و یا حبار الأولاد و یا فائن ما لم یدخل القذف فیکون قذفاً و سباً أو نفی الأوصاف عنه الحسنة کقلیل الحیاء و المروءة و العفة و الدیانة و الأمانة یختص و کثیر مما یطلق علیه لفظ الشتم له و لأبیه من هذا القبیل و قد یختص لفظ الشتم بنسبة القبح لأبیه المنسوب إلیه أو اللعن و مثله حین نسبته إلیه و حکم الشتم کحکم السب.

السابع و الثلاثون: مما یحرم التکسب به (النمیمة)

کما یفعله الأسافل لتحصیل المال من جهتها و لها جعالة أو مواطاة و هی حرام کتاباً و سنة و إجماعاً بقسمیه و ورد

ص: 32

أن النمام شرُّ من وطأ الأرض بقدمه و غالبا هی مثار الفتنة التی تحریمها نطق به الکتاب حتی قال: (و الفتنة أکبر من القتل) و فی الروایة أنها من السحر الذی یفرق بین المتحابین و یعادی به المتصافین و یسفک به الدماء و یهدم به الدور و یکشف به الستور و یستثنی منها ما کان بین المشرکین أو لإطفاء نائرة المخالفین و إشغالهم عن محاربة المؤمنین شغل الله الظالمین بالظالمین و أخرجنا منهم سالمین أو ما کان لتخلیص نفسه أو عرضه أو ماله أو نفس محترمة أو عرض محترم و المراد بالنمیمة حمل ما یسوء و لو صدقاً من شخص لآخر یوقع بهما الشحناء و العداوة بقول أو فعل أو بکتابة سواء کان أقوالًا أو نقل أفعال لآخر لیترتب علیه ما ذکر کمن یذکر أفعال زوج مع إحدی زوجاته من المحاسن لضرتها کی تقع الفتنة بین الزوج و الزوجة أو الزوجتین و کذا نقل ما یفعله أحداً لأخوه أو المتحابین بعضاً مع بعض الآخر کی یفتتنا و کذا لو نقل ما تکلم به شخص علی آخر بوجه من الوجوه المکدرة أو أخبره انه استعابه أو أعاب علیه أو أنه یکرهه أو یحسده أو نحو ذلک صادقاً أو کاذباً نعم لو کان کاذباً یزید ذنبه لمکان الکذب و قد یدخل فیها ذکر المعایب المنفورة بین المتحابین و المؤدیة للکراهة بین المتوادین و لیس من النمیمة نصح المشتری بل نصح المؤمن إذا خیف علیه من الآخر فأنذره و حذره و کان قصده ذلک من أفضل الطاعات و لا بد من تجرید النفس من مخائل الشیطان فی مثل هذه و أمثالها و قد یدخل فیها کشف السر الذی ینبغی صونه و کتمانه علی المؤمن لأنه قد یترتب علیه قتل النفوس و هتک الأعراض کما یقول فلان تمتع بفلانة و أهلها ممن یشینهم ذلک أو یقول فلان معشوق لفلانة أو فلانة معشوقة لفلان و ظهر مما ذکرنا حکم الفتنة التی هی اکبر من القتل و هی غالباً من الکبائر الموبقة.

الثامن و الثلاثون: مما یحرم التکسب به (النفاق) و هو أخذ المال ممن یریه المودة و الصداقة و النصح لتلک الغایة و هو من الأعداء المبغضین له و المریدین له السوء. و النفاق حرام لنفسه کتاباً و سنة و إجماعاً و یلحق به ذو اللسانین و الوجهین الذی یتردد بین متخاصمین فیری کلًا منهم المودة و بغض الآخر و هو لیس منهما فی شی ء و فی الخبر أنه (شرهما عباد الله و یوم القیامة یجعل له لسانین من نار أحدهما من قدامه و الآخر

ص: 33

من قفاه) و قد یکون من حسن السلوک و لا بأس به إذا لم ینافق و لم یذکر الآخر بسوء و لم یبطن غیر ما یظهره و یرید إثماً لو اشتمل علی الکذب و أکل المال بالباطل.

التاسع و الثلاثون: مما یحرم التکسب به (مدح المذموم و ذم الممدوح)

و لو اشتمل علی الغیبة زاد الإثم و کذا لو اشتمل علی الکذب و الظاهر أن تحریمه من خشیة أن تعظیم من لا یستحق التعظیم قبیح کإهانة من لا یستحق الإهانة و فی إلحاق القول بالفعل وجه.

الأربعون: یحرم التکسب (بالاستهزاء و السخریة بالمؤمن)

لإضحاک الخلق علیه و إحطاط قدره و إذهاب هیبته و رفعته و هذا حرام فی نفسه کتاباً و سنة و إجماعاً و فیه إیذاء المؤمن و عدم احترامه المأمور به و إهانته المنهی عنها و یکون بالقول بأن یضرب به مثالًا مضحکة و تشابیه ردیئة و بالفعل بأن یمد له لسانه أو یعمل فعله الدنی ء فیغمض عینه کما لو کان أعمی أو أعور أو یعوج فمه أو یطلع لسانه لو کان مفهماً أو یمشی مشیه أو یحکی حکیه أو یصیح صیاحه أو یأکل أکله أو یشکل بشکله أو یتشکل بشکله و قد یکون بالغمز علیه و الرمز و یکون بضربه بالنجاسة و الخزفة و یقطع کلامه بالمضحکات و یکون بإظهار عدم الاعتناء به علی وجه یسخر به المجلس و یکون محمل المهزوء به علی کلام أو فعل إذا صدر منه ضحک علیه الجالسون لغباوة أو بلادة أو فهاهة و یکون بکثرة الضحک علیه عند مواجهته إلی غیر ذلک مما یسمی عرفاً استهزاء أو سخریة فیدخل فی عموم النهی عن الاستهزاء و ذم المستهزئین و فی عموم النهی عن السخریة و فی أن الرجل فیقول الکلمة لیضحک بها المجلس فیهوی من السماء إلی الأرض و یحرم التکسب بالفحش قولًا و فعلًا و الفحش فی الکلام کما یقول العوام ایر الحمار بفرج کذا أو بدبر کذا فیه أو فی أرحامه أو ما شابه ذلک فإنه من الفحشاء و المنکر المنهی عنه کتاباً و سنة و الظاهر أن لفظ الفرج لو أنفرد لم یکن فحشاً و لا حراماً و کذا لو لم یحمل علیه لفظ یؤدی به إلی الفحش فلو قال الزوج لزوجته أحب منک کذا لم یکن حراماً و لا یجتنب عن ذلک و تسمیته فحشاً و لا اعتبار به قطعاً.

ص: 34

الواحد و الأربعون: یحرم التکسب (بالدعاء علی المؤمنین) کُلًا أو بعضاً

و ما عدا دعا المظلوم لرفع ظلمه و هو حرام لما فیه من الإیذاء و قصد إیصال الضرر لغیر مستحقه و لما فیه من الظلم و الحنق و الحقد و حب السوء فی أخیه المؤمن و الفجیعة و القطیعة و تشتد فی العلماء و الأرحام و المحسنین.

الثانی و الأربعون: یحرم التکسب (بالمکر و الخدیعة و الحیلة)

کما لو دفع مالًا لآخر لیمکر له بأخیه المؤمن فیریه القبیح حسناً فیقدم علیه و الحسن قبیحاً فینفر منه و یوقعه بالمهلکات من حیث لا یشعر بها و ربما یتفق معه فی أمر و بعد أن یقدمه علیه یتنحی عنه مما ینال به الضرر و الفضیحة و نهب المال و قد یکون الحیل بالکذب فتشتد حرمتها من جهة الحیلة و المکر و الخدع و الخدیعة جاءت بحرمتها عمومات الکتاب و السنة نعم لا بأس بالحیل الشرعیة المباحة للتوصل بها إلی مباح من تصحیح عقد أو إیقاع أو الفرار من الحرام إلی الحلال و بالجملة فالحیل الجالبة للضرر علی الغیر بمکر و کذب غیر الحیل الشرعیة التی یقصد بها الفرار من موضوعی شرعی إلی آخر و من حکم إلی آخر و نعم الشی ء الفرار من الحرام إلی الحلال و کثیر من أهل النفاق هم أهل الحیل و قد یجب المکر و الحیلة بتخلیص نفس محترمة من القتل و تجوز لتخلیص الوصی و المال و تجوز لإدخال الضرر علی المحاربین و المخالفین بتشتیت شملهم و تفریق جمعهم و إضعاف کلمتهم.

الثالث و الأربعون: مما یحرم التکسب به و اخذ المال علیه أو لأجله أو شرائه الضمنی و المصرح به فعل منافیات المروءة

و یسمی الیوم (بالقشمر) فیلعب و یهزأ بنفسه و یهز رأسه و أعطافه و یخرج الصوت من دبره و فمه و إبطیه و یتقلب و یتکلم بالفحش من الکلام الغیر اللائق بأهل المروءات و یدل علی تحریمه ما دل علی حرمة الفواحش ما ظهر و ما بطن و یشعر به ما جاء فی الصمت و السکینة و الوقار المشعر بالنهی عن المنافیات للمروءة و الأمر بما وافقها و هو کثیر و أن الرجل یأتی بالکلمة یضحک بها المجلس فیهوی من السماء إلی الأرض.

ص: 35

الرابع و الأربعون: مما یحرم التکسب به لحرمة فعله کتاباً و سنة و إجماعاً بقسمیه (الغیبة)

فیحرم أخذ المال لأجلها أو شرطها المصرح به أو الضمنی و ورد إنها أشد من الزنی و جعلها فی الکتاب کأکل لحم أخیه المیت و جعلها النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) کأکل الکلب المنتن و فی الآیة إشعار باختصاصها بالمؤمنین الاثنی عشریة لتصدیرها بالذین آمنوا و تشبیهها بأکل لحم الأخ و الأشعار لا ینکر و إن لم یلزم من التشبیه بلحم الأخ کون المستغاب أخاً و فی بعض الأخبار تعلیق الحکم علی لفظ المؤمن و هو لا یخلُو من إشعار بالمؤمن من لفظ الناس و المسلم و إن لم یحمل العام علی الخاص فی المثبتین کل ذلک لما دل علی جواز سبهم و لعنهم و إظهار معایبهم فعلًا و تقریراً من أئمتنا (علیهم السلام) و إنهم کالکلاب الممطورة و أن من قدم الجبت و الطاغوت (ناصبی) و أنه اشر و انجس من الکلب و ما وقع بین علی و الحسن و الحسین (علیهما السلام) و بین کثیر من الصحابة مع من قابلهم و أخذ منصبهم ما فیه بلاغ فما مال إلیه المقدس الأردبیلی و من تبعه من عموم حرمة الغیبة لغیر الفرقة الاثنی عشریة من المسلمین لا وجه له و موضوع الغیبة معروف بالعرف و اللغة و لیس من الموضوعات التی یطرقها الإجمال و حاصل معناها أن تقول أو تفعل فعلًا فی أخیک یکرهه و یشینه و یسوؤه و ینقضه بمعنی أن یکون من شأنه ذلک و علی ذلک تنطبق عبارات اللغویین و الروایة الواردة عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم): (أن تذکر أخاک بما یکره) و أن قرئ بالمبنی للمجهول أیضاً کان معناه أنه من شأنه أن یکره و إن فسره بذکر العیوب و ما شابهه و من قید المنشأ نیة تبین أنه لو لم یکره المستغاب الغیبة و لم تؤثر فیه نقصاً لجلالته و عدم مبالاته و عدم تأثیر الغیبة فیه شیئاً من الأحوال التی هو فیها کان غیبته و کذا لو کره إظهار ماله أو عزة قدره و علو شأنه و انتسابه للتقوی و الصلاح و العفاف فذکر بذلک لم یکن غیبة و إن کره بیان ذلک نعم الظاهر من العرف و اللغة قید الغیبة فی الغیبة فالحاضر یلحقه فی الحکم لا فی الاسم و من فارقت روحه الدنیا کان کالغائب و إن کان قبل نقله لقبره و من لا یسمع و لا یعقل کالمجنون فالظاهر أنه مشارک للغائب اسماً و حکماً و من کان وراء جدار أو ستر کان غائباً و إن سمع فی وجه و کذا أیضاً منها عمومها للقول و الفعل و فی الروایة المعتبرة أن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم)

ص: 36

قال لعائشة (لما أشارت إلی قصر امرأة بإیمائها بیدها اغتبتیها) مع احتمال الاقتصار بها علی القول و مشارکة الفعل بها کتابة أو إشارة بالحکم لا بالاسم نعم یدخل فی القول التنبیه و التعریض و المفهوم و الفحوی و نحوها من دلالات الألفاظ الالتزامیة و الظاهر دخول تحقق العیب فیه فلو لم یکن فیه کان کذباً کما تدل علیه الروایة بل و یقضی به کلام بعض أهل اللغة و العرف و کذا دخول وجود السامع لها و فهمه الخطاب فلو لم یکن سامعاً و لا فاهماً فالظاهر عدم الدخول فی الحکم و الاسم و کذا دخول التعیین فی اسمها و حکمها مع احتمال الدخول فی الاسم و الخروج عن الحکم فلو ذکر لفظاً مجملًا بین محصور و غیره لم یکن فیه غیبة أو لم یکن محرماً و إن أمکن للسامع بعد السؤال معرفته و کذا لو قال رجلًا واحداً (من فی الدار) (أو أحد أولاد فلان) و الأحوط فی المحصور التجنب أما لو عیَّنه باسمه الخاص، أو لقبه، أو کنیته، أو بوصفه من دخول و خروج أو مال أو حال بحیث لا یشارکه أحد کان غیبة حکماً و اسماً و إن لم یعرفه السامع و لم یشاهده و لا یوصل إلیه و لا یلاقیه إلی یوم القیامة و لو علقه علی مستقبل کما یقول: (من دخل الدار هذا الیوم فهو فاسق) أو: (من یجلس معی بعد هذا المجلس فهو مغنٍ) کان غیبته حکماً و اسماً و لو ذم أهل قریة فإن أراد العموم کان غیبة و إن أراد الأکثر کما هو الظاهر فالظاهر عدم دخوله فی الاسم و الحکم و لو ذکر أهل القریة فقال کلهم فسقه إلا واحداً کان غیبة حکماً و اسماً علی الظاهر و الفرق بین هذا و بین ما تقدم ظاهر و تکون الغیبة بذکر الوصف الردی ء و الخلق الردی ء و الأفعال الردیئة و الآثار الردیئة فکلما یفید شنأً أو نقصاً أو عیباً و مهانة بنفی صفة حسن أو إثبات صفة قبح فهو غیبة و قد یستثنی مما ذکر من موضوع الغیبة و حکمها أو اسمها فقط أو حکمها فقط أمور و ما شک فی دخوله تحت الاسم أهون مما یشک فی دخوله تحت الحکم لتمسک ذلک بأصل البراءة و افتقار هذا إلی تخصیص أدلة تحریم الغیبة فیحتاج إلی قوة المخصص و مبنی المسألة فی التخصیص أما علی قوة دلیل المخصص لیحکم علی العام و تکون المسألة فی التخصیص إما علی قوة دلیل المخصص لیحکم علی العام أو یکون بین الدلیلین عموم من وجه و لکن یقوی العام الأخر

ص: 37

بالمرجحات الخارجیة علی عموم النهی عن الغیبة و الأمور منها المتجاهر فی الفسق و هو فیما إذا تجاهر بجمیع أنواع الفسق بحیث لا یتخفی فی واحدة منها کثیر من الفسقة و إن لم یستعمل الجمیع فعلًا لکنه أعد نفسه لها و کذا فیما تجاهر فیه لا کلام فیه لفتوی الأصحاب و أخبار الباب کقوله (علیه السلام) (لا غیبة لفاسق) فإن الظاهر من حیثیته ما فسق فیه و لأن المتیقن من تخصیص أدلة تحریم الغیبة هو المتجاهر فیه و حمله علی الفحص لا قائل به و لما ورد من أن تارک صلاة الجماعة یحل غیبته بناءً علی حملها علی صلاة الجمعة و المراد أنها فیما یتعلق بترک الصلاة لما ورد: (أن من ألقی جلباب الحیاء عن نفسه فلا غیبة له) بناء علی إرادة أنه من حیثیته ما خلع و أما لو تجاهر فی کبیرة و تخفی فی غیرها من المعاصی کأتباع الظلمة و کف العیوب فهل تجوز غیبته فیما تخفی فیه حکم بذلک جماعة أخذا بعموم تلک الأدلة فیخص بها أدلة تحریم الغیبة و هو قوی إلا أن الأول أقوی و أحوط لضعف العمومات سنداً و طرحة فی العموم فلا یقاوم عمومات التحریم و منها المتجاهر فی عیب یعود نقصاً علیه کالجبن، و البخل، و التلاعب، و المزح، و سوء المنطق و إحداث الأصوات من فمه و من دبره فإنه یجوز استغابته بهن لقوله (علیه السلام): (من ألقی جلباب الحیاء عن نفسه فلا غیبة له) و أما ما تخفی فالأظهر عدم الجواز لعموم أدلة التحریم و منها ما کان فیه نهیاً عن منکر إذا کانت الغیبة باعثة علی انتهائه إذا وصل إلیه الخبر و منها ما کان کذلک إلا أنه لأجل أن ینهاه السامعون عن منکره و یردعوه عنه و هو مبنی علی تقدیم عمومات من المنکر علی أدلة تحریم الغیبة لأنه بمنکره کأنه أسقط احترامه کما أسقط احترامه فی الزجر و الضرب و الإهانة و لیس مما جاز فیه الحرام لرفع حرام آخر کما قد یثبته لأن الله لا یطاع من حیث یعصی فلا یجوز لشخص أن یفعل حراماً لدفع منکر یفعله شخص آخر و منها ما کان لحفظ نفس المستغاب و عرضه و ماله فإنه یجوز لأن الضرورات تبیح المحظورات و منها ما یکون تقیة علی نفسه و عرضه و ماله لجواز هتک الأعراض و نهب الأموال فی الضرورة و التقیة فالاستغابة بطریق أولی و منها ما تکون الاستغابة لنفسه للشک فی شمول أدلة التحریم و إن اشترطنا الغیبة فی الغیبة فهذا خارج عنها لنفسه و منها جرح

ص: 38

الشهود عند الحاکم و منها جرح الرواة فی کتب الرجال و منها الشهادة علی السّرقة و القذف فی الزنا و نحوها عند الحاکم و هذه الثلاثة دل علیها الإجماع و الأخبار و السیرة القطعیة و منها الشکایة من المظلوم إلی من یرجو رفع ظلمه فیما یظلمه و قد دل علیه الکتاب و السنة و الإجماع و منها الشکایة عند من لا یرجی لرفع الظلم و منها ذکر المظلوم معائب الظالم و لو فی غیر ما ظلم به و فی هذین بحث عموم الأدلة و کونه إلا من ظلم و بعض الأخبار ظاهرة فی الاختصاص بما ظلم فیه عند من یرجو لرفع ظلمه و لا أقل أنها لیست صریحة فی العموم و منها الاستفتاء عن حال من صدر منه یحتاج السائل إلی معرفة حکمه کما تقول: (فلان غصب مالی فهل لی أن أقاصّه) أو (قذفنی) أو (فلان صدرت منه کلمة فهل هی کفر) أو (فلان قال کذا فهل هو کبیرة) و یدل علیه فتوی الأصحاب و روایة هند عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و الأظهر لزوم الاقتصار علی المجمل مهما أمکن فیقول شخص فعل کذا معی أو وقع منه کذا فما حکمه نعم لو توقف بیان الحکم علی التعیین جاز و منها نصح المؤمن عن آخر مخالطة أو مکالمة أو معاملة فیذکر عیوبه له و الظاهر لو أمکن النصح بدون ذکر العیوب لزم و إن أطلق جماعة ذلک و منها نصح المشتری لو کان مؤمناً بذکر معایب من استشیر فیه صحبة أو معاملة و یدل علیهما ما دل علی نصح المستشیر بضمیمة فتوی الأصحاب و السیرة القطعیة و للنبوی فی مشورة (فاطمة بنت قیس) فی خطابها فقال لها معاویة صعلوک لا مال له و أبو الجهم لا یضع العصا عن عاتقه فی غیر المؤمن وجه قوی و منها الکلام علی المضیف إذا لم یحسن الضیافة فیما لم یحسن فیه لبعض الأخبار و الأظهر المنع و یحتمل علی المتجاهر فی سوء الضیافة و منها تحذیر المؤمن عن الوقوع فی الهلاک دیناً أو دنیا کتحذیر الناس عن الرجوع إلی صاحب الطریقة الفاسدة کالأخباری و من لیس له قابلیة الفتوی و من یجمع مزخرفات من بعض العلوم فیکون مقداماً لا قوام یتبعونه فی مزخرفاته و خرافاته و دلیله ما جاء فی حق المؤمن علی المؤمن من نصح و مودة و أنه یحب لأخیه کما یحب لنفسه و السیرة قاضیة بالجواز و منها ذکر شخص بوصف مشهور معروف به کفلان الأعرج أو الأعمی و لم یکن معروفاً به إذا کان لضرورة التعریف

ص: 39

لکنه لا یخلو عن إشکال إلا أن یدخل تحت الضرورات المبیحة للمحظورات و منها ذکر عیوب شخص للعالم بها لعدم دخول النقض علیه به و فیه إشکال لعدم دلیل صالح لتقیید عموم النهی عن الغیبة بالنسبة إلی عالم بها و منها نفی نسب من انتسب إلی غیر نسبه سیما کبعض السادات لتحصیل الخمس أو لأنه یعلم اللزوم الخلل بترک البیان بالنسبة إلی الأحوال و المواریث و النفقات و الأنکحة و منها تفضیل بعض العلماء علی بعض و إن استلزم نقص المفضول لجلالة قدره و عظم منزلته نعم قد تکون غیبة فیما إذا کان الغرض إحطاط قدر المفضول و إبانة حاله للناس و منها ذکر ما لا عقل له و لا تمییز بما هو فیه کذکر المجانین و أطفال المؤمنین و یشکل ذکر عیوب الطفل فیما لا یتعلق بالطفولیة من الأوصاف الذمیمة و کذا المجنون و أشکل منه فیما لو ذکره بوصف منقص له بعد بلوغه و عقله لأن أطفال المؤمنین یلحقون بهم فی الاحترام و الغیبة هی ما من شأنها أن یسوء و ینقص و إن لم یکن من الطفل و المجنون إدراک الإساءة و النقصان و منها فعل الحسن من شخص فیدل علی عیب الآخر بترکه له أو ترک القبیح منه فیدل علی فعل الآخر له و دلیله ظاهر إذا لم یکن القصد إلی ذلک و لو کان القصد إلیه فالأحوط التخفی فی إظهار ما لو صلی منفرداً عن جماعة شخص لإظهار إنی لا أثق به أو معرض عن کلامه و رأیه و تقلیده فهو غیبة ولیته أخفی ما أظهر إذ لیس داعیه لا استغابة المنهی عنه و منها ذکر بعض عیاله و أولاده و أتباعه ببعض صفات ذمیمة تأدیباً لهم عنها أو یعود نقصها علیه أو یعود بقاؤها إلی ضرر علیه دیناً أو دنیا فتحاول زجرهم بذلک و ردعهم عما هم فیه و السیرة قاضیة به و فی بعض الأخبار (کخبر أم إسماعیل) دلیل علیه و للتخلص من الضرر العائد إلیهم و إلیه و منها ذکر عیوب المملوک لمشتریه و منها ذکر عیوب المرأة لمن أراد نکاحها فإنه جائز للبائع و جائز للمشتری و جائز للمشار و جائز للمخطوب منه و دلیله یعرف مما تقدم و منها ذکر عیوب شخص و قد تاب عنها أو ذهبت فیقال کان فبان و تبدلت بأحسن منها و فی کتب الرجال کثیر من ذلک منها ذکر معایب معروفة یقصد أبطالها و إرادة أن ربَّ مشهور لا أصل له و منها أن یخبر عمن استغاب فتقول قال فلان إن فلاناً کذا نعم هو غیبة للقائل

ص: 40

لا القول فیه و لو أجمل المخبر فقال قیل فی فلان کذا أو قال من لا أسمیه أو أعرفه کذا و کذا أو فلان لم یکن إلا إذا استلزم هذا القیل نقصاً فی المقول فیه لأنه:

قد قیل إن حقاً و إن کذبا فما اعتذارک من شی ء إذا قیلا

و منها تعلیق الذم بطائفة یعلم أنه لم یرد الجمیع و إنما أراد الأغلب و منها لو أرسل شخص شخصاً فی أمر إلی ثالث فأجابه بفحش الکلام أو کلام محرم أو أبداً له ما یحرم نقله ابتداءً جاز للرسول أن ینقل إلیه الجواب و إن کان الجواب فسقاً و غیبة و منها الرد علی المستغیب و لو استلزم قدحاً فیه: (فَمَنِ اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ) و منها ما یقع فی مقام المناظرة و نقل الأقوال فیقول قال فلان کذا أو أفتی بکذا کان للآخر أن یقول أخطأ و غلط و ما أصاب و علی الأمرین جرت السیرة من العلماء و غیرهم إلا أن ابن إدریس أفرط حیث أنه یقول للشیخ کلام یضحک الثکلی کما أن الفاضل کذلک فی رده حیث یقول جاهل مغرور معجب بنفسه لا یدری أین یذهب و هذان معاً إفراط و خیر الأمور أوسطها و منها کلام یقضی مع بعض فی مقام المناظرة فیُخَطِّئ بعضهم بعضا و ینسب کلامه إلی الخطأ و الزلل و هذا جرت علیه السیرة و لا یدخل فی اسم الغیبة لمکان الحضور و یجب الاستغفار علی المستغیب فوراً إلا أنَّ التوبة عن المعصیة واجب فوری و الإصرار علیها کبیرة موبقة و هل یجب الاستغفار للمستغاب فی بعض الأخبار ما یدل علی وجوبه و إنه کفارة للمستغیب کلما ذکر المستغاب و هو مندوب لعدم العمل علیه و هل یجب طلب العفو من المستغاب و براءة ذمة المستغیب وجه و لکن الأوجه ندبه لأن الظاهر أن حق الغیبة من الحقوق الإلهیة و یحرم استماعها و الإصغاء إلیها لما فیه من المعاونة علی الإثم و للأخبار الدالة علی ذلک و فیها أنه أعظم وزراً من المستغیب إذا لم یرد سبعین مرة و یجب الرد علی المستغیب للنهی عن المنکر و للأخبار الخاصة الآمرة بذلک فإن لم یسمع الرد کان ندباً و الأولی القیام عن ذلک المجلس.

الخامس و الأربعون: مما یحرم التکسب له حد المال بجهته أو بشرطه الضمنی أو المصرح به أو الدفع لقلته عمل السحر

و لو و تعلیمه بالعلم غیر ما یستثنی و تعلم السحر

ص: 41

و تعلیمه للعمل به غیر ما یستثنی لحرمته کذلک فی نفسه ضرورة من المسلمین و فی الکتاب و السنة ما یقضی بکفر فاعله و معلمه لفعله و أن ساحر المسلمین یقتل و قال سید الساجدین: (یا قابل السحر اقبلنی) و فیه إشعار بأنه أعظم من الکفر و قال سبحانه و تعالی: (وَ لٰا یُفْلِحُ السّٰاحِرُ حَیْثُ أَتیٰ) (طه آیة 69). فقد نفی عنه الفلاح علی وجه العموم و لیس له فی الشرع حقیقة شرعیة و لم ینبه الشارع تمام البیان فالمرجع فیه إلی العرف و اللغة فإن عرفناه منهما فلا کلام و إلا أمکن الأخذ بجمیع تفاسیرهم علی وجه الاشتراک اللفظی و المعنوی حیث لا یمکن حمل مطلقها علی مقیدها لأنهم لیسوا بحکم متکلم واحد و الأقرب لزوم الترجیح بینها بأنواع الترجیح إن أمکن فإن لم یمکن الترجیح عاد کالمجمل لأن الحق لا یعدو الجمیع و لا یخص بواحد و قد حصل الاختلاف بینهم فإن کل واحد منهم یدعی أن ما فسره به هو معناه کما هو ظاهر التغییر أو لأن کل واحد منهم أشار إلی بعض لوازمه فالجمیع یریدون معنی واحداً قد عبروا عنه بتعابیر مختلفة و لکن خفی علینا ما أراده الجمیع فعاد کالمجمل أیضاً و حکم المجمل هنا إما التمسک بأصل البراءة حتی یعلم تحقق الموضوع أما لأن نوعه غیر محصور فیلزم من التجنیب العسر و الحرج و أما لأن فرده غیر محصور فیلزم التجنب ذلک لأن الأفعال لا حصر لها و إما لأن ما یتجدد من الأفعال و الأقوال لا یجری فیه حکم الشبهة المحصورة لاختصاصها بالموجودات الخارجیة و أما لأن المجمل إذا بانَ فرد منه علی وجه الیقین و هو ما اتفق علیه جاز التمسک فی الباقی بالأصل لأنه یعود للشک فی التکلیف لا فی المکلف به و أما حکمه لزوم التجنب لأنه من الشبهة المحصورة أنواعها و لا عسر و لا حرج فی تجنب المشتبه إذ لا ضرورة تدعو إلیه و دلیل الاحتیاط محکم فی هذا و أمثاله بعد العلم بأن ما نحتاجه لیس منه.

السادس و الأربعون: فی بیان موضوعه للشک أن کل ما کان عادیاً فعله و عادیاً تأثیره

و لیس من الأمور الغریبة و لا من الأحوال العجیبة و لم یکن مبنیاً علی إخفاء العمل و استعمال الحیل لم یکن السحر و ذلک کالاستشفاء بالدعاء أو بملامسته جسد بعض الصلحاء و بالتربة الحسینیة و التعوذ و التحصّن بالحروز و بالتربة الشریفة و قضاء

ص: 42

المطالب بحسن التوکل و الانقطاع و الدعاء و المناجاة و بطاعة رب السماوات یا عبدی أطعنی تکن مثلی و الاستعانة علی أمور الدنیا بنافلة اللیل و بالتهجد فی الأسحار و کثرة الاستغفار و التعقیب بعد الفرائض و جلب الرزق البعید حصوله بأدعیة الرزق و الطلب فی أوقات معلومة من رب الخلق و تحصیل الجاه و العز و الاعتبار بمجرد الانقیاد للملک الجبار من خاف الله خافته الناس و تیسر العسیر من جهة التعلق بالعلیم القدیر و الانقطاع إلیه و الالتفات عند الشدائد إلیه و الهیبة فی عیون الخلق لمداومته علی تهذیب النفس و الوقار و الصمت و حسن الخلق و کذلک آیات الکتاب المجید کتابة و قراءة للشفاء و الحفظ بل و لقضاء الحوائج بل و للعزة و الهیبة و المحبة لقوله علیه السلام: للمسلم خذ من القرآن ما شئت لما شئت و قوله سبحانه: (نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مٰا هُوَ شِفٰاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِینَ) (الاسراء: من الآیة 82) و کذا خواص بعض الأسماء الحسنی و بعض الأوراد و کذا خواص جملة من طلّسمات الأعداد و کذا خواص بعض الحروف التی لم یکن تأثیرها من عجائب الواقعات و لا فعلها من غرائب الحادثات و کذا خواص بعض الأحجار العادیة التأثیر من نحو ذلک المضمار کحجر الیاقوت و المغناطیس و کذا بعض المعادن کالذهب و کذا خواص بعض الأدویة من المفردات و المرکبات فیما کان التأثیر من العبادات العادیات کالاستشفاء أو التمریض أو القتل کالسموم أو الأدویة المفرحة أو المنشطة أو المشهیة و لو کانت إفراطا أو النافعة للشعر أو القامعة أو المغیرة للون أو المبقیة و کذا ما استند إلی علوم النجوم من الأخبار بحوادث العالم أو أستند إلی قوة الحدس و جلاء الفکر أو أستند إلی علم الجفر من ترتب الحروف و استنطاقها أو أستند إلی علم الرمل و کذا ما أستند إلی التفاؤل بالکتاب المجید و کذا الاستخارة الکاشفیة کما حررناه عن المغیبات التی یخیر الله تعالی لعبده فیها و کذا فراسة المؤمن و حدسه سیما الذین تجردوا عن العلائق الدنیویة و عن الانغماس فی الشهوات و استعملوا الریاضیات الشرعیة بالمداومة علی الطاعة و تجنب المعصیة خمص البطون عمش العیون قد شدوا حجر المجاعة علی بطونهم و قد تعلقوا بالعالم الأعلی فإن لهؤلاء حدساً

ص: 43

صائباً و فکراً ثاقباً و تسهیلًا لما أراد من الأمور العسیرة و تیسیراً لما حاولوا من الأمور الخطیرة و کذا لیس منه الأعمال العادیة و إن دقَّت و خفیت علی غیر أهلها کبعض النساجة و الحیاکة و عمل الساعات و الصور الفاعلة للأعمال بالحرکات و الترکیبات و المسامیر و البراغی و المراکب الدخانیة و المشی السریع بآلاته و ترکیباته و غیر ذلک و علی ما ذکرنا فالظاهر أنه یرجع إلی عرف أهله لأنهم أعرف من غیرهم یعرفونه کما یعرف الطبیب الصحة و المرض و عامة الخلق لعدم استعمالهم إیاه لا یمیزون تمام التمییز کما یرجع بمعرفة المعادن إلی أهلها و معرفة العلماء إلی أهل الخبرة بالعلم و بالصناعات إلی أهلها فیمیزون صفة عن أخری فیعرفون أن هذا نساجة و هذا تطریز و هذا تشبیک و هذا عمل الحدادین و هذا عمل الصائغین و هذا عمل النجارین و یعرف أهل الخمر الخمر من غیره و أهل الأوانی الصینی من غیره و بالجملة فأهل العرف إن دار الأمر بینهم کلا أو جلًّا رجع إلیهم و أن أختص به قوم دون قوم رجع إلی من أختص بذلک منهم و کان مستعملًا فیما بینهم و معروفاً لدیهم.

السابع و الأربعون: للغویین و الفقهاء اختلاف فی تفسیر السحر

اشارة

فمنهم من فسره بما لطف مأخذه ودق و منهم من فسره بصرف الشی ء عن وجهه و منهم بإخراج الباطل بصورة الحق و منهم بأنه کلام یتکلم به أو یکتبه أو رقیة أو یعمل شیئاً یؤثر فی بدن المسحور أو قلبه أو عقله من دون مباشرة و زاد بعضهم فقال کلام أو عقد و زاد آخر فقال أقسام و عزائم ثمّ قال یحدث بسببها ضرر و منهم من قال کسحر بالکلام و الکتابة و الرقیة و الدخنة بعقاقیر الکواکب و تضمنیة النفس و التصویر و العقد و النفث و الأقسام و العزائم بما لا یفهم معناه و یضر بالغیر فعله و من السحر الاستخدام للملائکة و الجن و استنزال الشیاطین فی کشف حال الغائب و علاج المصاب و منه الاستحضار بتلبیس الروح ببدن مغفل کالصبی و المرأة و کشف حال الغائب عن لسانه و منه النیرنجات و هی إظهار غرائب خواص الامتزاجات و أسرار النیرین و یلحق به الطلسمات و مع تمزیج القوی العالیة الفاعلة بالقوی السافلة المنفعلة لیحدث عنها فعل الغرائب و منهم من ادّعی أن السحر عمل یحدث منه ملکة نفسانیة یقتدر بها علی أفعال غریبة و أسباب

ص: 44

خفیة و منهم من یدعی أنه استحداث الخوارق و التأثیرات النفسانیة و منهم من یدعی أنَّ العزم علی المصروع و إحضار الجن من الخرافات الباطلة و لا أصل لها و منهم من یدعی أن الاستخدام من الکهانة لا من السحر و منهم من یدعی أن إحداث الخوارق بالاستعانة بالفلکیات فقط التی هی دعوة الکواکب لیست من السحر کذا الاستعانة بتمزیج القوی السماویة بالقوی الأرضیة هو الطلسمات و کذا الاستعانة بالأرواح الساذجة هو العزائم و یدخل فیه النیرنجات و کذا الاستعانة بخواص الأجسام السفلیة هو علم الخواص و کذا الاستعانة بالنسب الریاضیة هو علم الحیل و جر الأثقال و منهم کالوالد (أعلی الله مقامه) أرجعه إلی العرف و فهم من العرف أنه عبارة عن إیجاد شی ء یترتب علیه أثار غریبة و أحوال عجیبة بالنسبة إلی العادة بحیث أنها تشبه الکرامات و توهم أنها من المعجزات من غیر استناد إلی الشرعیات من حروز و دعوات و نحوها من المأثورات و ما أخذ من الشارع کالعوذ و الهیاکل و الطلسمات فلیست منه و غرض الشارع بجسم مادته المنع من التدلیس و التلبس فی الأسباب کالمنع منهما فی المسببات و أن حدوث الأفعال من دون سبب بین مخصوص برب العالمین و هو راجع إلی ما ذکرنا من الرجوع إلی عرف أهل الصناعة الذین یمیزونه و یعرفونه کما یعرف الضائع موضوعات صنایعهم ورد علیه بعضهم أنه لا محصل لذلک لطول هذا العلم و کثرة أبوابه و شعبه فلا یفهمه أهل العرف و لأن کثیراً من علوم الجبر و الهیئة و النیارجة یحدث عن عالمها أثار عجیبة و أفعال غریبة و یکفیک ما یفعله الإفرنج من الغرائب و هو کما تری بعد ما بینا أن الرجوع لأهله و أهل المعرفة به و کونه طویلًا عریضاً لا ینافی ضبطه بضبط موضوعه هب أنه کعلم الفقه و عمله و دخول جملة من أفراده فی علم آخر لا ینافی دخوله فیه بعد قضاء العرف به و نلتزمه و لا بأس به و أما أعمال الإفرنج فهی أعمال ذوات أسباب معلومة عادیة و تأثیرات و مسببات عرفیة کإحداث البناء العجیب و الشریر الغریب و الحدید القاطع و البارد و بعض الأسلحة و إذا ظهر حال الأسباب و أنها من جهة زیادة الأستادیة و المعرفة بالأمور العملیة بطل العجاب فی جمیع هذه الصنائع العادیة و قد رأینا أهل الطبخ یصفون ألواناً فی المأکل تحدث من

ص: 45

ترکیبات المفردات بعضاً مع بعض لا یهتدی إلیها أکثر الناس و قد یترک الأول للآخر ما لا یصل إلیه و أعمال الإفرنج لو عملناها و استعملناها لکانت عندنا من سائر الأعمال العادیة و لکن البلاد غیر البلاد و الاستعداد غیر الاستعداد و أعمال الصینی من الجینی و نحوه ما یشابه ذلک فلا وجه لهذا الایراد و منهم من جعل الخواص حتی خواص الحروف و ما یحصل من ریاضة النفس الذی یعد مثله کرامة لدخوله یا عبدی أطعنی تکن مثلی و ما یرجع منه إلی ترکیب الأجسام علی النسب الهندسیة أو غیرها لم یثبت کونه سحراً و الأصل البراءة و لو استلزم منها ضرر الغیر أو دعاء نبوة حرم لذلک و هو کما تری لا یطرد و لا ینعکس و منهم من فصله تفصیلًا طویلًا حاصلة أنه أقسام ثمانیة.

القسم الأول: سحر الکذابین

و هم عبدة الکواکب و یزعمون أنها المدبرة للعالم و هم ثلاثة فرق الأولی تزعم أن الکواکب واجبة الوجود لذاتها و أنها الخالقة و المدبرة لهذا العالم. الثانیة أنها قدیمة لقدم العلة التامة المؤثرة فیها. الثالثة أنها حادثة إلا أن خالقها خلقها خلاقة مختارة و قد فرض أمر العالم إلیها و الساحر عند هذه الفرق هو من عرف القوی العالیة الفعالة ببسائطها و مرکباتها و یعرف ما یلیق بالعالم السفلی و یعرف مقدماتها لیعدّها و عوائقها لیری منها بحسب الطاقة البشریة فیکون متمکناً من استجداب ما یخرق لعادة.

القسم الثانی: سحر أهل الأوهام و النفوس القویة

و هو یکون تجرید النفس عن الشواغل البدنیة و مخالطة الخلق فیحصل ما تریده النفس و توجد صورته فی ذهنها و یقتدر بها علی خوارق العادة و هی مختلفة فمنها قویة منجذبة بنفسها إلی العالم السماوی حتی کأنها من الأرواح السماویة فلا تحتاج فی تأثیرها إلی آله و أداة و منها ما تحتاج إلی تعینه و علاج و قد تحتاج إلی الاستعانة علی ذلک بالرقی و العزائم المعلومة ألفاظها بل و غیر المعلومة لحصول دهشة للنفس و حیرة و قد تستعین علی ذلک بالدخن الموضوعة للکواکب و بالجملة فتأثیر النفس إذا صفت بفعل خوارق العادة إما لأنها مخلوقة کذلک و إما لأنها تصیر قابلة لفیض الأنوار من الأرواح السماویة و النفوس الفلکیة فتقوی بها علی إحداث الأمور الغریبة لاجتذاب ما یشبهها إلیها.

ص: 46

القسم الثالث: یحصل بالاستعانة بالأرواح السفلیة و هم الجن

و یکون بالتصفیة و التجرید و بالدخن و العزائم.

القسم الرابع: یحصل بالتخیلات و الأخذ بالعیون

و سببها الخفة و سرعة الحرکة فی فعل یشتغل الناظر إلیه فیشتغل إلی غیره کذلک فیریهم العجیب حیث وقع هذا الأمر الغریب بلا سبب.

القسم الخامس: یحصل من تراکیب آلات علی النسب الهندسیة

أو علی ضرورة الخلاء فیحصل من ذلک آثار عجیبة و کتصویرها فارسین یقتل أحدهما الآخر و تصاویر الروم التی تصورها ضاحکة و تصاویر صندوق الساعات قیل و منه جر الأثقال بآلة خفیفة.

القسم السادس: خواص الأدویة المزیلة للعقل و الدخن المسکرة.

القسم السابع: تعلیق القلب بالأکاذیب

کمن یری الناس أنه یعرف الاسم الأعظم و إن الجن تطیعه و تنقاد إلیه الأمور فیجذب إلیه العقول الضعیفة و العقول السخیفة.

القسم الثامن: السعی بالنمیمة و الضرر بالوجوه الخفیة

و هذا کله کما تری منه ما لا محصل له و ما لا محصل له لا یدخل فی السحر و فی الخبر أن السحر علی وجوه شتی منها بمنزلة القلب کما أن الأطباء وصفوا لکل داء دواء فکذلک علماء السحر احتالوا لکل صحة آفة و لکل عافیة سقماً عاهة و لکل معنی حیلة و نوع آخر معه حفظ و سرعة و مخاریق و خفة و نوع آخر منه ما یأخذ أولیاء الشیاطین منهم قال فمن أین علم الشیاطین (السحر) قال من حیث عرف الأطباء الطب بعضه بتجربة و بعضه بعلاج إلی أن قال: قال أ یقدر الساحر أن یحول الإنسان بسحره فی صورة الکلب و الحمار و قال هو أعجز عن ذلک و أضعف من أن یغیر خلق الله من أبطل ما رکبه الله و صوره فهو شریک الله تعالی فی خلقه لو قدر الساحر علی ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و لنفی البیاض عن رأسه و الفقر عن ساحته و ذکر بعضهم أن من السحر ما یؤثر المحبة و البغضاء و ربط الرجل عن زوجته کما صنع فی عمارة بن الولید حیث نفخوا الزئبق

ص: 47

فی إحلیله فصار مع الوحوش فلما قبضوا علیه أضطرب حتی مات و قد یذکر فی کتب السحر و عند أهله الاختفاء عن الأعین و الطی و الطیران و الدخول فی الأرض و الحائط و المسخ بصورة لا الحقیقة و الدخول فی النار و المشی علی الماء و الدخول فی الإبریق و فی الحیوان و ذبح الإنسان و جر الأثقال و المشی علی الحبال و أخذ عقول النساء و الرجال و اتباعهم لهم أبداً من غیر شعور و قلع الحصن و القصور بما لا یعلم سببه کی یبطل عجبه و إدخال الحدید فی البدن و إخراجه و الضرب بسلاح منه و قی ء الإبر و إخراج الضوال و جذب ما فی البحر و تجفیف النهر و الإضحاک و الإبکاء و تغیر الألوان و زرع الساعة و بناء المدن دفعة و الدخول إلیها فجأة و إخراج الخیوط من بطنه و إحراق ثیاب حاجبه و جلیسه و إماتة من شاء علی ما وقته من الأوقات و تسخیر السباع و الوحوش و الطیور و تسخیر الملوک و إخراج الماء من الحصی و وضع البیض تحت الأسنان و جلب الدراهم و إحضار من یرید و تشتیت الشمل من الإنسان و ابتلاع الجسیم و إخراج الفواکه من تحت الفراش و عمل الترج و عمل الدخن و قلب المعادن و إجماد الماء إلی غیر ذلک و إن کان أکثره کما سیجی ء إن شاء الله تعالی لا حقیقة له و هذا کله ینبغی التأمل فی الداخل فیه فی السحر الخارج عنه و لو وجد عندنا علماؤهم و أهل الخبرة منهم لمیزوا بینه و بین غیره کما یمیزون أهل الصناعات صناعاتهم و أهل الحرف أعمالهم و لا عبرة بما دق و لطف من الأعمال و تراکیب الأغذیة و الأدویة و لا کما دق و لطف من مبتکرات المسائل فی العلوم و لا بما دق و لطف من ألسنة بعض الناس إذا تکلموا فی أمر بنحوه إلا یحسن الکلام و اللطائف بحیث لا یدرک من إلیه الحاجة إلا قضاها و کم من یدرکه الأسف بعد ذلک فیقول سحرنی بکلامه فقضیت له الأمر من غیر شعور و لا بما دق و لطف من الحیل فی جلب الرزق و هذا کله لا کلام فیه و لعلنا نقول إن کثیراً مما قدمناه یشارک السحر فی الحکم لا فی الاسم لترتب الفساد علیه باعتبار خرق العادة بالفعل المشابه للمعجزة الذی أراد الله تعالی دفعه و قطع مادته لتأثیره الخلل فی النبوّات و إظهار المعجزات و ربما یطلق علی کثیر مما تقدم لفظ السحر.

ص: 48

الثامن و الأربعون: الأقرب أن السحر أکثره تخییل

بمعنی أن العین تراه علی غیر الواقع و هو الأغلب بین الناس کما یدل علیه عجزهم عمَّا هو أضعف مما فعلوه من الغناء و الاعتبار و القوة و حفظ أنفسهم من الغرق و القتل و الضرب فدل علی أن الأقوی فیه أنه تخییل لا حاصل له و یدل علیه قوله تعالی: (یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ) (طه آیة 66) و قوله تعالی: (وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّینَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) (البقرة 102) و قوله: (وَ لٰا یُفْلِحُ السّٰاحِرُ) (طه آیة 69) لظهورها فی نفی الفلاح فی الدنیا و الآخرة و قوله تعالی: (کَیْدُ سٰاحِرٍ) (طه آیة 69) و ظاهر المکیدة أنها تخییل لا حاصل و قوله تعالی: (سَحَرُوا أَعْیُنَ النّٰاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ) و لظهورها فی أن السحر مؤثر فی العین لا فی الواقع و منه تحقیق و یشیر إلیه بقوله: (وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّینَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ) (البقرة: من الآیة 102) بمعنی أن المضر منه إنما یضر إذا لم یبطل الله أثره کما أبطل الله نار إبراهیم فمعناه أن الله ترک السبب و المسبب علی مقتضی السبیة لأثر السبب أثره و یدل علیهِ ما ورد عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) أنه سحر علیه فأثر فی بدنه فأنزل الله المعوذتین و فیهما (وَ مِنْ شَرِّ النَّفّٰاثٰاتِ فِی الْعُقَدِ) (الفلق: آیة 4) هی ظاهرة فی السحر و من ادعی أن تأثیر السحر مناف لمنصب النبوة و أن النبی عنده دعوات و إحراز و لا یمکن تسلط السحر علیه معها و أن النفس الشریرة لا یمکن أن تفعل بنفس النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لخلوصها و تجردها و إنما تفعل فی النفوس القابلة للانفعال و رددناه أن تأثیر السحر ما لم یکن فی العقل أو فی شی ء تنفر الطباع منه لا بأس به و دعوی أن تأثیر السحر ینفُر الطباع منه لأن النبی ینزه عن تسلط الساحر علیه حیث أن تسلطه علیه مما یجوز تسلطه علی عقله و منه فتنفر عنه الطباع و یقال فیه: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلّٰا رَجُلًا مَسْحُوراً) (الإسراء آیة 47 و الفرقان آیة 8) ممنوعة عند سلامة عقله و دینه و بصره و حواسه المقر فقدانها بنبوته مطلقاً فهو کتأثیر السم و المرض و الحدید و أما الإحراز و الأدعیة فقد تقتضی المصلحة بعدم استعمالها أو استعمالها و عدم تأثیرها لعدم إذن الله تعالی بذلک کما وقع علی الأوصیاء من القتل و السم و الحبس مع أنهم

ص: 49

أهل علم الجفر و الجامعة و هم أهل الدعوات المستجابات و أما تأثیر النفس الشریرة فمسلم لو کان یخل بدین النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) کتسلیط الشیاطین أو بما یقضی بنقص نبوته و أما تأثیره بنفس جسمه فلا مانع منه و بالجملة فکون أن بعضه تحقیقی مشاهد بالوجدان و العیان و ربما یشیر إلیه بقوله تعالی: (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلّٰا رَجُلًا مَسْحُوراً) (الإسراء آیة 47 و الفرقان آیة 8) إن السحر کله تخییل لتأثیره بالوهم من المنفعل ظاهرة البطلان لأنه یؤثر فیمن لا یعلم کدعوی أن آثار الجن حقیقیة قطعاً لإمکان کون الجن و فعلهم کله تخییل و لا أثر لذلک کما قال (منه) إنه من الخرافات و لو سلمنا لکان ما یری الجن تخییل لهم و الظاهر أن المسألة قلیلة الثمرة و إن أمکن ظهورها فی القصاص لأنه علی التخییل لا قتل واقعاً و إنما یتراءی للناظر فلو بطل السحر لعاد حیّاً بل و لا دیة مع احتمال أن القتل الذی یقاد به و تأخذ علیه الدیة هو ما تراه العین و یترتب علیه آثار الموت و بالجملة فالتخییل فی المؤثر لا ینافی العقر و بعد تحقق القتل بذلک التخییل و أما التخییل فی الموت و فی الأثر فلا قود فیه و کذا لو أقر أنی قتلته بالسحر عمداً أو أنی قتلته خطأ مع احتمال أنه یؤخذ بإقراره مطلقاً و تظهر الثمرة فی المقاصة فی المال و تظهر فی إمکان إبطاله بعد القتل و تلف الشی ء فعلی التحقیق لا یتدارک و علی التخییل له جهة انتظار.

التاسع و الأربعون: یقتل المسلم المستحل السحر

لأنه مستحل له و لو اجتمع معه کفر آخر کاعتقاده ربوبیة الکواکب أو خلقها و تدبیرها علی سبیل الاختیار و کذا لو اجتمع معه إهانة القرآن کوضعه فی قاذورة أو إهانة عظم نبی أو سبُّ نبی من الأنبیاء أو ذکر ما لا ینسب إلی جبار السماء و لا بقتل الکافر الأصلی به و لو تفرد للعمل فهل حده القتل أم لا ظاهر الأخبار الأول لإطلاق الکفر علیه و لأنه لو توقف علی الاستحلال لساوی بقیة المعاصی لأن الساحر کآلة اللهو یلزم إتلافه لمنافاته لمعاجز الأنبیاء و عود الفاسد منه لأرباب الشرع و لما یظهر من بعض الأخبار و من آیة (هاروت و ماروت) و من کلام بعض العلماء أنه کفر مطلقاً و قد یقال إن الأخبار و الآیة علی المبالغة کما ورد فی تارک الصلاة فی کثیر من المعاصی و إعراض الأصحاب عن ذلک

ص: 50

أقوی شاهد علی ذلک و قوله: (هاروت و ماروت) فلا تکفر الاستدلال به علی الکفر لعدم ثبوت کونهما معصومین لما ورد أنهما خرجا عن العصمة لتغیر خلقهما حیث جعل الله فیهما القوة الشهویة فعشقا امرأة و راوداها فرفعها الله و مسخها الزهرة و أنهما أخذا فی تعلیم الناس السحر ببابل و هما معلقان منکوسین بین السماء و الأرض أو مراد فلا تکفر بما استلزم الکفر من السحر و الأظهر فی (هاروت و ماروت) أنهما ملکان نزلا لتعلیم الناس السحر و النهی عنه و لذا قالوا نحن فتنة ففعلهما کان للاختبار أو کانا یمیزان للناس السحر من غیره لما فشا السحر ببابل لضعف الخبر الأول لاشتماله علی المسخ إلی نجم فی السماء و یقال بقاء المسوخ علی الدوام و نسبة المعصیة للملائکة و کله خلاف الظاهر و قد یقال إن السحر إن اتخذ صنعة و یداً أو ادّعی صاحبه سلطاناً شرعیاً کان حدّه القتل و إلا فلا جمعاً بین الأخبار.

الخمسون: قد یستثنی من السحر اسماً و حکماً فقط أمور

منها تعلمه و تعلیمه لا بقصد العمل بل بقصد أن العلم بالشی ء خیر من الجهل به أو کان لمقصد صحیح لأصالة البراءة من حرمة تعلمه و علمه لمجرد الاطلاع و لفظ الساحر ینصرف إلی عامله کالمغنی و کذا سائر الصنائع بخلاف العلوم کالنحوی و منها عمله لحل المعقود أو لإبطاله فیبطل سحراً بسحر و یداوی سحراً بسحر و فی الأخبار ما یشعر بذلک ففی خبر عیسی بن شقفی الساحر أنه قال له أبو عبد الله (علیه السلام) حل و لا تعقد و فی علل الصدوق توبة الساحر أن یحل و لا یعقد و الحل فی الأخبار أن أرید به حل السحر کان دلیلًا علی حلّیة الإبطال و إن أرید به حل المربوط کان خاصاً و فی ثالث أن الله بعث ملکین إلی نبی ذلک الزمان یذکر ما یسحر به السحرة و ما یرد به سحرهم و یبطل کیدهم فتلقاه النبی عن الملکین و أراه إلی عباد الله فأمر الله تعالی أن یتقوا به و یبطلوا و نهاهم عن أن یسحروا به و فی رابع و أما هاروت و ماروت کانا ملکین علما الناس السحر لیحترزوا به عن سحر السحرة یبطلوا کیدهم و فی خامس عن الامرأة یحلون السحر عنها قال لا أری بذلک بأساً و یرید ذلک أن الظاهر من تحریم السحر السحر المقصود به الضرر أو أمور أخری لا یرضی بها رب البشر کدعوی نبوة أو رد علی نبی أو تحصیل المال أو

ص: 51

التوصل إلی المحارم من نساء و أولاد أو کشف أسرار الخلق أو المیل علیهم من غیر حق فلو قصد به الرد علی المتنبئ أو إبطال سحر الساحر أو التوقی به أو رفع السحر عن المسحور بل و مجرد العمل به لم یکن به بأس و الحق أن یقال إن عمل السحر بنفسه حرام و کبیره موبقة و لو خلا عن المقاصد الردیئة لعموم الأدلة و لکن لو اشتمل علی مقصد صحیح جاز لإشعار تلک الأخبار المجبورة بعمل الأکثر نقلًا بجوازه عند رفع الضرر به نعم لا یجوز لتحصیل نفع أو مجاناً لأن فیه قبحاً نفسیاً باعتبار التمویه به و الإغراء بالجهل و ربما أورث فی الشک فی آیات الله و فی التصدیق بأنبیائه و أوصیائه بل ربما کان فیه إظهار للشرکة مع واجب الوجود و فی قدرته و إهانة أوصیائه و من أصحابنا من منع منه مطلقاً لعموم أدلة تحریمه إلا إذا کان فیه رفع مفسدة أعظم من مفسدته کإبطال نبوة متنبئ و إحیاء نفس محترمة أو رفع شبهة تقع فی الإسلام أو الإیمان و حمل الأخبار به علی الحل بغیر السحر من القرآن و الذکر و أخبار الملکین علی اختصاصهما أو اختصاص تلک الشریعة بذلک الحکم و هو حسن و إن أمکن الإبطال و الحل بغیر السحر فإن لم یکن فالأوجه الجواز و صرف الأخبار عن ظاهرها المقتضی أن الحل و الأبطال لا داعی له بل ربما یقال تحریمه النفسی مطلقاً حتی فی نقض نبوة المتنبئ لأن الله تعالی لقهر بإبطاله حیث قال إن الله سیبطله و لا یفلح الساحر و کذا فی دفع الضرر لأن الحرام لا یدفع بحرام آخر و لو قوی المدفوع حرمة علی الدافع و لا یتفاوت فی الضرر المدفوع بین کونه سحراً أو غیره و یحمل فعل الملک علی التعلیم لا علی العمل کما ورد أن تسبیحهم الیوم لو فعل الإنسان کذا أو کذا لکان کذا و لو یعالج بکذا لکان کذا و کذا و دعوی أن إبطال السحر بالسحر واجب کفایة ممنوع و إلا لوجب علی الناس تعلم السحر بل و عمله و لا قائل به نعم قد یوجب التعلم و التعلیم لو توقف علیه بیان النبی من المتنبئ کفایة بل عیناً لتحدد عمل السحر و تکثره فی البلدان و الأزمان إلا أنه لطفاً منه و کرماً تعالی قد أوضح الأمر و ضعف کید الساحر و فضحه و أردی کلمته و صغره فی الأعین فلا یجب الاستعداد له من فضل الله تعالی و أما علمه و تعلیمه و تعلمه لعلمه السائغ شرعاً فلا بأس به و یشعر به أخبار الملکین بناء علی استحباب الحکم إلی

ص: 52

شرعنا بل ربما یجب إذا کان فی تعلمه معرفة الفرق بین النبی و المتنبئ بل مجرد العلم به إذا لم یستلزم محرماً من المحرمات من المراتب العلیة لأن الأنبیاء عالمون به و بأسراره و بأطواره و ما ورد من النهی عن تعلمه محمول علی إرادة العمل به و استلزام تعلمه للوقوع فی المحرم ممنوع قطعاً و جمیع ما جاء فی لزوم الساحر و السحرة منصرف للعاملین لا العالمین کما لا بأس بما یعلم بطرق الغناء و اللهو و غیرها مع عدم العمل به و ربما یدخل فی السحر بعض أعمال القمار و المغالبة من یدق و یخفی کالشطرنج و استخراج الدفین.

الواحد و الخمسون: مما یحرم التکسب به و أخذ المال به (السیمیاء)

و هی إحداث خیالات لا وجود لها فی الحس للتأثیر فی شی ء آخر و هی محرمة لذاتها لأنها لم تدخل فی السحر اسماً فهی مثله حکماً لاشتمالها علی التغمیز و الدقة و التدلیس و التلبیس و الحیلة و الخدیعة و کذا یحرم التکسب بالشعبذة لدخولها فی السحر اسماً أو لأنها مثله حکماً لظهور دخولها فی الباطل فیشملها دلیله و لاشتمالها علی الحیلة و التدلیس و للإجماع محصلًا فضلًا عن منقوله و فی الخبر ما یدل علی أنها من السحر و قد تدخل فی اللعب و اللهو فتکون کاللعب بالآلات الخفیة أسبابها فی حصول آثارها و هی علی الظاهر سرعة الحرکة أو الحرکة السریعة بحیث یخفی علی الحس انتقالاتها من شی ء إلی شبهه أو مغایره فخفی علی الرأی الفرق بین المنتقل عنه و المنتقل إلیه.

الثانی و الخمسون: مما یحرم التکسب به (القیافة)

و هی الاستناد إلی علامات و تقادیر یترتب علیها إلحاق بعض الناس ببعض و قد تکون لبعض الناس ملکة فیها و هی من العلوم الحدسیة و اعتقادها و العمل بها و الرکون إلیها حرام بالإجماع المنقول بل قد یدعی تحصیله و لأنها تشتمل علی ما ینافی شریعة سید المرسلین من لحوق الولد بالفراش مع الوطء و عدم الاعتناء بمشابهة الخلق و الخلق و الإعراض عن ذلک لتأدیته إلی الفضیحة و اختلال الأنساب و الأنکحة و المواریث و إلی إظهار الفاحشة لعود القریب بعیداً و البعید قریباً نعم استعمالها فی غیر الإنسان من الحیوان قد یقال بجوازه ما لم یعارض دلیلًا شرعیاً کالملک و نحوه أو یکون استعمالها علی سبیل الحدس من

ص: 53

دون ترتب أثر فیصرح صاحبها بالحدس و لکن ما لم یود إلی فضیحة أو فاحشة أو غیبة أو بیان عورة و لا یبعد أنها إن اتخذت صناعة لجلب الدراهم حرمت و إن أظهر صاحبها الحدس فیها و قد تجوز لإظهار حق أو دفع باطل بل تجب و علی ذلک تحمل الروایة الواردة فی رجوع الرضا إلی القافة فی إلحاق أبی جعفر (علیه السلام) به أو علی معرفة إخوته و لم ینههم خوفاً من التهمة أو علی الأمر لما کان مقطوعاً به لم یجب نهی القافة عنه و ما فی الخبر من نسبة القضاء بها إلی الحدس (صلّی الله علیه و آله و سلّم) لم یثبت أنه من الامام (علیه السلام) و نقلها و عملها مع قصد العمل أو الاعتقاد بها لا بأس به و العلم خیر من الجهل و أخذ العوض علی تعلیمها مع ذلک القصد محرم لأن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه و مقدمة الحرام و إن لم تکن من الموصلات إلیها علی سبیل الجزم لجواز أن یفعل المقدمات و عند إرادة فعل الحرام یترکه و لکن المقدمة المنوی بها التوصل إلی المحرم تحرم من جهة تلک النیة و إن لم ترتب علیها الإیصال.

الثالث و الخمسون: یحرم التکسب بالعلم ببعض العلوم التی یدعی أهلها أنها تدل علی أحوال الشخص و صفاته

و ما یطرو علیه من مستقبلاته من الأعراض و الأمراض و التزوج و الأولاد و الأحفاد و الغنی و الفقر و ما أکن بنفسه و ما انتقش من صحیفة خاطره فیخبر بذلک علی سبیل القطع أو علی سبیل الحدس فیکون مکسباً له نعم لو علم ذلک من دون عمل أو لا بقصد العمل کان مباحاً و کذا لو أخبر مصرحاً بأنه حدس قد استفاد من هذه العلوم فلا بأس و کذا لو أخبر عن الملاحم أو عن محیی الدین أو ابن عربی إن لم تکن کتبه کتب ضلال فلا بأس به و بالجملة: (فلا یعلم الغیب إلا الله و لا یعلم ما فی بطون الأرحام) و ما ینزل به الغیث و ما یقع فی المستقبل غیر الله تعالی أو من خصه بعلم الغیب من الأنبیاء و الأوصیاء فالاستعداد لذلک و التزیی بزی الأنبیاء مما لا یرضی به رب السماء نعم ربما ینکشف للأولیاء بعض المغیبات فیخبرون بها و تکون من الکرامات التی لا تنکر لأهل الطاعات فعلی ما ذکرنا یحرم التکسب و العمل علی نحو الصناعة أو الإخبار عن القطع فی جملة من العلوم کعلم الکف و علم الهیأة ترکیب الأعضاء بالإنسان و علم نفس الأعضاء باعتبار ترکیبها و کبرها و صغرها

ص: 54

و کذا علم الدفة الذی یدعون أنهم یعرفون به أحوال السنة و کذا علم ضرب الحصی و شبهه و کذا علم التفاؤل بالغراب و نحوه من الطیور و کذا التفاؤل بما یقع عند السؤال أو إرادة قضاء أمر من الأمور من سفر و غیره و کذا التفاؤل بما یقع من بعض الکلمات أو بعض السطور فی کتب أو رسائل ما عدا النصوص فی الکتاب المجید إذا لم یعتقده أو یتخذه مکسباً و صنعة و لا بد أن یسنده بحیث یرتفع الکذب عن إخباره و کذا التفاؤل بالاستخارة و الإخبار بما یستشعر منها إلا إذا أبان أنه حدس و لم یتخذه مکسباً و صنعة و کذا الاستناد إلی عالم الرؤیا فیخبر بالغیب من جهته سواء رآه ابتداءً و عمل أعمالًا لیری أحوالًا غنی فی ید الأحلام لا یستفیده و دیناً علی الأیام لا یتقاضاه و کذا ما یستخرجون بالاشبار أو باستنطاق بعض قاصری العقول کأهل الخبل و الأطفال الصغار.

الرابع و الخمسون: مما یحرم التکسب به (الکهانة)

و هی قسم من السحر کما أطلق علیها ذلک فی الأخبار و أن الکاهن ساحر أو قسیمٌ له و حکمها حکمه إجماعاً بقسمیه و الأخبار ناطقة به و یقتل صاحبه من دون توقف علی الاستحلال لأنه ساحر أو بحکمه فتوی و نصاً و لو توقف علی الاستحلال لم یکن فرق بینه و بین العاصی الأخر و الکاهن آلة للمحرم کآلة اللّهو یجب إتلافها و کسرها و یجوز تعلیمها و تعلمها لا بقصد العمل قیل و قلما ینفک العلم هنا عن العمل و المنع فی الأخبار منصرف إلی العمل أو العلم بقصده فیبقی مجرد العلم داخلًا فی أصل البراءة و الکهانة بالکسر قیل هو عمل تقتضی طاعة بعض الجان و بالفتح صناعة و قیل هی تعاطی الأخبار عن الکائنات من مستقیل الزمان و قیل إن الکهانة فی العرب یروی أن الشیاطین کانت تسترق السمع فتلقیه إلیهم و قیل الکاهن من کان له رائی من الجن یأتیه بالأخبار و قیل إن الکهنة منهم من یزعم أن له تابعاً من الجن یُلقی إلیه الأخبار و منهم من یعرف الأمور بمقدمات أسباب یستدل بها علی مواقعها من کلام من یسأله أو قوله أو حاله قیل و عند الحکماء أن من النفوس ما تقوی علی الاطلاع بما سیکون من الأمور فإن کانت خیرة فاضلة فتلک نفوس الأنبیاء و إن کانت شریرة فهی نفوس الکهنة و ذکر من

ص: 55

له دربة بعلوم الأسرار و الشریعة أن من المعاصی المنصوص علیها الإخبار عن الغائبات بغیر قول نبی أو وصی نبی سواء کان بالتنجیم أو الکهانة أو القیافة أو غیر ذلک قال و إن کان الإخبار علی سبیل التفاؤل من غیر جزم فالظاهر جوازه لأن أصل هذه العلوم حق و لکن الإحاطة بها لا یتسری لکل أحد و الحکم بها لا یوافق المصلحة و یرید بجواز ذلک علی سبیل التفاؤل هو ما ذکرنا من أن الحدس إذا بینا أنه حدس و لم یعتمد علیه و لم یتخذه صناعة و اکتساباً و لم یکن داخله شی ء من المحارم من سحر و تسخیر و استخدام کان جائزاً و متی کان عن صاحب من الجن کان الإخبار به حراماً نعم لو فرض أن جنیاً صاحب إنسیاً قهراً فأخبره بالمغیبات جاز للإنسی أن یخبر عنه مصرحاً بذلک غیر قاطع بقوله و لا معتمد علی صدقه و حقیقة قوله و قد ینقل فی هذه الأعصار أن بعض الناس یتزوجون من الجن و یکلمونهم و یطئون الزوجة و یولدونها و لست أتحقق ذلک فإن کذبوا فقد أثموا و إن صدقوا فقد غنموا لو جوزنا نکاح الجن و إمکان وطئهم و ولادتهم منا و دون إثبات ذلک خرط القتاد و قد یقال أن الأخبار عن الرائد الجنی و لو مع إسناد الأمر إلی قوله و لو مع الاعتماد علیه و الأخبار عن الغیب و لو کان عن قطع ببعض العلوم کعلوم الرمل غیر جائز إذا جعله الإنسان دیدناً له و صنعة لتأدیته إلی الشک فی النبوات و عصمة المعصومین فیؤدی إلی اختلال عقائد العوام سیما الطغام الذین ینعقون خلف کل ناعق نعم لو فعله الإنسان أحیاناً لم یکن به بأساً کما یصنعه العلماء فی بعض حساب الغالب و المغلوب و من ذکر أسماءهم و عددها و من قراءة سورة الرحمن علی الشقین إلی أن یلتقیا و من استخراج بعض أعداد الحروف مع التصریح بها و بالجملة لا بد من التأمل التام فی هذا المقام سیما فی مثل خرافات محیی الدین بل نمیمته و زخاریفه و نفثاته و وساوسه و صناعته و مکره و الله أعلم.

الخامس و الخمسون: یحرم التکسب (بعلم النجوم)

و بذل المال لأجله تعلماً و تعلیماً و عملًا و علماً غیر مستند إلی تعلیم و تعلم مع اعتقاد تأثیرها لأن العلم و التعلم و التعلیم علی ذلک الاعتقاد مما لا یرضی به رب العباد سواء فی ذلک علم ترکیبها و هیأتها أو علم تأثیرها و أحکامها أو العمل بأحکامها بسبب صدور الأفعال المقارنة

ص: 56

للطوالع و المقارنات و المقابلات و لو قارن عملها تعلماً أو تعلیماً أو علمها اعتقاداً قدمها لذاتها کان کفراً إنکاریاً أو اشتراکاً أو اعتقاداً قدمها لقدم علتها أو حدوثها متصفة بالعلوم و الإدراکات و الاختبار فی خلق الکائنات کان من کفر إنکار الضروریات و لو قارن اعتقاد تأثیرها بالاستقلال و إن کانت مخلوقة لرب العزة و الجلال کتأثیر الإحراق للنار و الضوء للشمس فی رابعة النهار أو اعتقاد أنها جزء سبب التأثیر و إن کان بأمر البصیر القدیر أو اعتقاد أنها علامات قطعیة و آثارها یقینیة لا ظنیة و لا حدسیة من غیر ما کانت الآثار منها بدیهیة کان فسقاً لمکان النهی عنه و تفصیل الحال أن علم الهیأة المبتنی علی معرفة تراکیب الفلک و تسییر النجوم و معرفة البروج و المنازل و الطوالع و مقادیر السیر و معرفة الثوابت و صور النجوم و تشریح العالم العلوی و معرفة الأرض و أقالیمها و کذا العلم بالجواهر و الأعراض فی کتب الکلام من مادة العناصر و کیفیة تراکیبها و تراکیب الموالید الثلاث و ما یحدث فی العالم من الأمطار و الزلازل علمان معروفان مستعملان بین علماء الإسلام یعلمونهما و یتعلمونهما من قدیم الأزمان من غیر نکیر و فیها ما هو قطعی مرجعه إلی الحس و فیهما ما یرجع إلی الحدس و فیهما ما یرجع إلی الشرع ببیان الأنبیاء و الأوصیاء و فیهما ما لا نعلمه و لا نصل إلیه و لا یصل إلینا کما یقولون: (الشمس مسکنها فی السماء فعز الفؤاد عزاء جمیلًا فلن تستطیع إلیها الصعود و لن تستطیع إلیک النزول) و فیهما ما ورد من الشریعة خلافه کما یقول الحکماء و أهل الهیأة فی حقیقة السموات و الأرض و فی الشریعة خلافه و یقولون فی حقیقة الغیوم و الأمطار و الرعد و البرق و فی الشرع خلافه و یقولون فی الخسوف و الکسوف و فی الشرع خلافه و یجوز علمه و تعلمه و تعلیمه و أخذ الأجرة علی تعلیمه غیر أن ما کان حدسیاً لا یجوز القطع به و الأخبار علی البت و ما خالف الشریعة المعلومة یترک و یعرض عنه و ما لم یعلم حاله یؤخذ به علی سبیل الاطلاع أو التقلید دون الاعتقاد و التصدیق و ما أمکن فیه التوفیق بین الأخبار و ما فی کتبهم و الجمع بینهما من دون خروج عن الظاهر فلا بأس به و أما علم النجوم فما تعلق منه بمعرفة الأهلة و الطوالع و السوانح و السیر و المقابلة و المقارنة و السعود و النحوس و الخسوف و الکسوف

ص: 57

و خروج نجم و غروب آخر و الصعود و النزول و دخول القمر أو الشمس فی البروج و الخروج عنها و درجات الشمس و القمر و السیارة حکمه حکم علم الهیأة جملة منها منه و جملة منه منها فیؤخذ بالمقطوع به و الحدس فیه یعود إلی الحدس و ما لم یعلم حاله یؤخذ به علی سبیل الاطلاع أو التقلید لا الإذعان و التصدیق و ما عارضه ما ورد من الشرع رد إلیه أو العکس و ما تعلق بالأحکام المترتبة علی تلک الموضوعات من الأعمال کالأسفار و ابتداء الأمور و النکاح و قضاء الحوائج و ملاقاة الملوک و النقل و التحویل أو من الحوادث کالأمطار و زیادة الأنهار و الرخاء و الغلاء و الفتن و الأمراض و الأعراض فهذه و إن وافقت الشریعة کما جاء فی القمر فی العقرب و فی بعض الطوالع السعیدة و النحسة أو ما وافقت التجربة عمل علیها و ما لم توافق الشرع و لم یعلم حالها فإن أخذ بها علی سبیل التقلید و الاحتیاط لا الإذعان و التصدیق فإن یک صاحبها کاذباً فعلیه کذبه و إن یک صادقاً یصبکم بعض الذی یعدکم کان حسناً و علی ذلک جرت سیرة العلماء و طریقتهم و تقریر الأئمة (علیهم السلام) فی زمانهم و فعل أصحابهم و کثیر ممن کان من العلماء فی زمانهم و من أتباعهم و المشاهیر من خواصهم و کثیر ممن بعدهم یتعاطون علم النجوم و یسکنون إلیه و یعملون بکثیر من أحکامه و یشیرون بکثیر من آثاره و لکن لا یفتون به تصدیقاً و لا یرکنون به تحقیقاً و ورد فی کثیر من الأخبار جواز تعلم هذا العلم و بیان أنه من علوم الأنبیاء و أنه یجوز الأخذ به و الاعتماد علیه من الأحکام و أن الأئمة (علیهم السلام) کانوا عالمین به و بأحکامه و بمواقعه بل ربما یرجع إلیه کثیر من الأخبار الواردة فی الأیام النحسة و السعیدة و الکوامل و أیام السنة و علی ما ذکرنا لا ینبغی التأمل فی جواز تعلمه و تعلیمه و أخذ المال عوض ذلک و لأجله کما هی سیرة کثیر من عدول الإمامیة و تقریرهم علیها من العلماء الأعلام علی مرور السنة و الأیام و کذا یجوز العمل به و أخذ الأجرة علیه بأن ینظر علی النحو المتقدم فیعمل بما هو حاصل الزیج و الدور الدائم و التقویم و الروزنامة و یخبر عن حدس مسند إلی ذلک العلم فی الحدس بالحوادث و الموالید ما لم یتخذ الأخبار عن المغیبات صفة له و یجعل ذلک سنداً قاطعاً کما یفعله أهل الملل الخارجة من الیهود و نحوهم فی الاطلاع علی

ص: 58

الخفایا و معرفة البلایا و علی هذا یحمل ما ورد فی الأخبار عن المعصومین الأطهار (علیهم السلام) من ذم علم النجوم و النهی عنه و الاستهزاء به و عدم الرکون إلیه و الإعراض عنه و إنه لا أصل له کما وقع لعلی (علیه السلام) مع الیهود و غیرهم من المنجمین علی أن کثیراً مما ورد عنهم (علیهم السلام) کان لبیان علمهم و قرب منزلتهم من حضرة ذی الجلال و أن علمهم من علمه و أن علم النجوم من علم المحو و الإثبات الذی قد یظهر فی عالم الشهادة و یکون غیره فی علم الغیب و فی اللوح المحفوظ و قد قال الله تعالی (یَمْحُوا اللّٰهُ مٰا یَشٰاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْکِتٰابِ) (الرعد آیة 39) و کثیر من الأخبار فیها تخطئة المنجمین فی معرفة الموضوعات و تخطئتهم فی أحکامهم أما من جهة عدم وصولهم و أما من جهة المحو و الإثبات من حیث أن اقتضاءها لیست لأبدیة لا یعتریها محو و إثبات و بالجملة فالرجوع إلی المنجمین فی المقطوع به من الموضوعات کمعرفة بروج الشمس و القمر و معرفة منازلهما فی الجملة أو ما کان المقطوع به کالمقطوع به بحسب جریان السیرة علیه کمعرفة الأهلة و الخسوفین و معرفة بعض المقارنات و المقابلات و معرفة منازل باقی السیارات و مقابلاتها و مقارنتها و معرفة بعض الأحکام المترتبة علی تلک الموضوعات من سعد و نحس و خیر و شر فیما یتعلق بالأفعال الصادرة من نوع الإنسان و کذا الأمور العادیة من زیادة المیاه و وقوع البرد و حدوث الأمطار و وقوع بعض الأمراض کل ذلک لا بأس به إذا لم یکن الإخبار به علی سبیل القطع فی المظنون أو الموهوم أو علی سبیل الاعتقاد الفاسد أو إظهار أنه من الغیب الذی وصل إلیه غیر مستند إلی ذلک العلم و لو بقرینة أنه منجم أو اتخاذه صنعة و حرفة لأخذ الأعراض فی غیر ما جاء فی الشرع أو شهدت به التجارب و أما ما کان ممکن أحدهما فإنه یجوز أخذ الجعالة علی إخباره بما یمکن أن یعود نفعاً للطالب فی بعض الأحکام الثابتة شرعاً أو عرفاً بالتجارب کما ذکرنا و إن ترتب علی ظنیّ أو کانت ظنیة کما وجدناهم یخطئون فی الهلال و فی الخسوفین و فی الأمطار و فی البرد و الحر و فی کثیر من الحوادث و فی کثیر من الأحکام لکن لا بأس بذلک الخطأ کما یخطأ الطبیب فی علم الطب و کثیر من العلوم المبنیة علی الظن أو أن الخطأ فی الأحکام إنما یجی ء من المحو و الإثبات کما فی

ص: 59

الدعاء و الصدقة کما ورد فی الأخبار من ترتب کثیر من الأحکام علی بعض الموضوعات و یقع خلافها و بالجملة فالأخبار الدالة علی حرمته متکاثرة بل حکم بعض الأساطین أنها متواترة و فی بعضها عدّه من الآثام و فی بعض من منافیات الإسلام و الإجماع منقولة و فی کلام بعض الأساطین ه لصحمو بل فی کلام بعض الأساطین أن تحریمه عرف بین المسلمین حتی عد من ضرورة المذهب بل الدین و الأخبار الدالة علیه علی حلیته متکثرة حتی ورد عن الکاظم (علیه السلام) مدحه و کثیر من أصحاب الأئمة العظام کانوا منجمین و لم ینکر الأئمة (علیهم السلام) علیهم و کذا کثیر من الفقهاء المتبحرین المتقدمین و المتأخرین و کذا کثیر من عظماء الشیعة العاملین بأحکام الشریعة و لم تزل العلماء ترجع إلیهم بالسؤال عن أحوال القمر و النجوم و السعد و الطوالع فیما یتعلق بالسفر و التزویج و الانتقال و کثیر من موضوعات الأعمال و ورد أنه علم إدریس وذی القرنین و ورد فی الکتاب المجید ما یؤذن بحلیته کقوله تعالی: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ) (الصافات آیة 88) و قوله: (فَلٰا أُقْسِمُ بِمَوٰاقِعِ النُّجُومِ) (الواقعة آیة 75) و ورد عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی روایة سعد الیمانی ما یؤذن بجواره حیث أنه أقره علی علم النجوم لما ادعی أنه أعلم علماء الیمن فبین له الامام (علیه السلام) أموراً لا یعلمها فی النجوم و لا سمعها فتعجب من ذلک و الحدیث طویل لا یخلو من اشتماله علی الأعجاز و قال: (فی ما ظننت أنّ أحداً یعلم هذا و ما یدری ما کنهه) ثمّ قال الیمانی و کذا فی روایة الدهقان مع علی (علیه السلام) حیث منعه عن الحرب و قال إذا کان مثل هذا الیوم وجب علی الحکیم الاختفاء و ذکر بعض الأحکام فأجابه علیه السلام: علی بیان أحکام لا یعرفها و لا سمعها و کان فیها سبب موت جاسوس الخوارج و لا شک أن علم علی علیه السلام به و عدم إنکاره علیه دلیل علی جوازه و ورد عن قیس بن سعد هذا بطریق آخر و إن الذی منعه دهقان من دهاقین الیمن و ورد بطریق ثالث عن الأصبغ بن نباتة و ورد عن أبی عبد الله: (إن علم النجوم علم الأنبیاء) و کان علی (علیه السلام) أعلم الناس به و فی آخر عن أبی جعفر (علیه السلام): (أنه علم النبی نوح) و فی آخر: (إن علم النجوم علمه

ص: 60

الله تعالی لنبی من الأنبیاء لیعلمه قومه و أنهم عرفوه بالنظر إلی الماء الصافی النازل من المطر) و فی آخر أنه النبی یوشع بن نون و إن الله بعد ذلک خلط اللیل و النهار علیهم فجهلوا ما علموا) و فی آخر إن (ازل) کان منجماً لنمرود و قضیته و وقوعه علی أهله و ولادة إبراهیم رویت بطرق عدیدة و فی آخر عن عبد الرحمن بن سیابة عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی النجوم و العمل بها قال: (لا تضر بدینک) و الحدیث طویل و فیه أن الامام (علیه السلام) بین له أحکاماً لا یعرفها و فی آخر أن علم النجوم صحیح لورود الشمس لیوشع و لعلی (صلوات الله علیهم) و فی آخر بیان أحکام کثیرة لهشام الحقاف من دون إنکار علیه و فی أخر عن أبی عبد الله (علیه السلام): (هل النجوم حق قال نعم) و عن الرضا (علیه السلام): (أنه أصل صحیح) إلی غیر ذلک و الجمع بین ما دل علی المنع و ما دل علی الجواز و هو أن تحمل أدلة المنع علی العمل به مع اعتقاد التأثیر أو اعتقاد الأحکام الغیر المقطوع بها بحسب العادات أو الإخبار بجمیع أحکامه عن علم و التحدی به و اتخاذه معجزاً لصاحبه أو حمل الناس علی العمل به لحقیته و صدقه أو تکذیب الأنبیاء و الأوصیاء به أو إنکار أن الله تعالی یمحو و یثبت و عنده أم الکتاب أو العمل بالأحکام الشرعیة به کإخراج السارق و ولد الزنا و الحرام و الحلال أو استخراج الأحکام منه أو غیر ذلک کما ذکرنا.

السادس و الخمسون: یحرم التکسب بالقمار و تعلمه و تعلیمه للعمل به

و یحرم التکسب بالآلة بل اقتناؤها و إبقاؤها کل ذلک لحرمته عقلًا و شرعاً کتاباً و سنة و إجماعا لأنه من اللهو و اللعب و الباطل و المیسر الذی هو رجس من عمل الشیطان و له الآلات معلومة معتادة یلعب بها کالشطرنج و النرد و لعنه الأمیر و الثلاثة و الأربعة عشر و الجوز و البیض و الکعاب و الخاتم و فی الخبر: (بیع الشطرنج حرام و أکل ثمنه سحت و اتخاذه کفر و اللعب به شرک و السلام علی اللاهی بها معصیة و کبیرة موبقة و الخائض یده فیها کالخائض یده فی لحم الخنزیر و لا صلاة له حتی یغسلها کما یغسلها من لحم الخنزیر و الناظر إلیها کالناظر إلی فرج أمه و الناظر إلیها و المسلم علی اللاهی بها سواء معه فی الإثم و الجالس علی اللعب بها یتبوأ مقعده من النار و محلها مجلسها من المجالس التی

ص: 61

باء أهلها بسخط من الله تعالی) یتوقعونه فی کل ساعة فیعمک معهم و لا قائل بالفصل بین الشطرنج و بین غیره مما اعتیدت المقامرة به و أکثر ما فی هذا الخبر محمول علی المبالغة و التشدید فی عظم معصیتها أو کنایة عن النجاسة المعنویة و الغسل عن التوبة و بطلان الصلاة عن ضعیف ثوابها و الشرک عن شدة الذنب و السلام علی اللاعب مع ارادة اللعب و الرضا بفعله و الجلوس معه بنیة اللهو معه أو اللعب معه حرام لذلک أما لو جلس منکراً لذلک بقلبه فلا بأس مع احتمال لزوم القیام من ذلک المجلس ما لم یکن للضرورة و لو جلس للتفرج أو التنزه فالظاهر الحرمة لأنه من اللهو و اللعب المنهی عنه لأن اللاهی بالملاهی لم یعقد مجلسه بالسامعین و المریدین و الباذلین لما صدر منه اللهو فالجالس للهو هو أول اللاهین و المتلاهین عما هو نافع فی الدنیا و فی یوم الدین ثمّ إن القمار إما أن یتخلص تخلیص للمغالبة بالآلات المعهودة من دون التواطؤ علی مال و بذله فی الحال أو المال و إما أن یکون مع التواطؤ علی المال و بذله فی الحال أو المال و الظاهر تحریم کلا القسمین و أشدهما ما اشتمل علی المال فیجب رده علی مالکه المعلوم و لو ببذل ما لا یضر بالحال أو ما مع ما یضر فی وجه قوی فإن لم یمکن إیصاله لتقیة أو بعد رفع إلی الحاکم الشرعی لولایته علی مثل ذلک فإن أمکن الحاکم إیصاله و إلا فالصدقة به إن کان مؤمنا و إن کان غیر مؤمن احتملت الصدقة و الإبقاء أمانة و عوده إلی الإمام (علیه السلام) فإن لم یعلم مالکه فی محصور کان مجهول المالک فرضه الصدقة به إذا کان مؤمنا أو مجهول الحال و فی الکافر عبث کما تقدم و إن کان فی محصور احتملت القرعة و کونه مجهول المالک و التوزیع و الصلح بما یراه الحاکم و لو أکله المقامر وجب قیئه إن بقیت مالیته بعد قیئه و إلا سقط وجوب القی ء علی الأظهر لانتقاله إلی البدل و لزوم ذلک تعبداً بعیداً نعم هو أحوط و فی الروایة أن أبا الحسن (علیه السلام) (أکل من مال المقامرة شیئاً فلما علم قاءه) فیحل علی الاحتیاط إن جوزنا أن الامام (علیه السلام) یأکل الحرام من غیر علم و ما لم یشتمل علی المال فهو من اللهو و اللعب الموجب للوبال و أما اللعب بالآلات الغیر المعهودة فإن دخل عرفاً باللهو و اللعب المعتادین اللذین یلزم منهما الفساد علی کافة العباد حرم سواء اشتملت

ص: 62

المغالبة علی مال أو لم تشتمل و إن لم یدخل عرفاً باللهو الذی ما من شأنه الفساد العام کالعراص و الطلاح و الشباک و کسر الخشبة و حرق البساط و إظهار النشاط و السرعة فی الذهاب و الإیاب و جودة ضرب السلاح و إبعاد الرمی و جودة الصنعة أو الجدل فکل یقول الحق معی و وقع ذلک أو سیقع ذلک جاز فعله و السیرة علی ذلک عن الحسن و الحسین (علیهما السلام) فعل نظیر ذلک و أصالة البراءة تشهد به و لیس کل لعب حرام و إلا لم یستقم نظام و تنصرف النواهی للمعتاد من اللهو و اللعب بالآلات المعتادة أو بغیرها کالرقص و الصفق بالإصبعین و الدق بالرجلین علی النحو المعهود نعم لو قرنت هذه المغالبة بمال علی وجه الشرطیة أو العلیة کان من أکل المال بالباطل و حرم تناوله و حرم النذر علیه لخروجه عن نذر الزجر و الشکر و دخوله فی النذر المحرم نعم لو وقع وعداً و مزحا فدفع عطیة و کانت المغالبة داعیاً من الدواعی أمکن جوازه إلا أن الأقوی المنع عن المیسر للنهی المفسّر بأنه أکل المال بیسر و لأنه لا یعد من التجارة عن تراض بل یعد من السفه و الباطل فما یصنع من النذر و الرهن عند المغالبة فی عمل أو فی بعض أمر و عدمه أو فی إحقاق مسألة و غیر ذلک کله لو دفع بعنوان أنه یقضیه و لا له حرام و یدخل تحته (الیادست) الذی یفعله الأعاجم لو نذر الغالب أن یدفع للمغلوب أمکن أن یکون قَدر شکر.

السابع و الخمسون: مما یحرم التکسب به التکسب المشتمل علی غش

و حرمته إجماعیة و الکتاب و السنة قاضیان به لاشتماله علی الظلم و الإغراء و الخدیعة و المکر و من غش المسلمین فلیس منهم و لکن تحریمه لغیره لأنه لأمر خارج مفارق و هو الغش فلا یقضی بفساد المعاملة المشتملة علیه کما تقدم من أن النهی إذا لم یکن لذات المعاملة أو جزئها أو وصفها اللازم لم یقض بالفساد لعدم الدلیل و دعوی أن المغشوش لم یقصد و العقود تتبع القصود و ظاهر الضعف لحصول القصد قطعاً من المتعاملین کدعوی أنه من تعارض الاسم و الإشادة هنا واردین علی واحد و إنما وقع الاشتباه فی وصفه نعم لو أخرج الغش المشار إلیه عن حقیقة الاسم کما ذکروا و أن من العیوب ما یخرج به المعیب عن حقیقة المبیع اتجه ذلک و ما ورد فی بعض الأخبار من النهی الصریح

ص: 63

عن العقد المشتمل علیه فهو من الأصلی الغیری لا الأصل النفسی أو یحمل علی الکراهة و ما قیل إن المغشوش نقله سفه مع عدم العلم غلط واضح إلا إذا خرج بالغش عن التمول نعم یثبت الخیار فیه لمکان الضرر خیار عیب أو شرط ضمنی أو وصف أو غبن أو قد لیس و ثبوت الخیار فی العیب و الوصف و التدلیس دلیل علی صحة البیع المغشوش و الغش قد یکون بفعل کمزج اللبن بالماء و الشحم بالملح و قد یکون بإخفاء عیب و قد یکون بإظهار وصف حسن أو إخفاء صفة قبح و قد یکون بترک کعدم إخراج الشی ء من ظرفه لإخفاء عیبه و عدم بیانه فی مقام یفتقر المشتری إلی بیانه و فی حکم ذلک عرضه فی زمان کاللیل أو مکان مظلم لأجل الإخفاء و لو کان الشی ء مما لا یخفی فی حد ذاته جاز من وجه و إن خفی علی المشتری لغفلة أو غباوة أو بلادة لأن الإرشاد غیر واجب و مثله العیب الخفی فإنه لا یجب الإخبار به إذا خلا عن قصد الغش و محاولة إخفائه.

الثامن و الخمسون: مما یحرم التکسب به (تزین الرجل بزینة المرأة)

من ثیاب و حلی و تحمیر و تخطیط و نتف ذو شم و صبغ و لباس خاص و نحو ذلک للأخبار الناهیة عن لباس الشهرة و بتنقیح المناط یشمل غیر اللباس و لقوله (علیه السلام): (لعن الله المتشبهین بالنساء و المتشبهات بالرجال) و یعضده الشهرة المنقولة بل المحصلة بل ربما یدعی نقل الإجماع و قد یدخل فی ذلک التأنیث للرجل باللسان و الإطرار و الحالات و الصفات من المشی و القیام و التغنج و وضع الشعر علی هیئة وضع النساء و ترخیم الأصوات و فعل ما یثیر الشهوات و لو وقع التشبیه بلبس المحرم من الحریر و الذهب تضاعفت الحرمة و اشتدت الخطیئة و لو وقع التشبیه فی مقام الحزن و الکآبة لا فی مقام الزینة أحتمل المنع لدخوله تحت لباس الشهرة و أحتمل الجواز لانصراف أدلة المنع للزینة و ما شابهها و الأحوط ترک ما یفعلونه فی التعزیة من التشبیه بالفاطمیات و نحوه و هل المحرم استعماله علی سبیل الدوام و الغالب و لو مرة واحدة و لو لغرض صحیح وجهان أحوطهما المنع و الظاهر أنه لا یجب منع الولی للطفل عن ذلک و یلحق بذلک تشبیه الامرأة بالرجل من هیئة لباسه و سلاحه بل و کلامه و أفعاله لعموم اللعن المتقدم

ص: 64

و الشهرة المنقولة و تمنع الخنثی عن الأمرین معاً اجتناباً للشبهة المحصورة و یختلف التشبیه باختلاف الأزمنة و الأمکنة و الأحوال.

التاسع و الخمسون: مما یحرم التکسب به تدلیس الماشطة للنساء

بفعل ما یظهر حسنها و یخفی قبحها لیرغب مشتریها و یهواها خاطبها و کذا یحرم تدلیس نفسها لدخول الجمیع تحت الغش و الخدع و الغبن بل و الکذب علی بعضها لوجوه و للإجماع علی حرمته فیحرم أخذ المال علی فعل ذلک لأن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه نعم بیع المدلس و تزویجه صحیح کما تقدم فی الأخبار الخاصة الناهیة عن وصل الشعر بالشعر المحمول علی حالة التدلیس و دعوی حرمته لنفسه و لو کان معلوماً للخاطب أو مفهوماً للزوج لحرمة الصلاة فیه أو لحرمة النظر إلیه ممنوعة لعدم تسلیم حرمة الصلاة بشعر الإنسان و حرمة النظر إلی الشعر مع الفصل علی أن ذلک مخصوص بشعر الأجنبیة فلا یعم شعر المحارم فما دل علی النهی عن وصل الشعر بالشعر محمول علی الکراهة کما دل علی النهی عن جلی الوجه بالخزف و فی الخبر عن النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم): (أنه لعن النامصة أو الغامصة و الواشرة و الواصلة و المتوصلة و الواشمة و المستوشمة أی التی تنتف الشعر و المستوشمة تنتشر أسنان الامرأة و تحددها و تصل شعر المرأة بشعر غیرها و تغرز بدن المرأة بالإبرة و تحشوه بالکحل أو النورة) ینحصر هذا و إن کان للتدلیس حرم و إن کان للزوج أو خلا عن التدلیس کان مکروهاً إلا إذا استلزم ألماً و أذیة للأطفال أو نقصاً فی المحاسن بعد ذلک کانهدام الأسنان و تغییر الألوان فالظاهر لزوم و استئذان الزوج به.

الستون: مما یحرم التکسب به الواجب علی الإنسان عیناً أو کفایة أو ما یندب کذلک مما لا یقبل النیابة

لأن وجود المباشرة تمنع من الاستئجار و الملک لحرمة العقل من غیر المباشر نیابة و إذا حرم الله شیئاً حرم ثمنه و تحقیق القول فی ذلک و النظر أن ظاهر الخطاب بإیجاد الشی ء واجب أو مندوب إرادة فعله من الفاعل مباشرةً سواء کان خالقیاً أو مخلوقیاً و منه الإجازة علی الأعمال و الأفعال و سواء کان عبادة أم غیرها ما لم یظهر من الخطاب إرادة مجرد وجود فی الخارج من أی مباشر کان و أنه مکلف بإیجاده لا بمباشرته أو تقوم قرینة علی ذلک کعدم إمکان صدوره منه و لا تمنع المباشرة

ص: 65

الاستعانة بغیر فعل المختار کالحیوان و الآلات من یصدر الفعل منه بغیر اختیار لأن المقصود بالمباشرة أن یقال عرفاً أنه هو الفاعل و یشتد اشتراط المباشرة فی العبادات التی تمحضت للعبودیة و لم یعلم لها جهة مصلحة دنیویة و یضاف إلی ذلک الظهور فی العبادة المحضة أن ما شک فی شرطیته شرط و علی ما ذکرناه فکل خطاب مطلق أو مشروط به المباشرة لا یصح التکسب به لعدم صحة نقله و انتقاله و کل خطاب دل الدلیل علی عدم اشتراط المباشرة فیه و صحة النیابة و أجزائها عن المخاطب صحة الاستئجار علیه لأن الإجارة ملزمة للنیابة فتصح الإجارة عن الأحیاء فی الحج الواجب عن المغصوب لقیام الدلیل علی لزوم استنابته عند عدم تمکنه و یتبعه صلاة الطواف الواجبة و کذا ما دل علی جواز أن یوصیه غیره عند عدم قدرته أو یطوف به غیره أو یسعی به و کذا ما دل علی جواز النیابة عن الأحیاء فی بعض المندوبات کالزیارة و یتبعها رکعتاها و الدعاء و الطواف و کذا ما دل علی جواز النیابة عن الأموات فی قضاء الصلاة و الصیام و الحج المندوب و الواجب و کذا الصلوات المندوبة عنه و التسبیحات و قراءة القرآن و الأدعیة و الأذکار و غیر ذلک مما دل علی جواز النیابة عنه و لیس منه ما دل علی جواز هذا الثواب بعد أن یکون عمل العامل بنفسه لا بنیة النیابة و إن توقفت صحته علی الدلیل و یمکن أن یقال إن النیابة عن الأموات لیست من هذا المقام لعدم تعلق الخطاب بالمیت بعد موته کی یکون الفاعل نائباً عنه بل ما یفعله الحی حکم شرعی تعلق بالحی بعد موت المیت و لکنه نظیره و قریب إلیه و بالجملة فهذا کله لا یصح الاستئجار علیه لدلالة الدلیل علی جواز النیابة فیه لا بما قیل من أن عموم أدلة الإجارة تشمله فما ظهر من المباشر فی الخطاب یحکم علیها عموم دلیل الإجارة أو منع ظهور الخطاب فی المباشرة لأن أدلة الإجارة مسوقة لبیان لزوم الإجارة و الأجرة عند صحة النیابة و لیست مسوقة لبیان کل عمل یصح الاستئجار علیه و أین هذا من ذاک کما أن القول بأن الاستئجار علی العمل المشروط بالقربة لا یصح لمنافاة الإجارة للقربة لصیرورة العمل فی مقابلة الآخر المنافی للخلوص ضعیف جداً لا یلتفت إلیه أو لا من جهة ورود النص به فی بعض العبادات و انعقاد الإجماع علی صحته فی النیابة عن

ص: 66

الأموات فی الصیام و الصلاة و ثانیاً أن الاستئجار مما یؤکد القربة من حیثیة الالتزام فیتضاعف بها أمر العلام لا ما ینافیها و من المعلوم أن العمل لیس للأجرة کعمل الأجیر فی الأعمال المباحة بل العمل لله و لکن الأجرة ملزمة فلیست هی من الغایات المنویة بل من الأسباب الشرعیة کالنذر و شبهه فالتقرب بالعمل الموصل إلیها لأن التقرب بالتوصل إلیها فالعبد متقرب إلی الله بسبب أجرته و أجرته الملزمة له إلا أنه متقرب لأجرته بحیث أن عمله لها و علی کل حال فما تعلق الخطاب به و لم یعلم صحة النیابة فیه أو الشرع لا یصح الاستئجار علیه و منه رد السلام و المعارف و العقائد و العلم الواجب بخلاف دفع الزکاة و بر الوالدین و بذل النفقة الواجبة و أداء الدین و وجوب قضاء الولد عن أبیه و المستأجر لأمر یفهم منه إرادة مجرد وجوده فإن جمیع ذلک مما یفهم منه عدم اشتراط المباشرة و قد یعد منه الواجب الکفائی علی قوم لم یشترط فیه المباشرة و لو بظاهر الخطاب فإنه یجوز استئجار من لم یجب علیه ذلک.

الواحد و الستون: یحرم التکسب بما یجب علی الأجیر فعله عیناً أو کفایة

سواء اشترک المستأجر فی الکفایة أم لا أما الواجب التعیینی فهو إجماعی نقلًا و تحصیلًا و إن الاستئجار سفه و عبث لعود النفع فیه للأجیر لا للمستأجر و لو فرضنا عود نفع للمستأجر فی الجملة کمن أستأجره علی صلاته لیتعلم الصلاة بسبب ذلک أو التجوید أو الأفعال الواجبة أو المندوبة أو یصلی خلفه أو یصوم لیشتغل بخدمته فلا یزاحم أکل و لا شرب فهو نفع لا یعتد به فی باب المعاوضة و لا یصلح مصحح للمعاوضة و لعدم القدرة علی تسلیم المستأجر ما فعله من الواجب علیه لأن الواجب علیه یعود نفعه إلیه و یحتسب له لا للمستأجر و لو وقع التسلیم بنیة أن الفعل له أو عنه فبطل العمل و فسدت الإجارة و لأن شأن الملک و التملیک قبوله للإبراء و التأجیل و الإقالة و الإعراض و النقل لغیره بحیث یترتب علی ذلک فائدة و لا یری ذلک هنا و لأن الواجب مملوک لله و مستحق له فلا یمکن تملیکه لغیره و نقله و إن أمکن تضاعف الالتزام به بنذر و شبهه فالفرق بین تضاعف الالتزام و الملک و التملیک ظاهر و بالجملة فآثار التملیک الشرعی و لوازمه لا تنفک عنه شرعاً تنافی کونه واجباً خالقیاً علیه فإن العبد یملک مولاه

ص: 67

جمیع منافعه و لا یملک ما فرضه الله علیه تعالی ضرورة أن التملیک و کذا الأجیر الخاص فإنه من البدیهی استثناء ما فرض الله تعالی علیه ضرورة أن التملیک سلطنة و ولایة و لیس للانسان سلطنة و ولایة علی ما وجب علیه فالمنافاة بین الواجب و بین جواز نقله و تملیکه ذاتیة شرعیة و لیست منافاة عقلیة کمنافاة الزوج و الفرد کی یستغرب ذلک و یقال إن الواجب قد تتعدد أسبابه کالواجب المنذور و قد تجتمع الجهات الشرعیة علی واحد کتعدد و جهات الخیار و أنه لا منافاة بین الوجوب و العوض لاحترام عمل المسلم و عمله کإرضاع الأم اللبن الواجب علیها و بذل الطعام للمضطر و أخذ الوصی الجعل علی ما وجب علیه و أخذ أهل الصنائع الأعراض و الاستئجار للجهاد لأن الفرق بین ما ذکرناه و هذه الأمثلة واضح بدیهی ضرورة أن جمیع هذه الأشیاء نفعها یعود للغیر و لیس للواجب علیه نفع یعود له فأمکن الجمع بین احترام عمل المسلم و بین الوجوب علیه بأنه یلزمه الفعل و یطالب بعوضه بخلاف ما ذکرنا من الواجبات العینیة العائد نفعها للمکلف علی أن یرجع الوجوب یعود فی هذه أنه مشروط بالعوض و لو من جهة ظهور الخطاب بذلک أو من جهة الجمع المزبور و دعوی وجبت مطلقاً فیملکها الغیر بعد وجوبها بعوض فیجب علیه دفعه لیس له وجه یعتد به علی أن محل المسألة أن الواجب علی شخص هل له أن یتکسب به بالاستئجار علیه أم لا و لیس علیهما أنه یوجب الله شیئاً و یجوز أخذ العوض علیه إذا عاد نفعه للغیر علی أنه من المعلوم البدیهی أن أکثر هذه الواجبات مشروطة بالعوض کما یدل علیه کلام الأصحاب و السیرة القطعیة و إلا لوجب علی الإنسان الفعل أولًا ثمّ المطالبة بالعوض و لا قائل بذلک فی الصنائع و شبهها و بالجملة فما جاء من الواجب مشروطاً بالعوض و ظهر ذلک من الخطاب کالعائد نفعه لغیره لا کلام فیه إنما الکلام فیما علم إطلاقه أو شک فی إطلاقه فإنه یحمل علی المطلق خلافاً (للمرتضی) فهل یجوز التکسب به أم لا و أما (الکفائی) الذی یراد مجرد إیجاده فیجوز لمن یجب علیه التکسب به و أما من وجب علیه فیمکن أن یقال بعدم المخالفة الذاتیة لجواز صدوره من الواجب علیه تجویز وجهتین جهة أنها فعله و یؤدی عن نفسه امتثالًا لخطابه وجهة أنه یؤدیه عن غیره

ص: 68

لعدم اشتراط المباشرة فیه فإن لاحظ الجهة الثانیة جاز و یکون مسقطاً عنه و عن غیره بعد صدور الفعل منه و یمکن أن یقال بالمخالفة أیضاً إذ کلما یصدر عنه من ذلک الفعل فهو له و نفعه یعود إلیه و النیة لا تؤثر المغایرة فیکون بمنزلة إجارة الإنسان نفسه علی أن یملک المنفعة العائدة إلیه فیأخذ عوضاً عن منفعته لنفسه و علی کل حال فالإجماع منعقد علی المنع و أدلة الإجارة و العقود مما تنصرف إلی مثل هذا و ما جاء من هذا الأعواض فی الصناعات و الضروریات فی المعاش لنوع من الإنسان کله من الواجب المشروط بالعوض لا من الواجب المطلق الجائز أخذ الأجرة علیه و الإجارة للجهاد إنما تصح عند قیام الغیر بما یجب کفایة و أن أصل وجوبه متعلق بالبدن أو المال فیفهم منه جواز أخذ الأجرة علیه و الخطاب الشرعی فی الحقیقة هو الملک الشرعی لأن الملک معناه السلطنة علی الأداء و الإلزام به و وجوب التأدیة فی الأعمال و الحقوق المتعلقة بالذمم فیعود إلی اجتماع المالکین علی مملوک واحد و الفرق بین الخطاب الشرعی التابع المخلوقی أن الخطاب هنا تابع للملک المخلوقی علی وجه الحکم التکلیفی المجرد بخلاف الخطاب الأصلی فإنه یشابه الملک فکأنه قد تضمن حکماً وضعیاً لا یجتمع مع ملک آخر علی أن الخطاب الشرعی إن استحق الشرع به التأدیة أولًا و کان لسابقاً لم یکن طروّ الملک المخلوقی بقوة الأول و ضعف الثانی و إن تعقب الملک المخلوقی أمکن اجتماعه معه لأنه تابع له و الاستحقاق صار بسببه و لأن الشرع یملک علی الأجیر أن یؤدی الملک إلی أهله لا یملک نفس العمل لعدم تعلق غرض للشرع به إلا تبعاً لحق المخلوقی و ما قیل من أن لأمر الخالقی لا ینافی الضمان المخلوقی مسلم فیما کان الفعل واصلًا للأمر عائد إلیه و قد تسلمه فیجمع حینئذٍ بین ما دل علی الضمان و ما دل علی وجوب الفعل من الخطاب الشرعی و لکن محل المسألة هو (الفعل الواجب) علی الشخص الذی قد أداه لخطاب الشرع به العائد نفعه إلیه و هو فراغ الذمة فکلما یفعله فهو له و لیس للمستأجر فیه نصیب فهل مثل هذا یقبل النیابة و یقبل النقل إلی غیره أم لا و قد قلنا إن الظاهر أنه لا یقبل ذلک و بالجملة فمحل البحث هو المعاوضة علی الواجب لا وجوب المعاوضة علی العمل المتوقف علیه النظام و لا لزوم الضمان مع بذل العمل و المال فما

ص: 69

یکون تعلق الأمر أو الإباحة به للغیر من مال أو عمل کالإباحة فی المال و بذل المال للمضطر و إرضاع اللبن و عمل الوصی و عمل الصائغ المحتاج إلیها فمحل البحث فیها هو أن الأمر الشرعی و الإباحة الشرعیة فی المال و الأعمال هل یظهر منها رفع الضمان و المجاز فلا یستحق الفاعل شیئاً أو لا منافاة بین إباحة أخذ المال و ضمانه و بین لزوم دفعه و أخذ العوض علیه فیستحق العامل و صاحب المال و هذا ظاهر و أما الواجب الکفائی فلا شک فی جواز استئجار من وجب علیه إذا لم یفهم المباشرة من لا یجب علیه الکلام فی استئجار من وجب علیه و الظاهر أنه لا یخلو من ممانعة ذاتیة أیضاً لأن الواجب کفایة واحدا و قد وجب علی المؤجر و المستأجر معاً فکلما فعله المؤجر فهو نفس ما وجب علیه و لیس الواجب أحدهما فعله المؤجر عن المستأجر و الآخر ما وجب علیه و أنه قد سقط ما وجب علیه بفعل ما کان ثابتاً فیه و هذا لا یخفی علی المتأمل و یکفی فی الواجب الکفائی الإجماع علی عدم جواز الاستئجار فیه محصلًا و منقولًا علی ما ظهر و ما ذکرناه من جواز الاستئجار فیه لیس مما وجب فجاز الاستئجار علیه بل هو مما جاز الاستئجار علیه فهذا یجب بعد الاستئجار و الضمان أو أنهما شرعاً وقعا علی النحو المعهود.

الثانی و الستون: مما یحرم التکسب به المندوب علی المستأجر عیناً لا یقبل المباشرة

و المندوب علی الأجیر عیناً الذی لا یعود للمستأجر نفعاً لیعتد به إلیه أما ما عاد نفعه للمستأجر فإنه یصح الاستئجار علیه و أخذ الجعالة فیه و بذل المال لأجله إن کان الأجیر مخاطباً بالمندوب و العمل من أعماله و الفعل یقع امتثالا لما خوطب به إلا أنه لما کان نفعه مما یعود للمستأجر و لا لزوم علی الواجب شرعاً و لا استحقاق للشرع علیه بالتأدیة مما جاز أن یلزمه المستأجر بالعمل بطریق الإجارة و بذل المال فیؤدیه فیصل نفعه للمستأجر و إن کان الخطاب و النفع عائداً للأجیر أصالة فعلی ما ذکرنا یجوز الاستئجار و علی المندوب الکفائی إذا عاد نفع للمستأجر فیه و إن تضمنه الواجب کالزائد الذی فی تغسیل الأموات و دفنهم و تکفینهم و الصلاة علیهم و لا یجوز استئجار المأمومین الامام علی الإمامة فی الصلاة الجماعة غیر الجمعة و کذا العکس لأن نفع

ص: 70

الإمامیة لا یصل إلی المأمومین و لا نفع المأمومیة یصل إلی الإمام و إن انتفع المأموم بإمامة الإمام لأن یقتدی به و الإمام بمأمومیة الإمام لأن یقتدی به و لا یجوز التکسب علی الأذان و إن عاد نفع للمستأجر فیه لمکان النص من الأخبار المؤیدة لفتوی المشهور نقلًا بل تحصیلًا قیل و فیها الصحیح و الإجماع المنقول علی لسان الفحول و إنکار دلالة الأخبار لا وجه له کما أن اشتمالها علی ما لا نقول به من تحریم أخذ الأجرة علی تعلیم القرآن لا یقدح فیه و ظاهر الأدلة تعمیم الحکم للأذان الإعلامی مع قصد الأذانیة و الصلاة سواء کان فی صلاة جماعة أو غیرها و سواء عاد نفع للمستأجر فیه من الاجتزاء به عند سماعه أو کان مما یقبل النیابة تبرعاً أم لا و سواء نواه لنفسه أو نواه عن غیره نعم یخرج من الحکم ما دخل فی الاستئجار علی الصلاة تبعاً من الأذان الصلاتی فی إجارة الصلاة عن الأموات و یخرج منه الأذان فی أذن من لم یأکل اللحم أربعین یوماً و الأذان للصبی و المسافر و قول الصلاة ثلاثاً بدل فی محله و لا یفسد الأذان مع أخذ الأجرة المحرمة إذا خلصت القربة من المستأجر کباقی العبادات التی یحرم أخذ الأجر علیها و من حکم بالفساد أراد به مع عدم نیة الخلوص و أما العمل فی مقابلة الأجرة و أما الأجرة علی الإقامة فمع صحة النیابة فیها بحیث یعود نفعها للمستأجر فالأقرب الصحة لعموم الأدلة من غیر معارض و الأولویة فی التحریم ممنوعة و لا یتفاوت فی الأجرة بین کونها من مال المستأجر أو من بیت المال أو من سهم فی سبیل الله أو من الأوقاف العامة للخیرات و المبرات نعم لا بأس بالارتزاق من بیت المال أو من غیره معونة علی الطاعة لا علی جهة المعاوضة و لا یتفاوت مع القصد إلی أنه معونة الدین و التشیید لأحکام سید المرسلین بین توقف الأذان علیه و عدمه.

الثالث و الستون: یحرم التکسب فی الإمامة و المأمومیة الواجبتین فی الجمعة و العیدین

للإجماع بقسمیه علی الظاهر و للشک فی شمول أدلة العقود لمثله و کذا الإمامة و المأمومیة المندوبین بظاهر الإجماع و لاطلاق النص الشامل للواجب و المندوب و للشک فی شمول الأدلة سواء وقع التکسب فی صلاة الجماعة أو فی تقدمه للإمامة أو تأخره للمأمومیة و یؤید ذلک ما یظهر من الأخبار من أن الإمامة رتبة الإمام

ص: 71

اللازم علیه اجتناب جمیع المنفیات لیزید الاعتماد علیه و الرکون إلیه و لأن الجماعة من العبادات المطلوبة لنفس العامل کما تقدم و یحرم الاکتساب فی تحمل الشهادات و أدائها لوجوب الأول کفایة أو عیناً مع الانحصار و إذا دعی إلیها مع الحاجة إلیها من الطالب فی مقام الدعوی أو خوف الوقوع فی الضرر دنیوی أو أخروی بل من ترک حرفاً من الشرع أحوجه الله إلیه بل لا یبعد وجوب التحمل مع الاستدعاء مطلقاً لقوله تعالی: (وَ لٰا یَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا) (البقرة آیة 282) المفسرة فی الصحیح بالتحمل و لو تحمل الواحد نفی ارتفاع الکفایة لانضمام المبین إلیه فی الأموال فیصح أخذ الأجرة للباقین وجه و لو تحمل اثنان فی غیر الأموال أو أربعة فی مقام الأربعة کفی فی ارتفاع الوجوب و یحتمل الوجوب مع الاستدعاء مطلقاً لخوف الفوت و الموت و أما أولها فهو واجب کفائی قطعاً أو عیناً مع الانحصار لقوله تعالی: (وَ مَنْ یَکْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة آیة 283) و لو قام بالأداء من مثبت الحق به و لکن أداء المدعی زیادة التأکید بقیام واحد لکفایة المدعی به مع یمینه وجه فی الأموال و یجب الانتقال مع طالب الشهادة ما لم یتوقف علی بذل مال یضر بالحال و لو بذله الطالب لزم الانتقال معه ما لم یمنعه من خوف أو تقیة و لو أمکن شاهد النوع فلا یبعد عدم وجوب الشاهد الأصل.

الرابع و الستون: یجوز أجر علی التوکیل فی التزویج

و علی إجراء صیغة العقد أو الإیقاع أو الخطبة و علی السعایة فی التزویج و الرجعة أو التطلیق أو صیغة العتق لو بذلهما العبد قبل عتقه فی وجه أو الکتابة أو التدبیر و لو بذلهما الولی فلا کلام سواء قلنا بوجوب ذلک مع الاحتیاج کفایة أم لا لأن وجوبها مشروط بالعوضین و أما الأجرة علی تعلیم العقد و الإیقاع ففی منقول الإجماع المنع و استدل علیه بوجوبه و یجوز الاستئجار علی تعلیم الأذکار و الدعوات و الزیارات و التعزیات و علی قراءة القرآن بل علی تعلیم القرآن مطلقاً لحصول الکفایة فی العارفین به و معلمه و متعلمیه نعم ما یجب فعله فی الصلاة من الفاتحة و سورة فإنه یجب کفایة تعلیمه للجاهل عبثاً و مع الانحصار عیناً فلا یجوز أخذ الأجرة علیه و کذا تعلیم الأفعال الواجبة من الصلاة و الصوم حین أحتاج الجاهل إلیها فإنها واجبة کفایة بل عیناً مع الانحصار فلا یجوز

ص: 72

التکسب بها و أما تعلیم غیر البالغ فلا بأس بأخذ الأجرة علیه لعدم وجوبه علی المتعلم و المعلم و لا یجوز أخذ الأجرة علی تعلیم العقائد للمکلف و لا علی الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر لوجوب ذلک کفایة و لا یجوز أخذ الأجرة علی تعلیم الاستدلال للوصول إلی مرتبة الاجتهاد لوجوب الاجتهاد کفایة و وجوب تعلیم الطرق الموصلة إلیها و تعلمها و لیس فی الموجودین ما تحصل الکفایة بهم و بالجملة فکلما وجب علی الجاهل تعلمه من الغایات أو المقدمات کفایة أو عیناً وجب علی العالم تعلیمه لأن الله تعالی ما أوجب علی الجُهّال التعلم إلا أوجب علی العلماء التعلیم و حینئذٍ فیحرم التکسب فی التعلیم الواجب مطلقاً و لکن الفقیه لا بد له من التأمل فی ذلک و یمیز الواجب من غیره و تمییز ما وجب مطلقاً و ما وجب مشروطاً بالعوض و ما شک فیه هل هو من المشروط أو من المطلق.

الخامس و الستون: یحرم التکسب بالقضاء بالحق فضلًا عن الباطل

و کذا الإفتاء و کذا قطع الخصومة بالصلح بین الخصمین أو بإحضار الشهود و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر بعد شهادتهما أو بالصلح بین المنکر و المدعی إذا لم یکن هناک قاض فوجب علی عدول المسلمین قطع الخصومة و لا تفاوت فی تحریم العوض بین دفعه من المتخاصمین جعلًا أو شرطاً أو إجارة أو من بیت مال المسلمین أو من سهم فی سبیل الله أو من متبرع کل ذلک لوجوب ما ذکر عیناً مع الانحصار أو کفایة مع عدمه مع الحاجة و عدمها و لیس من الواجبات المشروطة ببذل العرض کما هو ظاهر الأخبار و الکتاب الآمرین بالحکم بین الناس و القضاء فیهم الظاهرین فی الوجوب المطلق و لقوله تعالی: (قُلْ لٰا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبیٰ) (الشوری آیة 23) و یجب التأسی بالنبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و لو لعلو المنصب و الإجماع المنقول علی المنع من بذل الجعل من المتخاصمین أو الأجرة أو الأعم من المتخاصمین و الأخبار الناهیة عن ذلک المریدة بفتوی الفحول و الاعتبار و أنه من الواجبات المشکوک فی شمول أدلة العقود و التکسب لمثلها یبقی علی أصل المنع و عدم السببیة فی النقل و الانتقال و ما دل علی تحریم الرشوة کما سیجی ء إن شاء الله یوزن بذلک و للصحیح الدال علی أن أخذ الرزق من

ص: 73

السلطان سحت فالأجرة بطریق أولی و أن المعنی الحقیقی إذا صرف کان أقرب مجازاته الآخرة هذا إن جوزنا الرزق مع الاحتیاج أو مع الکفالة و تعینه للقضاء و التکسب بمقدمات القضاء کالتکسب به کسماع الشهادة و الإقرار و الیمین و التزکیة و الحرج نعم لیس منه الأخذ علی کتابة الحکم و الرشم بل و الإشهاد علی حکمه و الخروج إلی منزل غیر منزله و بذل القرطاس و المداد و القلم و غیر ذلک إلا أن هناک ما تنفر النفوس من استعمالها و ما لا تنفر کطلب القرطاس و الکاتب و نحوهما من العمال و الخدام المباشرین لإتقان الحکم و لو سقط وجوب الحکم کما لو حکم القاضی فطلب تنفیذ الأجرة فلا یبعد جواز الأجرة علی تنفیذه و مثله لو حکم فأرید التأکید منه و التکریر مرة أخری و یجوز للقاضی و المفتی و المعلم و الواعظ و الآمر بالمعروف الناهی عن المنکر أخذ الرزق من بیت المال لا علی جهة المعاوضة مع التغیر و عدمه مع الحاجة و عدمها و کذا من سهم سبیل الله أو من متبرع و یجوز قبول الهدیة و الولیمة بل قد یجب الارتزاق علیه لحاجته و توقف القضاء علیه و ما دل من الأخبار علی منع الارتزاق کما نطق به بعض الأصحاب محمول علی أخذه بنیة المعاوضة و الأجرة و کثیراً ما یطلق علی ذلک کما أن من أجاز الأجرة من بیت المال أراد الارتزاق و لو عدل الحاکم من القضاء إلی الصلح ففی جواز أخذ الأجرة من عدم وجوبه و من أنه أحد الفردین المخیر فیها بین القضاء و بین الصلح وجهان و فی الحکم و القضاء فی الأمور العامة کالهلال و الکسوف و الخسوف کالحکم فی الأمور الخاصة فی جهة المنع.

السادس و الستون: مما یحرم التکسب به لحرمته فی نفسه التشبیه بالمرأة المعلومة عند القابل و السامع

أو عند السامع فقط فی وجه قوی و یکفی فی المعلومیة الاسم و الکنیة المختصة بها أو الإشارة فی شعر أو فی نثر سجع علی الأظهر و لما کان التحریم مخالفاً للأصل لزم الاقتصار علی المؤمنة فلا بأس بباقی الفرق من المسلمین و الکفار من أهل الذمة و غیرهم المعتصمین و غیرهم و دعوی قبحه بالذات فیعم جمیع الآثار ممنوعة و إن کان الأحوط التجنب لما فیه من منافیات المروءة و إغراء الفسقة و إدخال الفضیحة فی بعض الأحوال و لزوم الاقتصار علی المبالغة و لزم الاقتصار علی الأنثی دون الخنثی

ص: 74

و الرجل بل و الأولاد المرد و إن کان التشبیه بهم ینافی المروءة و یبعد عن الله و یلهی عن الطاعات سیما لو جاء معه تعشق و تشوق حقیقی و ربما دخل فی الفحش و السوء الذی لا یرضی الله بالجهر به و أما التشبیه بالمبهم و یسمی الیوم غزلًا فلا بأس به سواء وقع علی مذکر أو مؤنث و أن کان التعمق به مکروهاً بل ربما ینافی المروءة لأهل الصلاح و العفة و ما لم یتعمق به فلا بأس به بل هو فی الشعر من الکمالات و الآداب و المراد بالسببیة التعریض بحب المشبب به و عشقه و أنه أهل للعشق و الحب سواء جاء معه ذکر الصفات المهیجة للعشق الباعثة علیه أم لا و لو تجوز ذکر الصفات عن بیان العشق و الحب جاز إلا أن یشتمل علی فحش أو هتک حرمة کما یقع فی شعر العرب کثیراً و لو تشبب فالأظهر عدم لزوم محوه و کتابته حرام کإنشائه و أما إنشاده فلا حرمة فیه إلا إذا نواه لمن تشبب فیها أو استلزم فضیحة للمشبب فیها أو فحشاً و لو تشبب بامرأة بذکر أخلاقها الجمیلة و سجایاها و جعل علیه المحبة و الشوق ذلک احتمل الجواز کاحتمال جوازه بالمعلنات بالفجور و ذوات الأعلام.

السابع و الستون: یحرم التکسب (بالتطفیف)

و هو کبیرة: (ویل للمطففین) و هو تنقیص الکیل و الوزن فی باب المعاوضة أو تنقیص کل مقدر مع جهل القابض بنقصانه نقصاناً یخل فی باب المعاوضة هذا کله إذا أعطی أما لو أخذ و رضی فلا بأس و خیار یثبت للمدفوع إلیه و هو خیار تبعیض الصفقة.

الثامن و الستون: یحرم التکسب بالجنایة و السرقة فیما لا یجوز ذلک ثمناً و مثمناً

فإن جعل المخان فیه و المسروق أحد رکنی المعاوضة بطلت المقاصة و کان حراماً مع قصد المنقل و الانتقال و التصرف و لو تجرد العقد عن ذلک لم یحرم مجرد اللفظ لأنه لیس بتصرف و یضمن السارق السرقة ضماناً لا رجوع فیه بعد التأدیة و قبلها بالمثل إن کانت فی المثلیات و القیمة إن کانت فی القیمیات قیمة یوم التلف علی الأقوی و ضماناً یرجع فیه لو وصلت إلیه من الغیر بوجه لا اقدام فیه علی الضمان کهبة و نحوها أو بوجه مضمونه علیه بنفسها دون ما یبقیها کعاریة مضمونة أو بیع أو شراء مع جهله بکونها مال الغیر فإنه یرجع فی الأول بجمیع ما غرم من مثل العین و قیمتها أو غیرها

ص: 75

و فی الثانی بما عدا مثل العین و قیمتها دون نفس قیمة العین و مثلها فلا یرجع بهما و فی الثالث مع جهل الدافع أیضاً بالثمن المدفوع لو دفعه إلیه أو بما زاد علی الثمن مما غرمه من قیمة العین و غیرها سواء حصل له نفع فی مقابله أم لا أمّا ما لم یرجع فیه فلإقدامه علی الضمان فلا یکون مغروراً من جهة فتبقی الأصول سلیمة عن المعارض و القول بأن الأقدام علی ضمان المبیع بالثمن فی صحیح البیع اقدام علی ضمان مطلق القیمة فلا یرجع بالزائد و ان النفع المستوفی مال محترم وصل إلیه فیضمن عوضه ضعیف لا یعارض المحکمة المنجبرة بفتوی الأصحاب و بعض الأخیار و أما ما یرجع فیه فلأنه مغرور فلا اعتداء علیه و المغرور یرجع إلی من غره و من اعتدی علیکم فاعتدوا علیه و لو اخذ علیه الضمان من دون رجوع علی تقدیر ظهور المالک قوی عدم الرجوع لعدم الغرور هذا کله مع الجهل أمّا مع العلم فلا رجوع له بغیر ما دفع إلیه من العوض لاستقرار الضمان علیه و لیس بمغرور من قبله و من جاء الضرر إلا من قبیله و المباشر أقوی من السبب و للإجماع بقسمیه و أما دفعه من العوض فلا رجوع مع تلفه علی الأظهر الأقوی فی ثمن أو مثمن فی بیع أو إجارة أو غیرهما علی الأظهر للإجماع المنقول فی ثمن مبیع المغصوب قیل و المحصل و المنقول منه فی الغصب و الفضول مبنی علی المثال و لتسلیطه علی إتلاف حاله و لهتک حرمته و أما مع بقائه فإن فی غصب أو فضولی فقد قیل بعدم الرجوع فیه غره المالک أم لا للإجماع المنقول فیهما من جماعة فیقتص فیما خالف الأصل علیهما و یؤید الإجماع المنقول فیهما فتوی المشهور نقلًا و تحصیلًا و الاعتبار بموافقة اللطف من سد باب الفساد علی العباد و عدم التجری علی أموال الناس و قیل بتسریة الحکم إلی غیرهما لأنه کالهبة لدفعه بلا عوض و کالتبرع بالعمل الذی لا یستحق صاحبه عوضاً و لأنه کالمال المعرض عنه یملکه قابضه لخروجه عن ملک الأول بالاعراض و دخوله فی ملک الثانی لحیازته و قبضه و هو ضعیف لمنع کونه بمنزلة الهبة بعد بذله بالعوض الصوری من ظهور المجانیة و منع لزوم الهبة من غیر الرحم و المعوضة حقیقة و منع حصول الأعراض من الدافع بعد أن کان الدفع علی جهة المعاوضة الصوریة و منع اللزوم فی المال المعوض عنه و علی تقدیر عدم الرجوع فلا

ص: 76

یخلو المقام من وجوه أحدها الخروج من ملک الدافع و الدخول فی ملک المدفوع الهی فیکون حلالًا علیه و حراماً علی الدافع. ثانیها البقاء علی صلة الدافع و لا سلطان له علیه و لکنه حلال علی المدفوع إلیه و إن فعل حراماً بأخذه ابتداء و لکن المالک الأصلی أحلَّ له. و ثالثها حرام علی المدفوع إلیه لا یترتب علیه ضمان و حرام علی الدافع المطالب به. و رابعها الخروج عن ملک الأول و عدم الدخول فی ملک الثانی فیکون کمال حجیة الشرع عن مالکه فیرجع أمره إلی الحاکم و یکون بمنزلة المباحات و الأقوی الرجوع إلی القواعد المحکمة شرعاً و عقلًا من تسلیط الناس علی أموالهم و أصالة بقاء المالک لمالکه و أصالة عدم النقل و الانتقال و تبعیة العقود للمقصود و التجارة عن تراضٍ فیحکم ببقاء الملک و حرم التصرف من المدفوع إلیه بل و ضمانه له مع المطالبة به قبل تلفه و یجب التخلیة بینه و بین مالکه و إن لم یجب رده کرد المغصوب الذی یؤخذ بأشق الأحوال و قد یحمل منقول الإجماع علی عدم جواز المطالبة برده و أخذ مال عوضه مع بقائه و عدم الوصول إلیه لمکان الحیلولة و قد روی عن الصادق (علیه السلام) فی الرجل توجد عنده سرقة أنه غارم ما لم یأت علی بائعها شهود و أفتی بمضمونها فی النهایة و المراد أنه لو ادّعی المالک سرقتها و ادعی الآخر شراءها منه أو عدم الضمان فلا رجوع من المالک إذا أتی بشهود علی شرائها من غیره أو أتی بشهود علی شرائها من غیره فإنه لا یغرم غرامة مستقرة للمالک فیما لم یقدم علی ضمانه لضعف المباشر بعد أن أتی بالشهود علی شرائها من غیره و کل منهما ظاهر و من غصب مالًا فاشتری فی الذمة فدفع المغصوب عوضاً عما فی ذمته صح بیعه و بقی مشغول الذمة و مطلوباً بالمغصوب إلا إذا أجاز المالک دفعه و لو نوی المشتری فی شرائه أن یدفع المغصوب عوض الثمن الکلی فی ذمته ابتداء فالأقوی الصحة و الأحوط البطلان.

التاسع و الستون: لا یجب التکسب بکتابة القرآن و کتب الحدیث و الفقه

و المقدمات المتوقف علیها علم الفقه و کتب العقائد و الرد علی أهل الباطل مع وجوبها لو آلت إلی الاضمحلال و الزوال و العیاذ بالله تعالی لوجوبها کفایة حینئذٍ فلا یجوز أخذ الأجرة علیها و احتمال أن وجوبها مشروط بالعوض ساقط لا نرتضیه نعم لو

ص: 77

کانت الکفایة حاصلة بالموجود الآن کما هو کذلک کانت مندوبة و یصح التکسب بها بل هی من أعظم القربات لجبار السماوات و مع الاضطرار إلیها و احتیاج الشریعة لنسخها فلا یبعد وجوب بذلها للقادر علی ذلک من مداد و قلم و قرطاس لأن ذلک فی معنی الجهاد الواجب و لا یجوز التکسب بتصحیحها لو توقفت الأحکام الشرعیة و المعارف علیه و لم یکن فی الموجود الکفایة و لا توقف الآن من (منن الرحمن). و مثل ذلک تصحیح الکتاب المجید إذا خیف علیه من التحریف و النقص و مع عدم ذلک فلا یجب. نعم یندب عیناً لکل ناظر لموافقة التعظیم و الاحترام.

السبعون: یحرم نقل ما دخل فی رسم المصحف

للأخبار المتکثرة المعتبرة فی ذاتها و المعتبرة بموافقة الکتاب مما جاء فی حرمته و تعظیمه و بفتوی الأصحاب و عدم نقل المخالف و الإسناد إلی الصحابة فی نهایة الأحکام ففی الخبر أن المصاحف لن تشتری فإذا اشتریت فقل إنما اشتری منک الورق و ما فیه من الأدم و حلیة ما فیه من عمل یدک بکذا و کذا و فی آخر لا تشتری کتاب الله و اشترِ الجلد و الورق و الدفتین و فی ثالث لا تبع الکتاب و لا تشتره وَ بِع الورق و الأدیم و الحدید و فی رابع لا تبیعوا المصاحف أن بیعها حرام و اشترِ منه الدفتین و الحدید و الغلاف و إیاک أن تشتری الورق و فیه القرآن مکتوب فیکون علیک حراماً و علی من باعه حرام إلی غیر ذلک و ظاهر تعلق المنع بنفس الکتابة جوهریة کانت أو عرضیة کلمات أو حروف أو شدّات أو مدّات مجتمعات أو متفرقات مستقلات أو منضمات إلی جلد أو ورق أو غیرهما و یلحق به لفظ الجلالة منفرداً أو منضماً إلی الأسماء العلمیة نعم یخرج منه ما دخل فی غیره من الکتب بحیث یصدق علیه و علی غیره کتاب آخر کلفظ المغنی مع احتمال أنه لو بیعت کتابة المغنی لتبعضت الصفقة و کذا کتب التفسیر لو بیعت کتابتها لمکان التبعیض فیها أقوی و لو بیع الجلد و الورق و غیرهما مع الکتابة تبعضت الصفقة و لا یتفاوت فی حرمة نقل الرسم و الکتابة بین البیع و غیره من الصلح و شبهه المعاوضات حتی لو أخذ شرطاً لفسد و أفسد و أما النواقل المجانیة کالهبة و النذر و الإعراض و القبض فالأصل یقضی بجوازها فدخول الکتابة فی ملک المشتری بعد أن ملکها کاتبها بالکتابة و نحوها أما تبعاً تصدیاً

ص: 78

غیر مصرح احتراما أو حکماً شرعیاً أو بالإعراض من البائع و القبض من المشتری أو هبة ضمنیة و قد یقال أن التحریم المتعلق ببیع القرآن أو کتابته منفردة أو منضمة إلی غیرها أو منضماً غیرها إلیها صوری و المراد به التجنب عن جعل المعوض ذلک لفظیاً احتراماً للفظ القرآن و کتابة الله و کتابته و إن کان المقصود أصالة بیع الکتابة و الرسم فیراد بما عداه من الألفاظ دخول الرسم فیه و القرینة من المتعاقدین ظاهرة و لا یجب فی المبیع ذکر أسمه بعد أن عرفت أرادته و قصد فی لفظ آخر أو ألفاظ أخر ضمناً و هذا نوع من الاستعمال لیس من الحقیقة و لا من المجاز و علی الحرمة فالبیع فاسد لتعلق النهی بنفس المعاملة بل لا یبعد فساد البیع مطلقاً و لو اشتمل المبیع علی الکتابة و غیرها و لا تبعض الصفقة لقول الصادق (علیه السلام): (إیاک إیاک أن تشتری الورق و فیه القرآن فیکون حراماً علیک و علی من باعه) و حکم جمع بکراهة بیع الرسم دون الحرمة مستنداً للسیرة القاطعة و لإطلاق الأدلة و عموماتها و لاطلاق المنع من بیعه علی الکافر المؤذن بجواز بیعه علی المسلم مطلقاً و لقول الإمام (علیه السلام): (إن اشتری أحب إلی من بیعه) و لو کان محرماً المبیع لما حل الشراء و ظاهر أحب الجواز و السؤال فی الروایة عن المصاحف دون استفصال و فی آخر عن شراء المصاحف فأجاب بذلک و یؤیده أن العقود تتبع القصود فلو حرم بیع الرسم حرم بیع غیره إذ المقصود هو و الباقی آلة أو ظرف له تابع و أنه لو لم یدخل فی البیع أصالة و صریحاً لما ثبت الخیار مع ظهور عیب فی الرسم أو غبن أو خلاف رؤیة أو وصف أو تدلیس و لما استحق الأرش المشتری و لما رجع للبائع عند إقالة البیع أو الفسخ لعدم دخوله فی ملکه بذلک العقد و لکان أمانة فی ید المشتری و مع عدم الإعراض و لما صح بیع الحدیث و التفسیر و النحو المشتملة علی الآیات و دعوی أن دخولها فی الاسم الآخر أخرجها عن الحکم بقیده إلا أن الأول أقوی لقوة دلیله و علیه فالمشترک یدور مدار القصد و لو وقع من غیر قصد فإن کان من المختص بالقرآن لحقه حکمه و ألا فیلحق بغیره و علی کل حال فالرسم بنفسه إذا کان معمولًا من الأجسام فیصح بیعه منفرداً أو منضماً و یقدر علی تسلیمه بتسلیم الورق و کذا العکس فیبقی الورق علی ملک مالکه و الکتابة لمشتریها و یکون حکمه کحکم

ص: 79

الشرکاء فی المهاباة و فی قسمته عند بیع الجمیع بالنسبة فیقوم حینئذٍ الرسم مکتوباً بورق فیه ملک للغیر لا تجوز إزالته و ورق مکتوب فیه رسم للغیر لا تجوز إزالته و کذا یقسم مقابل الهیأة الاجتماعیة علی النسبة و لو کان الرسم عرضاً فی القرطاس کما إذا کان النقش منه لم یصح بیعه و لا یبعد أنه یندب التجنب عن اسم الرسم و اسم ما اشتمل علیه الرسم فی کتب الأدعیة و الأحادیث و نهج البلاغة بل و کتب الفقهاء المعتبرة فیعبر عنه بالجلد و الورق و الحدید و ما عملته الید مریداً غیر نفس النقوش من الزوائد و الأعمال کما هو المراد بالروایة المتقدمة علی الظاهر هذا کله فی البیع علی المسلم و أما بیع المصحف علی الکافر فغیر جائز و هو باطل سواء کان المبیع نفس الرسم أو المجموع أو الجلد و الورق منفردات لعدم القدرة علی التسلیم أو منضمات للزوم الإهانة و منافاة الحرمة من غیر فرق بین أقسام الکفار و لو کانوا معتقدین صحة نزوله و ثبوت نبوة النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و لو کفر المسلم زال حکم الملک عنه علی الأظهر و لا یجری علیه حکم العبد المسلم فی قهر الکافر علی بیعه لثبوت ملکه و لا یبعد الحاق کتب الأدعیة و الأحادیث بل و الفقه فی عدم جواز بیع ما یستهان به عند غیرنا من الفرق کبیع التربة الحسینیة و السبحة و عاشور و أمثالها و لا فرق بین البیع و جمیع النواقل معارضة أو مجانیة و لو باع علی الکافر کتاباً و فیه آیات من القرآن بطل البیع أو تبعضت الصفقة و یلحق بالقرآن أسماء الله الخاصة به لأن تسلیط الکافر علی مسماها و سلطانه علیها و هو رجس نجس إهانة و هل یجوز استئجار المسلم علی کتابة القرآن الأقرب العدم إن کان له لا لمسلم آخر و أما العکس فجائز إن لم یستلزم الإهانة.

الحادی و السبعون: یحرم التکسب عیناً و منفعة فیما لا یدخل فی رفع الید من جهة الاختصاص بغیر الکلاب الأربعة الآتیة إن شاء الله تعالی

للإجماع منقولًا بل و محصلًا علی الظاهر و للأخبار الدالة علی تحریمها خصوصاً و علی تحریم بیع ما لا نفع فیه و علی بیع النجس و علی بیع السباع و لأن مقابلته بالعوض سفه عرفاً نعم یجوز اقتناؤها بل و یجوز المعاوضة علی رفع الید عنها و أما الأربعة فأحدها کلب الصید المعلم القابل له و بالفعل فإنه لا کلام فی جواز المعاوضة علیه و إجارته لشمول أدلة

ص: 80

العقود له من غیر معارض من جهة عدم الانتفاع به انتفاعا یعتد به ضرورة تحقق النفع التام فیه عادة و لا مانع من جهة کونه نجساً عیناً إذ النجاسة مع حصول الانتفاع الشرعی أو العادی فیه غیر مانعة فی النقل و الانتقال لعدم منافاة النجاسة للمنفعة المعد لها من الصید و إنما ینافیها فیما إذا اتخذ للأکل و الشرب أو الاستعمال المؤدی إلی الاستقذار و التنجیس و لخصوص الروایات الدالة علی أنَّ ثمن الکلب سحت إلا کلب الصید و إن ثمن کلب الصید لا بأس به، و الإجماعات المنقولة الدالة علی جواز بیعه و الشهرة المحصلة بل ربما یدعی الإجماع المحصل علی ذلک وصفه الصید به لا یشترط فیها النیة فلو غفل عن القصد أو قصد عدمها جاز بیعه و هل یلحق بالصائد فعلًا القابل له وجه و الأوجه خلافه بناء علی أن مبدأ لاشتقاق الفعل و القابلیة بالفعل لا أنه یکون أو قابلًا لأن یکون فلا یجری الحکم علی الصغیر و لو علم أنه لا یکون لحقه حکم کلب الهراش من جواز اقتنائه أو التغییر حتی أمه و عدمهما و الاختصاص به و عدمه و کذا لو زال قابلیة الصید عنه لکبر أو مرض لا یرجی عوده أو تغییر طبیعته فیه نعم یجوز اقتناء المأمول للصید و لصاحبه الاختصاص به زیادة علی کلب الهراش و لو انتفی الصید لعدم الحیوان الذی یصان فالظاهر بقاء حکم الصید له و لا فرق فی کلب الصید بین السلوقی و غیره و بین البهیم الأسود و السلوقی منسوب إلی قریة سلوق فی الیمن لعموم الأدلة و فتاوی الأصحاب فالقول بالاختصاص بالسلوقی کالقول بالمنع فی البهیم الأسود ضعیف و حینئذٍ فلا یتفاوت بین کلب الصید السلوقی و البوجی و غیرهما بعد أن یکون معلماً أو فی أثناء التعلیم بل لا یبعد أنه لو کان من صنف معروف بقابلیة الصید و قوته قریبة من الفعل کبعض الأصناف المعروفة عند أهلها لحقه حکم کلب الصید المعلم ثانیها (کلب الماشیة) غنماً أو غیرها، ثالثها (کلب الزرع) فی حائط أو لا، رابعها (کلب الحائط الدائر علی زرع) أو لا و یلحق به کلب الدار و البیوت کبیوت العرب و کلب الخان و السوق و قد یجعل المدار فی الکل واحداً و هو الحارس لما أعد له من دار أو بستان أو زرع أو ماشیة أو خان أو نفس محترمة کنفس صاحبه أو عرضه أو ماله سواء حرس من حیوان أو إنسان أو کلب أخر سواء حرس بصوته أو نهشه أو

ص: 81

نبحه و قد یجعل المدار علی الکلب المنتفع به یعتد به نفعاً فیشمل کلب الصید و لکن لما کان کلب الصید لا کلام فی جواز وقع البحث فی الباقی و لذا عبر بعضهم بکلب الماشیة و بعضهم بکلب الزرع و بعضهم أزاد و بعضهم نقص و حینئذٍ فخرج عن محل البحث الکلاب السائبة التی لا نفع فیها بل لا یحصل منها سوی الضرر و لا یترتب علی اقتنائها نفع یعتد به و لو لبطلان منفعتها لعارض من العوارض سوی أن الماشیة لو هلکت و الزرع لو تلف لم یتغیر الحکم استصحاباً للحکم و الاسم و الفرق بین زوال الأثر و عدم وجود ما یؤثر فیه ظاهر و علی کل حال فهذه الکلاب الثلاثة و ما یتبعها فی الاسم أو الحکم و لو بتنقیح المناط التی وقع البحث فی جواز بیعها و عدمه بعد الاتفاق علی جواز اقتنائها و جواز المعاوضة علی رفع ید المختص بها عنها بل و یظهر من العلامة قدّس سِرُّه و جماعة أنه لا کلام فی جواز إجارتها بل و یظهر من بعض آخر أنه لا کلام فی ملکها و احترامها لثبوت الدیة علی متلفها و جواز نقلها مجاناً بهبة و نحوها و لا کلام فی المعاوضة علیها لغیر البیع و الصلح کجعلها مهراً فی النکاح بقسمیه أو ثمن خلع أو عوض منفعة أو أنه یجوز دفعها و الوصیة بها بل و یجوز جعلها ثمن مبیع قد یسلط البیع علی غیرها لأن الممنوع أن تکون مبیعاً لا أن تکون ثمناً له و کأن هذا القائل غفل عن قاعدة مساواة الثمن للمثمن فی الأحکام و غفل عن نواقل العین متساویة فی المنع فی هذه المقامات المعللة بالنجاسة و الخبث و غفل عن أن الإجارة لا تستلزم جواز نقل العین کأم الولد و الحر و غفل عن أن الملک لا یستلزم جواز التملک کالوقف الخاص و ما لا یتمول و علی کل حال فقیل بالمنع عن بیع هذه الکلاب بل نقلها مطلقاً استناد إلی عموم ما جاء أن ثمن الکلب سحت عدا ما استثنی و إلی عموم ما دل علی منع بیع النجاسات و خصوص السباع خرج الکلب الصیود و بقی الباقی و رداً علی القول بالجواز بأن روایة الجواز مردودة بالارسال واصلهم مقطوع و عموماتهم مختصة بما مر من الاستدلال و تضعف الشهرة بوقوع الاختلاف فی عباراتهم بین جامع للثلاثة و بین مقتصر علی الحائط و الماشیة و بین مقتصر علیها مع الزرع و الاحتجاج بثبوت الدیة لها مردود بأنه غیر ظاهر فی الملک أن لم یکن ظاهراً فی عدمه و ثبوت الغرامة أعم من الدیة

ص: 82

فلعلها عقوبة و جواز الإجارة محل بحث و جوازها لا یدل علی ملک العین فضلًا عن جواز بیعه و تملیکه و ملک المنفعة لا یلزم منه جواز تملیکها فضلًا عن ملک العین و جواز تملیکه و قیل بجواز بیعها استناداً إلی الشهرة المنقولة و المحصلة و إلی ظاهر بعض ما یؤذن بالإجماع نقلًا و إلی جواز إجارتها کما هو ظاهر الأصحاب و إذا جازت جاز بیعها کما هو ظاهر الأصحاب من الملازمة بینهما و إلی الروایة الدالة علی جواز بیع کلب الماشیة و الحائط و الفرق بینه و بین کلب الزرع منفی بظواهر الأدلة العامة الدالة علی التسویة و فتوی المشهور و إلی أن الله إذا حرم شیئاً حرم ثمنه بان مفهومه إن لم یحرم لم یحرم و الانتفاع بهذه الکلاب فی هذه الجهة المعدة لها و اقتناؤها حلال فثمنها من تلک الجهة حلال و إلی العمومات الدالة علی صحة التکسب بما فیه نفع للعباد و النهی عن التکسب بنجس العین خاص بغیرها لاشتمالها علی نفع یعتد به عادة و لا ینافیه نجاسة عینها و لو نافی ذلک لنافی إجارتها وهبتها و إعارتها و دیتها و احترامها و نقلها بعوض خلع أو مهر و أما عموم ما دل علی أن ثمن الکلب سحت فمنه ضعیف لا یستند إلیه و منه مخصوص بما ذکرناه من الأدلة و منه ما یراد به الکراهة کما عبر بذلک فی باب (مکروهات الصنائع) و قد یستند أیضاً إلی ظواهر بعض کلمات أصحابنا الدالة علی التسویة بین کلب الصید و غیره و أن من أجاز بیع ذلک أجاز بیع هذه و إلی ظواهر بعض اجماعات منقولة علی أن کل ما فیه نفع یعتد به محلل یصح التکسب به و إلی ظاهر خبر (تحف العقول) أن ما فیه مصلحة من مصالح العباد یجوز التکسب به و بعض القائلین بالجواز من المتأخرین قد أفرط بالتشنیع علی القائلین بالمنع و ذکر جملة من عبائر الفقهاء المجوزین و جملة مما ذکر من الأدلة الدالة علی الجواز إذ هو معذور حیث غلبت علیه عبارات الفقهاء و عمومات أدلة الجواز فحسب أنهم لم یطلعوا علیها و کیف لم یطلعوا و هی بمرأی منهم و مسمع و بیانها إلیهم (کناقل التمر إلی هجر) و لکنهم غلبت علیهم متانة الفقاهة المأخوذة من قواعد المنع و عموماته و خصوصیاته المخصصة لأدلة الجواز و القادحة فی ظواهر بعض الإجماعات و ظاهر الشهرة و یکفی فی دلیل المنع جریان سیرة المسلمین علی عدم بیعها کما لا یبیعون السنور و نحوه و لو

ص: 83

کان لبان و لتداولوه لعظم نفعه و کثرة تداوله و زیادة محصوله فلا شک أن دلیل المنع أقوی و أحوط و هو شاهد أقوی للمتأمل الذکی و إن کان القول بالجواز قویاً أیضاً و ذکر الفقهاء أن لکلب الصید دیة عند قتله أربعون درهماً و للثلاثة الباقیة عشرون و تخیل بعضهم أنها قیم لها و لو جنی علیها جان أحتمل الرجوع لتقسیط الدیة و احتمل الرجوع لتفاوت القیمة مطلقاً و إن لم تزد علی الدیة و سیجی ء الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

الثانی و السبعون: یحرم التکسب بطریق الرشوة فی حکم قضائی او إفتائی من المتخاصمین

او من غیرهما علی أن یقضی لأحدهما علی کل تقدیر باطلًا او حقاً و یفتی لأحدهما کذلک و یقضی لأحدهما بالباطل او یفتی کذلک و لا یتفاوت بین أن یکون المدفوع مالًا او عملًا له قیمة و القول و التبسم و الملاطفة و تقبیل الید و التواضع و المواعید الحسنة لا تدخل فی اسمها و إن شارکتها کثیراً فی حکمها و المراعاة فی القرض و بیع المحاباة و نحوها منهما و الفرق بینها و بین الأجرة أن الأجرة ما تدفع للحکم بالحق بعد معرفة الحق سواء دفعها المحکوم له او المحکوم علیه او هما معاً او أجنبی او من بیت المال و فرق آخر أن الرشوة لا تدفع بنیة المعاوضة بل بنیة استجلاب الحکم من الحاکم و بعثه علیه فهی کالداعی المحرک لا کالعوض الملزم و فرق آخر أنها لا تنافی الأجرة بعد استجلاب القاضی فتدفع للقاضی بأن یحکم بالأجرة أو مجاناً و قد تجتمع معها فتکون رشوة بالأجرة و أجرة بالرشوة و فرق آخران الأجرة مقاطعة بقدر معلوم ملزم من الطرفین بخلاف الرشوة و فرق آخر و هو أن الأجرة یستدعیها الحاکم غالباً و الرشوة یبذلها الخصم و فرق آخر هو أن الاجرة یحکم لها بها و الرشوة یحکم الحاکم لأجلها و هی محرمة علی الدافع بتلک النیة سواء أثر ما نواه فتابعه الحاکم علی مقتضی نیته أم لم یؤثر کما إذا لم یحکم له أو حکم بالحق علی خلاف غرضه و کذا علی المدفوع له لو علم نیة الدافع و إن کان عزمه لا یحکم إلا بالحق و لو لم یعلم المدفوع له فأخذها بعنوان الهدیة فلا ضمان علیه و لا إثم و لو أخذها بنیة الرشوة حرمت علیه و ضمن و إن کان نیة الدافع أنها هدیة و احتمال عدم الضمان هنا قوی بل احتمال عدم

ص: 84

الضمان مطلقاً لتسلیط الدافع المدفوع له علی ماله مجاناً و لأنها شبه المعاوضة و ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده غیر بعید نعم قد یقال أن ظاهر دفع المال من المتخاصمین عند الخصومة هو الرشوة لا الهدیة سیما ممن لیست عادته الهدیة و الأحوط تجنب الهدیة أَیضا فی مقام الخصومة لقوله (علیه السلام) (هدایا العمال) و فی أخری (سحت) و هذا أسوأ حالًا من العمال أما ما یدفع بنیة الرشوة لدعوی مستقبله فهو کما یدفع للحالة و أما ما یدفع مصانعة بتلک النیة لاحتمال وقوعه فی دعوی رجوعه إلی ذلک فیستجلبه من الآن فالأقوی الحاقه بالرشوة إن لم یکن اسماً فحکماً و أما الهدایا لحکام الشرع لأجل المثوبة أو لاستجلاب دعائهم أو لتحصیل الرئاسة و الوجاهة بالقرب إلیهم أو لدفع المظالم من الظلمة بالدنو إلیهم و للسعی فی حوائجهم و إنقاذ مطالبهم فلا بأس به و الأول من أعظم القربات و أفضل الطاعات حتی لو کان بنیة الرشوة لا بنیة الهدیة و أما الرشوة لقضاة الجور فهی من الحرام المتضاعف مرتین إلا إذا کانت بحق و توقف علیها استخلاص الحق فتدفع بنیة الاستخلاص لا بنیة أنها مصانعة علی الحکم کما یدفع للعشار و قاطعی الطریق و من لهم قوانین علی المترددین ظلماً و عدوانا و لا شک أن الفرار من دفع المضار بالحلال مهما أمکن یلزم تقدیمه علی الحرام و تحریم الرشوة علیه الإجماع و الأخبار و قد لعن الراشی و المرتشی و أنها سحت و کفر و کلام أهل اللغة فیها مضطرب و لیس لها حقیقة شرعیة فلا بد فیها من الرجوع إلی العرف و أهل الشرع أعرف به و ظنی أنها تکون محرمة و محللة و تکون للحکم و القضاء و تکون للإفتاء و تکون لجلب نصرة الظالم علی المظلوم و بالعکس و تکون للحکم بالحق و تکون للحکم بالباطل و تکون لما هو أعم و تکون لجلب التزویج و تکون لجلب الأموال و تکون لجلب العز و الوقار و تکون لدفع المضار کرشوة الوزراء و الأمراء و تکون بین الزوجین و تکون بین الآخرین و تکون لجلب الحرام کاللواط و الزنا و تکون للاستعانة بالأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و تکون بعکس ذلک و بالجملة فهی المصانعة بمال و نحوه لاستجلاب ما یریده من غیره و لکن المتداول من معناها فی لسان الشارع و المتشرعة بل و أهل العرف أنه ما یعطی للحکم باطلًا أو حقاً فقط فی مقام

ص: 85

تحکیم المدفوع إلیه بالحق و لکن لا یبدیه إلا برشوة و هذه الثلاثة محرمة أما الأولان فظاهراً و أما الثالث فلأنه واجب کفائی لا یؤخذ علیه عوض و لا یفعل لأجل العوض و لا یجوز أن یدفع له عوض أو شبه العوض بحیث یکون هذا الداعی لفعله کما تقدم و قد أخرج الثالث عن معناها بعض الأساطین و یدل علی ما حررنا أن بعض أهل اللغة قال هی الوصلة إلی الحاجة بالمصانعة و الراشی من یعطی الذی یعینه علی الباطل و الرائش الآخذ الذی یسعی بینهما یزید لهذا و ینقص لهذا و عن بعض أهل اللغة أنها أقل ما تستعمل فیما لا یتوصل به إلی إبطال حق أو تمشیة باطل و عن بعض آخر أنها ما یعطیه الشخص للحاکم و غیره لیحکم أو لیحمله علی ما یرید و عن آخر أنها الجعل و عن بعض الفقهاء أما یعطی للحکم حقاً أو باطلًا و من الأساطین من قال إنها ما تدفع للحکم الباطل أو الحکم من حیث هو صدر حقاً أو باطلًا و یظهر من مجموع ما ذکر هو ما ذکرناه من معناها نعم أن یتوصل بها إلی محرم کالرشوة علیه أو کانت هی محرمة کالرشوة علی الواجب عینیاً أو کفائیاً حرمت و إن توصل بها إلی محلل حلت و یبقی شک فی بعض أفرادها کهدایا القضاة ممن لیست عادته الهدیة و کانت العلة هی مظنة الرجوع إلیه فی القضاء و الفتوی فهل هی حلال للأصل و لعموم دلیل الهدیة أو حرام لما دل علی أن هدایا العمّال سحت و الباعث للمهدی هو عمل القاضی و هو من العمال و اعترف منهم و ما یبذل لمن یسعی بالصلح بین المتخاصمین لیجبر واحداً و یکسر آخر أو ما یبذل لتأکید الحکم و انفاذه بعد صدوره و ما یبذل لتعجیله و الاهتمام به و غیر ذلک من أصالة الجواز و من عموم النهی عن الرشوة إلا ما خرج بالدلیل إن لم نقل إن العموم معروف للقضاة أو للقضاة و الولاة الذین یتوصل بهم الراشی إلی ما لا یرضی جبار السماوات و لو کانت الرشوة عقداً کبیع أو تزویج أو إِجارة ففی فسادها وجهان لمکان النهی و أنه لأمر خارج.

الثالث و السبعون: مما یحرم التکسب به المال المدفوع عن موص أو موکل أو ولی أمر أو ملتمس لآخر علی أن یدفعه لواحد غیر معین

و لکنه موصوف بوصف یشارکه المدفوع إلیه کما یقول ادفع هذا لعالم أو صالح أو لآحاد غیر معنیین محصورین

ص: 86

یشارکهم المدفوع إلیه کما دفع هذا لمن فی الدار غیر محصورین کما دفع هذا للعلماء معروفاً أو منکراً کادفع لعلماء و کان المدفوع إلیه منهم أو لطائفة کادفع هذا لبنی هاشم فکان المدفوع منهم غیر محصورین أو محصورین کادفع هذا لأولاد فلان و کان المدفوع إلیه منهم و مثل الأمر بأن بالدفع یفرقه أو یضعه أو یقسمه أو یصله أو یعطیه أو یوقفه أو یتصدق به أو یزوجها أو یعطیه عبادات من زیارات و صیام و صلاة ففی جمیع ذلک لا یجوز أن یأخذ لنفسه و یملکه و یکتسب به ما لم یکن الخطاب عاماً صریحاً بحیث یشمله أو تقوم قرینة حالیة أو مقالیة علی إرادة دخوله و لو لظهور إرادة صرفه لمستحقه علی أی طریق من غیر ملاحظة الخصوصیة کل ذلک للأصل و حرمة التصرف بمال الغیر من دون إذنه و دخول المدفوع إلیه فی صنف المأمور به لغة لا یجدی بعد حکم العرف بخروج عما أمر المأمور به کما أقر به لظهور الخطاب بالمغایرة و إنما الموجب غیر القابل لأن الظاهر الوکیل بمنزلة الموکل فلا یدفع إلیه شیئاً مما دفعه إلی وکیله و إن کان منصفاً ذلک الموکل بذلک الوصف و إن کان الأخذ له جائزاً کما إذا کانت زکاة مولی علیه أو من حقوق لا تخص الدافع و لصحیحة عبد الرحمن المستندة فی التحریر المضمرة فی غیره النافیة هبة لمن أعطی ما لا یقسمه فی محاویج أو مساکین و هو محتاج أن یأخذ له شیئاً حتی یأذن له صاحبه و علی ما ذکرنا فلا یجوز أخذ الکل فی مقام الإطلاق و لا أخذ الأکثر لو فرق ذلک بنظره و لا المساوی و لا الأقل و کذا لو عین الدافع له المقدار علی أن الدافع إذا لم یعین المقدار کان له أخذه مثل ما یعطی مشکل لأنه قد یفرق الألف علی مائة عشرة عشرة فیأخذ مثلها و قد یعطی واحداً خمسمائة فیأخذ هو مثله أو بناء علی جواز أخذ الأکثر له أن یفرق عشرة علی تسعة و تسعین و یأخذ الباقی و حینئذٍ فالقول بأنه یأخذ مثلهم أو أزید منهم لا بد أن یحمل علی أنه ینظر إلی المال فیری کیف یقسمه لو کان غیر داخل فیدخل نفسه عوض واحد منهم و طریق تقسیم المال مرجعه إلی فهم العرف المأمور من جهة قدر المال زیادة و نقصاً کما أن التفاضل بحسب الفقر و زیادة العیلولة لا مما یلاحظه الدافع غالباً فیعمل المأمور علی ما یفهمه و إلا فالأصل التسویة کالإقرار و ذهب الأکثر و المشهور نقلًا بل تحصیلًا إلی الجواز

ص: 87

استناداً إلی أن الوکالة مطلقة و الشمول مستفاد من الإطلاق و لا مقید لها و إلی الروایات الصحیحة المشتملة فی بعضها علی الإذن فی الأخذ لمن أعطی الزکاة لیقسمها و فی بعضها الإذن لمن أعطی ما لا یفرقه فیمن جعل له أن یأخذ منه مثل ما یعطی غیره و فی بعضها الإذن لمن أعطی الدار لیقسمها و یضعها موضعها و هو ممن یحل له الصدقة أن یأخذ لنفسه لا یعطی غیره و یمکن أن یجاب عن هذه الروایات بأن الصادر عن الإمام (علیه السلام) إذن منه للسائل فی ذلک لعود الحقوق إلیه من دون ملاحظة المالک و یمکن أن یحمل علی فهم العموم و الدخول فی الزمن السابق من قرائن لفظیة أو حالیة أو من نفس الخطاب یومئذ و یمکن أن یکون حکماً شرعیاً بالنسبة إلی مطلقات هذه الخطابات لا انصرافیاً خطابیاً و النزاع فی الثانی لا فی الأول و یمکن تقییدها بالإذن من المالک صریحاً أو ضمناً کما دلت علیه الصحیحة و یمکن الجمود علی ما فی الأخبار من غیر سریان إلی غیرها فیقتصر فیها علی العموم و دخول المأمور فیه دون المطلق بحیث یأخذه کله و دعوی إلغاء الفارق ممنوعاً و یمکن ظهور الإذن فی هذه الأخبار من الدافع باعتبار کونها زکاة و صدقة و إنه یرید أن یضعها فی مواضعها و نحو ذلک یمکن أن یکون الجواز فیها لبیان قدر المأخوذ و أنه مثل ما یعطی غیره و أما بیان أصل الجواز فقد کان بالإذن من الدافع صریحاً أو فحوی کما یجاب عن الاطلاق بأنه مفید بحسب الترکیب الخطابی بل و بخروج المأمور عن مقتضی الأمر لخروج الأمر و إن دخل فی الصنف أو الوصف أو القبیلة فلا یدخل فی الأمر بالدفع الیهم و لا أقل من أنه لا یدخل و لا یخرج و الأصل المنع و یؤید الخروج أنا لا نفهم من أوامر الله تعالی بدفع المال للفقراء أو التصدق علیهم سوی خروج المأمور و مقتضی الأمر سواء کان الأمر بدفع ماله أو بدفع مال الغیر فالأول کالزکاة و الخمس و الثانی کالصدقة بمجهول المالک و اللقطة نعم فی الأول یتساوی أمر الخالق و المخلوق فلو أمر شخص شخصاً بأن یدفع من ماله لا من مال الآمر لغیره ما لا یدخل المأمور قطعا و قد یقال بالفرق بین قول الآمر أدفع هذا للفقراء أو قسمه أو فرقه و بین أن یقول هذا للفقراء أو مصرفه الفقراء و کما یقول علیّ مرد مظالم کذا و علیّ نذر للفقراء کذا و علی زکاة أو خمس کذا و أرید

ص: 88

ثلث ماله للفقراء علی أن الفقراء مصرف لثلثه أو أرید ثلث مالی فی وجوه الخیر و المبرات أو أریده عبادات و بالجملة ففی جمیع هذا یفهم عدم الخصوصیة و عدم إرادة التقسیم و التفریق فیجوز للوصی أن یکون مصرفاً لجمیعه و لبعضه و علی القول بالجواز فإن قلنا للإذن الشرعی بالأخذ عند عدم نهی المالک فلا بد من الاقتصار علی التسریة لما قدره المالک أو قدره الوکیل بنظره و لا یجوز أخذ الزائد لحرمة التصرف بمال الغیر فی غیر المقطوع به شرعاً و لنقل إجماع المجوزین فی الاقتصار علی ذلک و لظاهر الروایة المتقدمة فالمدفوع إلیه إن کان محصوراً و فهم منه الإفراد اقتضی إعطاء الجمیع و إلا اقتضی الدفع بما یفهم من حال الدافع بحسب قدر المال فالألف الظاهر توزیعها مثلًا علی خمسین و الخمسون توزیعها علی خمسة أو ستة و الزیادة و النقصان الجزئی یکون بنظر الدافع و لا یجوز أن یعطی الجمیع من المال واحد أو اثنین و إن قلنا للإذن المالکیة و الأخبار کاشفة عن العرف فی فهم الخطاب فالظاهر عدم وجوب المساواة إذا تعلقت الوکالة فی تقسیم المصارف کخمس و زکاة لأن الظاهر من غرض الملاک براءة الذمة مما تعلق التکلیف لهم به و إن لم یکن من المصارف کتقسیم الرجل علی أرحامه و أقاربه فالظاهر التسویة و مع عدم الحصر فإن قدر المالک فلا کلام و إلا فالإطلاق یقضی بجواز التفاضل له و لغیره کثیراً أو قلیلًا بل یقضی بجواز أخذ الکل لو قال ضعه أو ادفعه لمستحقیه و لم یقل فرقه و نحوها و إن کان الاحتیاط یقضی بعدمه إلا أن مثل هذا الیوم فی خصوص المدفوع للحاکم إن أمره إلیه لا یقید شیئاً و دعوی أن أخذ الزائد منهی عنه بالروایة ممنوعة لأن قوله (علیه السلام) مثلما ما یعطی أو کما یعطی غیره یحتمل أن یرید به التشبیه فی أصل الأخذ أو یراد به لأن یزید علی الجمیع لا أن لا یزید علی إفراد الاسهام أو یراد بالتشبیه إقامة الدلیل علی جواز الأخذ لدخول الجمیع تحت المطلق فلا دلالة فیها علی منع الزائد و بعض القائلین بالجواز حملوا روایة عبد الرحمن الدالة علی المنع علی الکراهة فی الأخذ و الاحتیاط بعدمه استضعافاً للروایة فلا تصلح للمعارضة لروایة راویها الجواز من روایة أخری و لإضمارها فی غیر التحریر و لقوة روایات الجواز لتعددها و انجبارها بفتوی المشهور أو علی المنع به لظهور المنع من المالک

ص: 89

فی الروایة و یفید ذلک أن الظاهر من تنکیر مساکین إرادة مساکین خاصة و لکن الراوی حسب أن مع ذلک یجوز له الأخذ لأنه بصفتهم فسأل الإمام (علیه السلام) فمنعه أو علی المنع من أخذ الزائد کما تفیده روایات الجواز و نفوا القدح عن روایات الجواز من حیث الضعف بانجبارها بالشهرة و إن محمد بن عیسی و یونس ثقتان معتبران فلا ینافی حدیثهما الصحة و إن قوله فی روایة سعید بن یسار و یقسمها فی أحد أصحابه الظاهرة فی خروج المدفوع إلیه منهم فلا بُدَّ من طرحها یراد به ما یشمله معنی من المحتاجین و إنما هو ممن محل لها کنایة عن ذلک فتعود شاهداً علی الجواز و نحن نقول مع ذلک کله أن ظواهر الخطابات لا تقضی بدخول المأمور فی الأمر کالنبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) المأمور بتبلیغ الأحکام للناس الّا بالإجماع و عموم ما دل علی التسویة من حلال محمد (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و حرامه و لا تقضی بدخول الوکیل أو الولی أو الوصی فیما أمروا به لصنف أو وصف یشملهم إلا بقرائن قطعیة أو بدلالة لفظ و لو ظنیة أو بشاهد الحال من الأفعال و الأحوال المقیدة للظن التی جرت السیرة علی جواز العمل بها فی ملک أو تملیک أو نقل أو انتقال و لا یشترط فی صحة النقل و الانتقال فی مال الغیر بعد القطع برضاه بنقله له أو للناقل توکیله فی ذلک بل القطع بالرضا أقوی منه و لا یتفاوت بین کون الرضا تحقیقاً أو تقدیراً مع احتمال أن القطع بالرضا یبیح التصرفات الخالیة من النقل و الانتقال کالشرب و الإتلاف مع عدم الضمان دون ما اشتملت علی النقل و الانتقال لتوقفهما علی الکلام فی صیغتهما و فی صحتهما لو وقعا عن الغیر کلفظ الوکالة و الاستنابة و الإجازة و نحو ذلک و هو احتمال قوی یحسن البناء علیه و تری أهل العرف ینکرون علی من وکل علی عمل من الأعمال علی الاطلاق فأقدم علی أخذ الأموال کلًا أو بعضاً محتجاً بذلک و ینفون عنه صفة الأمانة و یتوقفون علی الإذن من المالک و لو کان غائباً کاتبوه و لم یزل المتفقهون یخصون المرسول إلیه و یأذنوا له بالأخذ مطلقاً أو قدرا خاصاً و لو کانت هناک إذن شرعیة غیر تلک الروایة التی لا یبعد أنها إذن من الامام فی خصوص المقام أو أذن مالکیه تظهر من الخطاب لما خفیت لشدة الاحتیاج إلیها و لو کانت من الواضحات و لما احتاج عمال الزکاة إلی سهم مخصوص و لما فرق

ص: 90

أحداً مالًا وکّل أمره إلیه مع الضر بخروجه و لزیادة الطمع فی الانسان علی الورع و یجری ذلک من خطابات الأمراء و الوزراء بل خطابات جبار السماء و الکل کما تری و روایات الجواز منها ما لا یصلح للاستدلال کالموثق و منه ما لا یقاوم دلیل المنع فلا بد أن یکون کاشفاً عن العرف فی زمن الصدور و لو دفع انسان لآخر مالًا یرید دفعه للفقراء ملاحظة لجهة الفقراء و لکنه زعم أن المدفوع إلیه غنی فأخرجه ابن عمه جاز للمدفوع إلیه أن یأخذ لأنه خطأ فی الزعم لا تخصیص فی القصد و هذا باب واسع یدخل المنع لجهة اخطأ صاحبها و الدفع لجهته اخطأ صاحبها فیمضی الجواز فی الأول و المنع فی الثانی إلا أنه یشکل فیما یقع غالباً من الدفع و الإکرام لن یظهر لآخر المودة و الصدقة و هو لیس کذلک و کثیراً ما یقع ذلک منا مع أعدائنا دیناً و دنیا فینبغی التجنب و الاحتیاط عن قبول ذلک ممن نکرهه و ننافقه إلا أن السیرة علی خلاف ذلک فیحصل من جهتها الفرق بین المنع و الدفع و أنه فی الحالة الأولی یصاحب الرضا الباطنی التقدیری فیصح الأخذ و فی الثانیة یصاحب الکراهة التقدیریة و لا اعتبار فیها بل الاعتبار علی الرضا الظاهری لصدق أن نفسه قد طابت ظاهراً کما أنه فی الأولی طابت باطناً و العمدة السیرة و لزوم العسر و الحرج لو لا ذلک و لو عین المالک قوماً فدفع إلی غیرهم و لو خطأ ضمن و لا یضمن المدفوع إلیه مع جهله ضماناً مستقراً بل لو رجع إلیه رجع إلی الدافع لأنه مغرور من قبله و لو دفع الوکیل لعیاله و أولاده جاز ما لم یفهم إرادة التوزیع علی نفس المعیلة و أنه مما لا یرضی بذلک کما جرت العادة بأن الموکل لا یرضی أن یجعل المال کله فی أولاد رجل واحد و عیاله فیکون فی الحیل التی یلزم تجنبها و تسمی خیانة فلا یجوز ذلک.

الرابع و السبعون: یحرم التکسب (بالولایة) من حکام الجور

فی غیر ما استثنی مما تحل فیه الولایة کما یجوز التکسب بالولایة من حاکم العدل فی غیر ما وجب کفایة مطلقاً غیر ملاحظ فیه العوض و تفصیل القول فی الولایة أن الولایة فی القضاء و الأمور العامة العائدة إلی مصالح الأیتام و المجانین و القاصرین و الغائبین و السیاسات و مجاهدة الکفار و المخالفین و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و أخذ السنن و أموال الزکاة

ص: 91

و الخراج و مجهول المالک کلها إذا کانت من الإمام (علیه السلام) أو من نائبه الخاص و العام فلا بأس بها و الغالب ندبها و ربما تجب عیناً مع طلب امام الأصل شخصاً خاصاً لخصوصیة فیه أو لعضة انحصر المأمور به فی شخص خاص فإنها تجب عیناً و یجب السعی فی تحصیل مقدماتها لأنها من الواجب المطلق لا المشروط الذی لا یجب السعی فیه و بالجملة فوجوب أثادها مطلق کالأمر بالمعروف و القضاء و نحوه فتجب مقدمة لتلک لأن تلک لا تجب إلا علی المتولی فبدون الولایة لا یجب علیه شی ء فالولایة کالقدرة لا یجب تحصیلها لأن الظاهر أن تلک واجبه مطلقه فلو توقفت علی الولایة لوجب تحصیلا لها فهی مقدمة وجود لا وجوب و أن لم یتمکن منها إلا بها و یجوز للناصب أن یعزل المنصوب سواء نصبه عن نفسه أو عن الإمام (علیه السلام) نعم لو نصبه عن الإمام لم ینعزل بموت الناصب و یجوز لحاکم أن بعزل منصوب حاکم أخر قد نصبه عن الإمام و لو نصبه عن نفسه فوجد الأخر فیه فساداً جاز عزله مطلقاً و الفرق بین الولایة و الوکالة ذکروا أن الولایة منصب یبنی علی سلطنة التصرف و التفویض و استبداده بالأمر و النهی بخلاف الوکالة فی الجمیع و أما الولایة عن الحاکم الجائر عموماً أو خصوصاً بحیث یتعلق فی خاص محلل و کقبض بعض الحقوق او فی خصوص الأیتام أو الخراج أو القضاء لأهله أو الأمر بالمعروف أو خاص محرم و محلل أو عام بحیث یختص بالمحلل أو عام بحیث یشمل المحرم و المحلل معاً أو بحیث لا تتعلق فی أمر من الأمور بل مجرد اسم لتحصیل السمعة و الاعتبار من غیر إصدار أثر من الآثار فلاصحابنا فیها اضطراب لاضطراب الأخبار و ما صدر من الأئمة الأطهار (علیهم السلام) فمنهم من یری أن الولایة محرمة بنفسها ذاتاً سواء صدرت عنها آثار محرمة أو محللة سوی ما أوجبها الاضطرار من تقیة أو کانت هناک مصلحة تزید علی ما فیها من القبح الذاتی و منهم من جعلها محللة فی محلل و محرمة و لو کانت فی محرم و منهم من جعلها محرمة فیما لو اشتملت علی محرم و محلل و یظهر من بعضهم أنها محرمة من جهة و محللة من جهة أخری و یظهر من بعض أنها تنقسم بانقسام الأحکام الخمسة فتجب لو توقف الواجب علیها و مندوب لو کانت لآثار مندوبة و تباح لو کانت لآثار مباحة و تکره لو

ص: 92

ترتبت علیها آثار مکروهة و تحرم لو ترتبت علیها آثار محرمة و یظهر من بعض أنها مکررة فی المباح و المکروه و منهم من جعلها مندوبة فیما لو توقف علیها واجب لسقوط الوجوب قبلها لأنه واجب مشروط بها فهی مندوبة للترغیب علیها و بعد حصولها یجب أداء الواجبات و یظهر من بعض أنها مباحة إذا أمن المحرم و حرام إذا لم یأمن من ارتکاب الحرمة و مکروهة عند عدم الظن بالوجود و العدم و یظهر من بعض أنها مندوبة إذا أمن الدخول فی المحرم و قدر علی الأمر بالمعروف لوجوبها بحسب القاعدة و لکن رفع الوجوب نواهی الدخول فی أعمالهم و الرکون إلیهم فلا أقل من الندب و بعض أحتمل إن الندب جاء من تعارض نواهی الدخول فی اعمالهم و الأمر بالبعد عنهم و فی وجوب الأمر بالمعروف فیحکم بالتخییر و یدل علی الندب ما جاء فی الترغیب لها فی جملة من الأخبار و أما الأخبار فمنها ما تدل علی الحرمة الذاتیة للولایة المنجبرة بظاهر الآیة الناهیة عن الرکون إلیهم و الناهیة عن المودة لمن حاد الله و المؤیدة بالاعتبار لاشتمالها علی التذلل و الخشوع و الخضوع و التبعیة و الرکون و التقویم و إعلاء الشأن و الرفعة و التبعیة لمن یجب نفی ذلک عنه مع الامکان نعم یتضاعف الاثم بتضمنها ظلم الرعیة فی نفوسهم و اعراضهم و اموالهم و ادخال الرعب علیهم فمن الاخبار خبر (تحف العقول) المتضمن لحرمة الولایة من الوالی الجائر و ولایة الرئیس منهم و اتباع الوالی و العمل لهم و الکسب معهم بجهة الولایة منهم لأن کل شی ء له جهة المعونة معصیة کبیرة من الکبائر و ذلک لان فی ولایة الوالی و الجائر و دروس الحق کله و احیاء للباطل کله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الکتب و قتل الأنبیاء و هدم المساجد و تبدیل سنة الله تعالی و شرائعه فلذلک حرم العمل معهم و معونتهم و الکسب معهم إلا بجهة الضرر نظیر الضرورة إلی الدم و المیتة و الخبر الآخر (من سود إسمه فی دیوان ولد السابع حشره الله تعالی خنزیراً) و الخبر الثالث (یا زیاد لان اسقط من شاهق فأنقطع قطعة قطعة أحب إلی من أن أتولّی لأحد منهم عملًا أو أطأ بساط رجل منهم و فیه إلا لتفریج کربة مؤمن أو فک أمره أو قضاء دینه) یا زیاد إن أهون ما یصنع الله عز و جل بمن تولی عملًا أن یضرب علیه سرادق من نار إلی أن

ص: 93

یفرغ الله تعالی من حساب الخلائق و هو عام لجمیع الأعمال و لو من غیر الولایة کقضاء حوائجهم و السعی فی أمورهم و الخبر الرابع فی من طلب من أبی عبد الله (علیه السلام) أن یسعی له فی الولایة من بعض هؤلاء طلباً للمعاش و قد حلف له بالطلاق و العتاق أن لا یظلم أحدا و انه یعدل فأجابه (علیه السلام) (تناول السماء ایسر علیک من ذلک) و الخبر الخامس المتضمن للنهی عن الدخول فی إعمالهم و ان أحدا لا یصیب من دنیاهم شیئاً إلا اصابوا من دینه مثله و ما دل علی أن المنصب منصبهم و الولایة لهم و ان غیرهم قد غصبهم حقهم و وضع نفسه فی مواضعهم و مراتبهم التی رتبهم الله فیها و هذه الأخبار بعمومها تدل علی حرمة الولایة بنفسها و علی حرمتها و لو اقتصر المتولی علی الأعمال المحللة فیفهم منه بطریق أولی حرمة ما لو کانت محرمة أو مختلطة کالذین خلطوا عملًا صالحاً و آخر سیئاً و تدل علی حرمة الولایة لمن لم یأمن علی نفسه من الوقوع فی المحرم بطریق أولی أیضا و منها ما تدل علی جواز الولایة لتفریج کربة مؤمن أو فک أمره أو قضاء دینه بناءً علی رجوع القید فی الخبر المتقدم لا تولی و ما بعده و فیه دلالة علی جوازها مطلقا لاستبعاد ان تکون محرمة الذات فتحل لقضاء دین المؤمن و منها ما یدل علی جوازها مطلقاً کالخبر: (ما یمنع ابن ابی سلمان ان یخرج شباب الشیعة فیکفونه ما یکفیه الناس و یعطیهم ما یعطی الناس) و اخبار الاعتذار عن الرضا (علیه السلام) فی قبول العهد بولایة یوسف حیث قال: (اجْعَلْنِی عَلیٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ) و نقل الاجماع عن الراوندی ان الولایة جائزة اذا تمکن المتولی من ایصال الحق إلی مستحقه و منها ما تدل علی الحث و الترغیب فیها اذا کان فیها دفع مظلمة أو اصلاح شی ء من أمور المسلمین و ادخال السرور علی المؤمن و ان الولاة و شبههم من الداخلین معهم امناء الله فی ارضه و هم المؤمنون حقاً و یزهر نورهم لاهل السماوات کما تزهر الکواکب الزهریة لاهل الأرض تضی ء منهم القیامة و خلقوا للجنة و خلقت الجنة لهم و منها ما یدل علی أن الدخول فی أمرهم مکروه و قلیله خیر من کثیره و فیه أنه لو دخل لإدخال المکروه علی عدو الإمام لکان اجراً و ثوابا و خلاصة القول فی ذلک أن الولایة فی نفسها اختیاراً من غیر اضطرار و لا کره و إجبار و ان لم

ص: 94

یترتب علیها اثر عام أو خاص بحیث تسمی ولایة عرفاً بحیث یلبس علیها خلعة أو یدفع له خرجاً محرمة علی فاعلها لأنها من أعظم الرکون و أشد شی ء فی القرب و تعظیم الشعائر لهم و تکثیر السواد و کله ممنوع عقلًا و نقلًا کتاباً و سنةً و إجماعاً و تشتد حرمتها لو کان القصد بإظهار الولایة جلب الدراهم من الخلق لأنهم لو عرفوا ذلک منه دفعوا إلیه أموالهم رغبة و رهبة و أکرموه و عظموه و أشدّ من ذلک حرمة ما لو قصد بها الوصول إلی المحرمات من قتل و نهب و سبی و نحو ذلک سواء تخلص قصده لذلک أو قصد معها بعض المباحات و الطاعات و احتمال انها تکون بمنزلة ولایتین مستقلتین محرمة و محللة فیجری علی کل حکمها ضعیف لأنها واحدة قد نهی عنها لدخول المحرم فیها فلا تکون مأذوناً فیها و یلحق بذلک من لم یقصد المحرم و لکن لم یعتمد علی نفسه بترکه و لم یأمن من نفسه الوقوع فیه لو عرض له ذلک و الظاهر أن حکمه حکم من قصد المحرم لأنه بمنزلة من أعد نفسه لفعله هذا کله فی ولایته و أما العمل الصادر منه فإن کان حراماً فلا کلام فی اشتداد حرمته حیث أنه قد أسنده لولایته فهو إن اعتقد شرعیته فهو مشرع حقیقة و إلا فهو مشرع صورة لأنه قادم علی الفعل له علیه سلطنة و له سلطان فیه و إن کان حلالًا فإن نوی ذلک یسلطانه و ولایته کان مشرعاً أیضاً أما حقیقة أو صورة و إن کان لا بنیة ذلک کان حلالًا ما لم یکن ذلک الحال لا سلطان له علی فعله کقبضٍ مجهول المالک و مال الغائب و الیتیم و مثله الخراج علی الأظهر لأن الخراج و إن وجب دفعه لکنه یحرم علی المدفوع إلیه ما لم یکن حاکماً شرعیاً أو وکیلًا عنه بل یحرم علی وکیل الجائر قبض الخراج ما لم یکن بطیب نفس الدافع نعم لو أجاز الحاکم الشرعی هذه الأفعال بعد صدورها موافقة لرأیه صحت و ارتفع ضمان الفاعل لها و بالجملة أن المتولی لو فعل الحلال بنیة أنه عن الولایة کالقضاء و الأمر بالمعروف و سیاسة المسلمین و نظام أمور الدین کان مشرعاً و منهی عما فعل و إن کان صحیحا فی غیر العبادات مع احتمال أن النهی إنما یتسلط علی الولایة دون الفعل ونیة أن الفعل منها یکون لاغیة فلا تؤثر تحریماً فیه و هذا کله فیما لو کان الفاعل مختاراً فی ولایته ابتداءً و استدامة أما لو کان مختاراً فی الابتداء مقهوراً فی الاستدامة فوجهان من

ص: 95

أن (ما) بالاختیار لا ینافی الاختیار لأنه باختیاره صار منهم و ملک زمامه لهم و من أنه الآن مقهور لا یستطیع الترک فالله أولی بعذره أما من کان مجبوراً علی الولایة نفسها أو علیها و علی أعمالهم محللة أو محرمة فهی جائزة له بل قد تکون واجبة و یدل علی ذلک العقل و النقل کتاباً و سنة و إجماعاً و أدلة نفی الضرار و نفی العسر و الحرج و اختبار التقیة و خصوص روایة أبی الحسن (علیه السلام) عن عمل بنی العباس و أخذ ما یتمکن من أموالهم فقال ما کان المدخل فیه بالجبر و القهر فالله قابل للقهر و العذر و المراد بالتقیة هنا ما یعم المخالف و الموافق و جمیع أهل الأدیان و هی ما یخشی علی نفسه أو عرضه أو ماله ما لا یعتد به إن لم یفعل ما الزم به من الولایة أو من آثارها المحرمة بحیث لا یقدر علی التخلص من دون ضرر علیه فیما تقدم و من دون مشقة لا تتحمل عادة بنقل نفسه أو عیاله من بلد إلی بلد أو اختفائه خفاءً یضر بحاله و یمکن الفرق بین الجبر علی الولایة فقط فیجوز للخوف علی الیسیر من المال و لأدنی مشقة تلحقه فی التخلص و الفرار بخلاف الأعمال العائدة إلی الخلق فلا تجوز إلا مع الخوف و الضرر الکثیر و المشقة التی لا تتحمل عادة بحیث یصدق علیها عدم القدرة علی التخلص و هو وجیه و إن کان الأظهر فی الأدلة الأول، أما إذا لم یصدر من الجائر الزم بالفعل الذی یخشی من ترکه الضرر المتقدم فذلک لیس من التقیة کمن یعلم أن الجائر یأخذ ماله و عرضه أو یقتله و لکن یدری أنه لو سرق له مال زید أو أعطاه امرأة زید لعفا عنه فإنه لا یجوز له أن یفعل ذلک لأن الضرر لا یندفع بضرر آخر محرم علیه لم تنبئ نصوص التقیة علیه و لم یظهر من الأخبار جوازه و مثله ما لو علمت أن السارق یسرق مالی إن لم آخذه بمال غیره أو علمت بان الأسد یقتل فرسی إن لم آخذها بفرس الغیر و هکذا فی غیر الاناسین من جمیع المؤذیات و بالجملة لا یجوز لإنسان أن یفدی ماله بمال غیره و لا نفسه و لا عرضه من دون أن یأمر بالشی ء نفسه فیخاف إن لم یفعله علی نفسه أو ماله أو عرضه فلو فعل المأمور به کان الضمان علی المکره نعم قد یحتمل أنه مع الخوف علی النفس خوفاً یعتد به لیسوغ علیه تناول مال الغیر مع ضمانه لو دفعه فداء کتناول المضطر فی المخمصة فیأکله مع ضمانه و علی کل حال فتسویغ المحرم للتقیة علی سبیل

ص: 96

الوجوب إن کان الخوف علی النفس أو علی سبیل الجواز إن کان الخوف علی المال لأنه تسلط علی ماله فله أن یبذله لمن یتقیه و فی العرض وجهان و یحتمل أنه یلحظ المعادلة فإن کان عرضاً بعرض جاز و لم یجب و إن کان عرضاً بمال وجب حفظ العرض و جاز نهب المال بل الاحوط ملاحظة المعادلة فی باب الإکراه مطلقا مالًا بمال أو مالًا بعرض أو عرضاً بمال کثرة و قلة نوعاً و صنفاً هذا کله إن تعلق بنفس المکره أو عرضه أو ماله أو ما یعود إلیه من أهله و ولده و زوجته فلو تعلق بغیره من الأجانب فخاف علی نفسه أو ماله أو عرضه فإن انتدبه و دخل فی شیمته و مروءته جاز علی الأظهر و إلا ففی جواز ذلک نظر ظاهر لأن ضرر شخص لا یجب بضرر شخص آخر سواء تعادلا أم لا نعم قد یحتمل فی النفوس ذلک فیجوز لو خیف علی دماء المؤمنین أن تؤخذ أموال آخرین بل و تهتک أعراضهم و إن خیف من هتک أعراض المؤمنین جاز نهب، موال الآخرین و أما غیر المؤمن فیضعف الاحتمال فیه نفساً أو مالًا أو عرضاً و قد استثنی أصحابنا من التقیة المبیحة لفعل المحرم و الدماء لما ورد من الأخبار المتکررة أنه لا تقیة فی الدماء و إنه إذا بلغ الدم فلا تقیة لأنها شرعت لحفظه فعلی ذلک لا یجوز قتل النفس للخوف علی نفس أو عرض أو مال إجماعاً فی المؤمن عدا نفس النبی صلّی الله علیه و آله و سلّم و الإمام فهناک کلام و فی المخالف وجهان بل قولان أوجههما سقوطهما لو کانت نفساً بنفس لحرمة نفس المؤمن و هوان نفس المخالف و عدمه لو کانت نفساً بعرض أو مال سیما الأخیر و لو کان المؤمن مستحقاً قصاصاً و لا فرق بین الصغیر و الکبیر و المریض و الصحیح ما لم یکن قبل ولوج الروح فیه فإن الأقوی عدم دخوله فی حدیث: (لا تقیة فی الدماء) سیما لو کان نفساً بنفس أما لو کان بمال فلا یبعد عدم إجراء حکم التقیة فیه و فی العرض وجهان و فی إلحاق الجرح بالقتل وجهان من شمول الدماء و لأنه لا یأمن السرایة بتنقیح باب القتل و من انصراف الدماء للقتل و الاقتصار فی تخصیص أدلة التقیة علی المتطوع بمنعه مع احتمال ملاحظة المعادلة فیسوغ جرحاً بقتل و بجرح دون عرض و مال و یحتمل إلحاق العرض بالأول دون الثانی و الاحتیاط فی هذه الموارد لازم و الرکون إلی ما جاز تحمله أقرب للتقوی هذا کله فی الولایة لنفسها و المنضم إلیها ما

ص: 97

یحرم فقط أو ما یحرم فیحل أو مباح غیر راجح و أما الولایة المقصود بها غایة راجحة کنشر الحق فی القضاء و الأمر بالمعروف و تشیید دین الإمامیة أو کان المقصود منها التوصل إلی أمواله المغصوبة و حقوقه الفائتة أو التوصل إلی استخلاص الشیعة من ربقة الذل و استخلاص المؤمنین من التخفی فی الدین أو إعلاء کلمة المؤمنین و إظهار عزهم و إعلاء شأنهم أو تفریج کربتهم و إعانة مظلومهم و إعانة ملهوفهم أو نشر العلم و إن تصدق به فظهر صاحبه فلا ضمان علیه لولایته و یحتمل ضمانه من بیت المال و تحل الصدقة بعد الیأس و لا یجری هنا حکم اللقطة للأخبار الدالة علی الأمر بالصدقة من دون تعریف فی مجهول المالک و لفتوی الأصحاب فلا فرق بین قلیلة و کثیرة فی حرمة التصرف به إلی حد الیأس طال أم قصر و ضمان المتصدق للصدقة لو ظهر أهلها لا یجری حکم الدین فی حیاته و لا یجب أن یوصی به و یعزل عند وفاته نعم لو ظهر أهلها بعد موته و قبل تلف الترکة قوی جواز الرجوع إلی الترکة و الأخذ منها و أما بعد التلف فلا یبعد سقوط حق الرجوع بها و أما الظالم نفسه فیرجع علیه بما أخذه عیناً مع وجود أهله و لو أتلفه رجعوا علیه بمثله أو قیمته حیّاً أو میتاً و یکون دیناً علیه کسائر الدیون و إن کان مجهولًا یرجع الحاکم علیه فی حیاته و أما بعد موته فالأظهر انه لا یؤخذ من ترکته و لا یحسب کدیونه الخاصة بحیث تقدم علی وصایاه و مواریثه بل لو أوصی بها خرجت من الثلث و احتمال تسریة هذا الحکم حتی للمعلوم اهله للسیرة الدالة علی ذلک مطلقا بعید فانه ابعد و لو قبض قابض من الغاصب شیئا بنیة إرجاعه لأهله کان محسناً و لا ضمان علیه و لو دفع شیئاً لاستخلاصه بنیة الرجوع لمالکه مع عدم حضوره فإن کان بإذن الحاکم قوی الرجوع علیه و إلا فوجهان و إن لم یعلم المدفوع إلیه بحرمة الجوائز بعینها بل علم أن فی ماله حرام و حلال و قد اشتبه فإن علم أنه مشتبه عند الجائر أیضاً و أتی به مشتبهاً و دفعه علی اشتباهه قوی القول بحرمته أیضاً مطلقاً من جائر أو غیره و احتمل أنه من الجائر حلال لإطلاق الأخبار فی حلیة جوائزه دون ما کان من غیره لوجوب التجنب عن محرم فأجاز طرفاً منها الشبهة المحصورة و احتمل الفرق بین دخول المحرم فی جنس المدفوع کظروف دهن و خل محرم فأجاز ظرفاً منها و بین ما لم

ص: 98

یعلم أنه ذلک الجنس کما إذا علم بدخول مأکول محرم فی بیته لا یعلمه الدافع و لا المدفوع أولا بعلمه المدفوع إلیه فقط و إن علم أن المدفوع ممتزج بالحرام فالأقوی حرمته کالمعلوم حرمته بعینه و احتمل أنه من الجائر حلالنا المهنی و علیه الوزر و ربما یظهر من بعض الأخبار و بعض فتاوی الفقهاء ذلک فیظهر الفرق بین الجائر و غیره بذلک و یحتمل فی المشتبه و الممزوج إذا دفعهما الجائر و الفرق بین ما یعلم صاحبه فیحرم و بین ما یجهل صاحبه فیحل أخذاً بإطلاق الأخبار و اقتصاراً فی المنع علی المقطوع به ان لم یعلم أنه ممزوج و لا مشتبه عند صاحبه فإن أخبر بحلیته فالأقوی و الأظهر حلیته من غیر کلام و کذا لو ناوله بیده أو باعه فأذن فی قبضه أو أذن بقبضه لمن أجازه و أعطاه أو کان متفرقاً فیه بحیث دخل تحت یده فأدخله فی خزانته فإن الذی وردت به الأخبار المتکاثرة و نقل علیه و جرت به السیرة القطعیة و دار علیه أمر النظام و المعاش و صدر من الأئمة (علیهم السلام) فعله هو الحل و جواز الأخذ و لا یجب السؤال بل لنا المهنّی و علیه الوزر و حکم غیر الجائر هنا کحکمه لظهور بعض الأخبار فی ذلک و جریان السیرة و العسر و الحرج بترکه فی الجمیع حتی ادعی بعضهم أن ذلک من الشبهة الغیر المحصورة نظراً إلی أن جمیع أفراد الغاصبین و جمع أموالهم المختلطة و جمع غیرهم و غیر الأموال المختلطة مما لا ینحصر المخلوط فیه بل و یستهلک فتکون الأموال المختلطة بالحرام غیر منحصرة و لکنه ضعیف لأنه یؤدی إلی اضمحلال حکم الشبهة المحصورة بفرض جمع باقی المشتبه معها فیعود غیر محصور و لا قائل به بل المدار هنا علی کل متمیز مغرور عند أهله قد اختلط معه محرم فیشتبه الفرد المحرم مع تلک الأفراد المحصورة و هذا الظاهر من الشبهة المحصورة نعم لو فسرنا غیر المحصور بما لزم من اجتنابه العسر و الحرج اتخذ ذلک أو قلنا إن محل المسألة فی الأموال الخارجة عن ید الظلمة فی البلدان بحیث تعلم أن فی الأسواق و الخانات کثیراً من دراهمهم و غلاتهم و فیها الحرام قطعا فإن ذلک لا یلزم اجتنابه و إلا لم یبق للمسلمین سوق و لا بیع و لا شراء و أما لو کان المال المشتبه فی ید الجائر أو خانه و لم یأذن فیه أو دفعه بیده فهل یجری علیه حکم الحلال فتجوز المقاصة منه و الأکل من مرفوع الجناح منه و الأخذ بإذن

ص: 99

الفحوی أو بالمادة إذ لا یجری علیه ذلک اقتصاراً فی الجائر علی المقطوع به و لا یبعد الفرق هنا بین کونه من مال الجائر فیجری علیه أحکام الحل لإطلاق الأخبار فی الجائر و امتیازه عن غیره فی لسان الفقهاء و بین غیره فیجری علیه حکم المشتبه و یحتمل الفرق بین کونه قد دخل بخزانته بإذن و بدون إذنه و لو دفع الجائر مالًا دائراً بین کونه حراماً علی المدفوع إلیه أو حلالًا بعد العلم بأنه محرم علی الدافع قطعا لأنه إما من مال الخراج أو من المغصوب فالأقوی جواز تناوله و لو کان فی ید الجائر مال علم أنه قد أتی به من غیر أمواله المختلطة بل من خارج فلا کلام فی حلیته سواء أخبر بها أم لا و سواء دفعه بیده أم لا و جری علیه حکم الفحوی و المارة و کذا إن لم یعلم أنه أتی به من أمواله المختلطة أم من غیرها علی الأظهر و کل کذا من فی خزائنه و بیته أموال مختلطة و جاء بمال آخر لم یعلم حاله و دعوی أن هذا المال بضمه المختلط یکون مختلطاً فیجری حکم الشبهة المحصورة علی جمیعه بعیدة لعدم تسلیم أنه بالانضمام یکون الجمیع من المشتبه المحصور و لو سلمنا فلا شک أن ید المسلمین تقضی بالحل و فعلهم یقضی بالصحة إجماعاً و مجرد کون المسلم لا یبالی بالحرام لا یترتب علیه حکم الحرمة قطعا و لهذا خصصنا محل الکلام فیما لو أتی الجائر بمال من المخلوط فی بیته و خزانته و عند عماله فدفعه أو باعه أو أذن فیه أو وهبه فإنه حلال تغلیبا لجانب الصحة و للأخبار فیبطل حکم الشبهة المحصورة بل و یلحق به کل من جمع حلالًا و حراماً فدفع فرداً من المجموع و لیس للجائر خصوصیة إلا فیما لو لم یدفع هو بل اخذ منه بإذن الفحوی و شبهها فإنه یمکن أن یکون للجائر خصوصیة فیحل ما کان عنده و یحرم غیره أو فی الممتزج فإنه من الجائر یجوز تناوله من دون إخراج الخمس و إن ندب ذلک کما تشعر به بعض الروایات و من غیره یجب إخراج الخمس منه فی کل الباقی أو فی المخلوط المشتبه إذا علم أن فی المخلوط ما یحرم فإنه یمکن تحلیله من دون إخراج الخمس لو کان من الجائر و مع إخراج الخمس و الصدقة بما یتیقنه لو کان من غیره و لکن الحکم بهذین مشکل غایة ما دلت علیه الأخبار هنا کصحیح (ابی ولاد) فیمن یلی أعمال السلطان و لیس له مکسب سوی أعمالهم فیأمر له بالدراهم و الکسوة فقال (خذ و کل لک المهنی

ص: 100

و علیه الوزر) و الصحیح الآخر فی العامل یخبرنی بالدراهم اخذها قال: (نعم و حج بها) و الصحیح الثالث جوائز السلطان لیس بها بأس و غیرها مما دل علی أن کل شی ء فیه حلال و حرام فهو حلال حتی تعرف الحرام بعینه و ما جاء من قبول الحسن (علیه السلام) و الحسین (علیه السلام) و الکاظم (علیه السلام) جوائز معاویة و الرشید و إن کان فی بعض أجزائه ردها و الموثق فی عمل السلطان قال: (لا فإن صار فی یده شی ء فلیبعث بخمسه لأهل البیت (علیهم السلام) و الآخر فیمن استحل من مال الوقف الذی بیده لا یتورع من آخذه فیحضر طعامه فیدعونی إلیه فإن لم آکل من طعامه عادانی فهل یجوز لی أن آکل و أتصدق بصدقة فأجاب: (إن کان لهذا الرجل مال أو معاش من غیر ما فی یده فکل طعامه و اقبل بره و إلا فلا) و الأخبار دالة بعمومها و إطلاقها علی حلیة ما یؤخذ من الجائر من دون تفصیل بین الإتیان به من المخلوط فی خزانته أو وکلائه أو داره أو بیته و بین الإتیان به من خارج و بین ما لم یعلم وجهه بل و بین الممزوج بالحرام المجهول و بین ما لم یعلم لو لا الإجماع أن ثبت إجماع علی المنع و بین دفعه بیده و بین کونه مطروحاً و بین کونه من الجائر و بین غیره کما تدل علیه روایة کل شی ء فیه حرام و حلال و إشعار لک المهنی و علیه الوزر بذلک و حینئذ فیکون مورد الشبهة المحصورة و غیر هذا مما یختلط عند صاحبه أو یشتبه و لم یکن بید جائر أو غاصب جامع للمال بین الحلال و الحرام و أما ما کان منهم فلا بأس و تحمل الأخبار الأخیرة علی الکراهة مع ذلک فالأقوی تجنب المجتمع من الحلال و الحرام مطلقاً ما لم یدفعه المجامع بیده أو یخبر بانه حلال و تشتد القوة فی اجتناب المخروج و لو کان مجهولًا مالکه فیجری علیه حکم مجهول المالک بل الاحتیاط و الورع یقضی تجنب ما یدفعه بیده و یأذن فیه بل الاحتیاط تجنب الأخذ ممن لا یتورع و إن أتی به من بلد آخر ما لم یعلم أنه دفعه من خزانته للأمر بالاحتیاط و تجنب موارد الشبهات.

السادس و السبعون: یحرم علی السلطان و عماله و کل متغلب علی مال الخراج و التصرف فیه و قبضه و دفعه

و کذا کل ما یأخذه باسم الزکاة و الخمس و میراث من لا وراث له و الجزیة علی الرءوس و مجهول المالک و کل ما یقبضه بالولایة الشرعیة زاعماً

ص: 101

أن الولایة و أمور المسلمین راجعة إلیه و لو تصرف فیه فباعه علی مؤمن أو وهبه إیاه أو أحاله به و لم یکن من عماله و أتباعه حرم التصرف من قبله و کان باطلًا نقله و انتقاله وحل بالنسبة إلی المشتری و صح نقله و انتقاله و لیس معنی ذلک أن الإیجاب محرم باطل و القبول حلال صحیح لأن العقد لا یتبعض بل معناه أن العقد کله صحیح بالنسبة إلی المشتری فیملک المبیع الذی هو مال الخراج و ینتقل عنه الثمن و یجب علیه دفعه للبائع و کله فاسد بالنسبة إلی البائع الجائر فلا ینتقل المبیع عنه لأنه لیس له و لا بیع إلا فی ملک أو ولایة و لا ینتقل إلیه الثمن فالعقد یکون من قبیل الأسباب الشرعیة المملکة للمشتری و الناقلة عنه الثمن للمسلمین المالکین للمبیع فیکون قبض الثمن للبائع الجائر حراما کالمثمن أو یقال ان البائع الجائر هنا فضولی عن المسلمین فی البیع و قبض الثمن و الإجارة حاصلة من جانب الشرع بنقله إلی المشتری کما أن دفع الثمن الذی هو للمسلمین جائز دفعه للبائع الجائر و مبرئ لذمة المشتری بإذن الشرع بذلک و أمره بل یقوی القول بحرمة سرقة مال الخراج و خیانته و الامتناع عن تسلیمه أو تسلیم ثمنه بعد شرائه إما له خاصة أو مخیر بینه و بین حاکم العدل و إن حرم علی الجائر قبضها و التصرف فیها لأنه غاصب لمنصب أهل الحق و آثم و الدفع إلیه إعانة علی إثمه و لکن جملة من النصوص و الإجماع المنقول بل و الشهرة المحصلة دالة علی لزوم ذلک و کأنه لحکمة رفع الفساد عن العباد و حفظ الطرق و دفع الناس بعضهم عن بعض و حفظ بیضة الإسلام لأنه مع غیبة الإمام لو لم یقم الجائر بهذا النظام و یستمد من مال الخراج و شبهه لجنده و عساکره لأقتتل الأنام و علا الأشرار علی الأخیار و اللئام علی الکرام و لما بقی حرم و لا حرمة و لا احترام للعزیز العلام و لکان کل فرد غاصب لمنصب الإمام (علیه السلام) فأقل القبیحین هو الترتیب الباطل فصرفهم أموال المسلمین صرفاَ فی مصالح المسلمین صدقاً و إن لم یکن علی ید أمیر المؤمنین علیه السلام حقاً الذی أمرنا باتّباعه تعبداً و رقاً و المراد بالجائر هنا و السلطان المتغلب بجنوده و أتباعه ذا طبل و جمعة وعید و لا به تحت ید سلطان آخر أم لا و ولایة حکمهم حکمه مؤمناً أو مخالفاً مستحلًا له أم لا کان من مذهبه أخذ الخراج أو لا لعموم جملة من الروایات و بعض منقول

ص: 102

الإجماعات و لو استولی الکفار علی بلاد المسلمین فعاملوهم معاملة سلطان المسلمین لم یجر الحکم علیهم کذلک لعدم سلطان الکافر علی المسلم و نفی السبیل عنه مع احتمال إمضاء تصرفاته و هباته سوی أنه لا یجب دفع الخراج له إلا خوفاً و یکون المرجع الحاکم الشرعی أو عدول المسلمین و لا یتفاوت فیما یأخذه السلطان الجائر و أتباعه بین کونه من حاصل الأرض باسم المقاسمة من غلات أو غیرها أو باسم الخراج من نقود أو عروض عن حق الأرض بتوزیع النقود علیها أو علی زرعها أو أشجارها فی أرض خراجیة أو أرض صولح أهلها علیها جریاً علی العادة فی الأخذ و إن کثر مرة و انقطع أخری بحسب المعاملة و المراعاة ما لم یفرط بالتعدی فإن أفرط احتمل جریان حکم المعتاد علیه مطلقاً و احتمل لزوم تجنبه مطلقاً و احتمل جریان حکم المعتاد علیه إلی أن یبقی قدر الزیادة معیناً أو مشاعاً فیبقی من المشاع ما علمت زیادته و لو شک فی التعدی و عدمه فالأصل عدمه أو یأخذ باسم الزکاة من الأنعام مما یتعلق به الزکاة فی مذهبهم إن کان منهم و إن لم یوافق مذهب الحق دون العکس فی وجه أو یأخذه من الذمیین جزیة علی رءوسهم أو من غیرهم من محترمی المال باسم الشرط أو ما یأخذ من الأرض العائدة إلی الإمام من الأنفال فی وجه قوی و الأقوی خلافه و لانصراف أدلة الخراج و حلیته و دفعه و قبضه إلی الأرض التی یضرب علیها الخراج عادة من ولاة المسلمین کالمفتوحة عنوة و المصالح علیها و أما الأنفال کالموات فهی لمن أحیاها حتی لا یجب الرجوع فیها إلی سلطان الحق فضلًا عن سلطان الجور و حینئذ فالاستدلال باطلاقات الأخبار و عموماتها الشاملة لکل ما یأخذه الجائر من أی أرض بعنوان الخراج ضعیف و خلاصة القول أن هنا أموراً منها أن الأرض الخراجیة من المفتوحة عنوة و غیرها یجب رفع خراجها فی حال غیبة الإمام و لا یجوز الامتناع من دفعه و لو کان المخاطب به مصرفاً من مصارفه کما إذا کان مؤمناً عالماً محتاجاً و ما ورد من أخبار التحلیل خاصة بالمناکح و المساکن و المتاجر مما یؤخذ ممن لا یخمس إذ لا قائل بعمومها أو بأرض الأنفال العائدة للإمام علیه السلام فی حال الغیبة أو متروک أو منزل علی حلیة مال الخراج کقوله علیه السلام: (من أحللنا له شیئاً أصابه من

ص: 103

أعمال الظالمین فهو له حلال و ما حرمنا من ذلک فهو حرام و الناس یعیشون فی فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شیعتنا ذلک) أو منزل علی الولایة و التصرف و إن أمر الأرض راجع إلیهم (علیهم السلام) کقوله فی آخر حیث (سأله عما لکم من الأرض فتبسم و ذکر أن جبریل (علیه السلام) خرق بإبهامه ثمانیة أنهار فی الأرض وعد جیحون و سیحون و صیحان و الخشوع و نیل مصر و دجلة و الفرات فما سقت أو استقت فهو لنا و ما کان لنا فهو لشیعتنا و لیس لعدونا فیه شی ء) أو علی ما یؤخذ من دار الحرب و ما یکون من الأنفال و ما یعامل به المخالف کقوله (علیه السلام): هلک الناس ما فی بطونهم و فروجهم لأنهم لم یؤدوا إلینا حقنا إلا أن شیعتنا وآباءهم من ذلک فی حل) و قوله (علیه السلام): فیمن سأله مسألة عن خادم اشتراه و امرأة یتزوجها أو میراث یصیبه أو تجارة أو شی ء أعطیه فقال: (هذا لشیعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الحی و المیت و ما توالد منهم إلی یوم القیامة فهو لهم حلال) و الأخبار کثیرة بذلک حتی أن بعضهم أسقط من جهتها نصیب الخمس مطلقا و منهم اسقط نصیب الإمام فقط و لکنا لا نقول بهما و کما یجوز الامتناع عن دفعه لا یجوز أن یتولی مصارفه بنفسه إلا علی سبیل الفضولی للأمر بدفعه لغیره و منها أنه یجزی دفعه للجائر و یبرئ ذمته منه أَمّا مع التقیة الفعلیة فلا کلام و بدونها کذلک علی الأقوی للأخبار و کلام الأصحاب حتی کاد أن یکون إجماعاً و لا یتفاوت بین کونه مؤمناً أو مخالفاً من أی فرق الإسلام ما عدا الکافر لإطلاق الأخبار و منقول الإجماع و لأن الغالب إیمان ولاة السلاطین کسلاطین العجم و کذلک أتباعهم و المتولدین منهم و قیل باختصاص ذلک بالمخالفین نظراً إلی حلیة الخراج لهم فی معتقدهم بخلاف المؤمن فإنه یعتقد أنه ظالم غاصب یتعامل الأول علی معتقده و یلزم بما ألزم به نفسه و نظر إلی الاقتصار من لزوم رفع الخراج علی المقطوع به یومئذ و هو المخالف و نظراً إلی أن حلیته أخذه من غیر من یعتقد حلیة قبضه و دفعه موقوف علی المقطوع به و هو المخالف و نظراً إلی أن السؤال فی الأخبار عنهم إما تصریحاً أو بقرائن الأزمنة و الأحوال فیبتنی عموم الجواب علیه و الکل ضعیف بعد البناء علی أن لزوم دفع الخراج للجائر إنما کان لإیصاله إلی أهله بحسب الإمکان لأنهم أقرب مجازاً

ص: 104

للحقیقة بعد الغیبة و عدم بسط ید الحاکم الشرعی لتکفلهم بحفظ الطرق وسد الثغور و منع السراق و العصاة و إن کانوا منهم و إن جوازه أخذه للمؤمنین منهم أیضاً إنما کان توصلًا إلی حقهم مهما أمکن و لاستقامة النظام بذلک للزوم الحرج علی المؤمنین لو تجنبوا عن ذلک و لا مدخل هنا للاعتقاد و عدمه إذ لیس هذا من أموالهم کالمیراث بالعصبة و نحوه حیث یؤخذ منهم إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم و أما خصوص السؤال فلا یحکم علی عموم الجواب علی أن دعوی القرائن ممنوعة غایة المنع و منها أنه لو فقد الجائر أجزأ دفعه لسلطان الحق لأنه أهله و لو لم یکن حاضراً دفع إلی النائب العام فلو لم یکن دفع إلی عدول المسلمین بل یقوی القول بجواز الدفع إلی الحاکم الشرعی مع وجود الجائر إذا لم یتَّقَ منه لما دل علی عموم ولایته من غیر معارض سوی ما دل علی لزوم دفعه للجائر و هو منزل علی عدم التمکن یومئذ من إیصاله إلی السلطان الشرعی للتقیة فلو تمکن حینئذ کان مخیراً فی دفعه بین هذا و بین هذا و لا منافاة بین جواز دفعه للجائر فلو تمکن حینئذ کان مخیراً و إن تمکن من رفعه لسلطان الحق عند بسط یده نعم لو بسطت ید سلطان الحق بالجنود و العساکر و تصدی لمصالح المسلمین لزم دفعه إلیه بلا کلام و منها إن الجائر هو المتسلط علی الأرض تسلط السلطنة العرفیة لا کسلطنة الخوارج التی کالفی ء الزائل و لا کسلطنة المتشخصین بینهم بحیث لم یبق سوی رسم و اسم بلا حقیقة و لا سلطان آخر فی مملکة أخری بحیث یدفع خراج خراسان إلی سلطان الروم و إن لم یثق من سلطان الفرس اقتصاراً علی المتطوع به و منها أنه لو لم یدفع الخراج صاحبه یبقی دیناً علیه یؤدیه فإن مات ففی إجراء حکم الدیون علیه بحیث یخرج من ترکته إشکال و السیرة علی عدم معاملته معاملة الدین و منها أنه یجوز للجائر اسقاط الخراج عن صاحبه و تخفیفه لما یظهر من الأخبار أن أمره یعود إلیه فکما یجوز إعطاؤه یجوز إسقاطه و منها أنه یحل لنا فی زمن الغیبة أن نأخذه من ید الجائر هبة و شراء و أجرة و تحویلًا علی مشغول الذمة من غیر تفاوت بین فقیرنا و غنینا و بین من کان من مصارفه و بین من لم یکن حتی الزکاة علی ما سیجی ء إن شاء الله تعالی کل ذلک لإطلاق الأخبار المتکاثرة بل المتواترة و الاجماعات المنقولة و السیرة

ص: 105

القطعیة فما فی بعض الأخبار من الإشعار بأَن الأخذ إنما یأخذ نصیبه من بیت المال فما لم یکن له نصیب و لا حق له فیه لم یشمله دلیل الإذن القاطع لدلیل المنع لعدم مقاومته لتلک الأدلة محمول علی أن بیت المال للمؤمنین و لهم النصیب فیه و قد منعوهم عنه و الأحوط اقتصار الأخذ علی ما جاز أخذه له لو کان بید سلطان الحق اقتصاراً فی الجواز علی المقطوع به و منها أن زکاة الانعام و الطعام یجب دفعها مع مطالبة الجائر و التقیة منه و بعد دفعها یحل أخذها منه و لا یجب دفعها لأربابها و یصح شراؤها و اتهابها إلا أن الفرق بینهما بأمور:

أحدها: أنه لو لم یثق و یخشَ الضرر و لم یجب الدفع للجائر بل و لا یندب من حیث أنها زکاة بل یدفعها أو إلی سلطان الحق.

ثانیها: أن فی اجزائها عن زکاته وجهی الاجزاء لأن امتثال الأمر یقضی به و للزوم الضرر علی المالک بدفعها مرتین فهی کالخراج لا یؤدی إلا مرة واحدة و لأن اخذ الجائر لها بمنزلة عزل المالک لها ثمّ تغصب بعد ذلک فان ذلک مجری و لأن الجائر بمنزلة الغاصب لحصة الشریک فیکون ما قبضه متعیناً للزکاة و للأخبار الدالة علی أن ما اخذه منکم (بنو أمیة) فاحتسبوا به فان المال لا یبقی علی أن یزکیه مرتین و علی أن صدقة المال یأخذه السلطان فقال لا آمرک أن تعیدوا أن المال لا یزکی فی عام مرتین و عدمه لاستصحاب شغل الذمة و لاحتمال حمل الأخبار علی حالة عزلها و اخذها بعد ذلک علی التقیة أو علی إجازة الإمام (علیه السلام) أو علی وصولها لاهلها و مستحقها مع علم المالک و بنیة القربة و للخبر الصحیح أن هؤلاء المصدقین یأتون فیأخذون منا الصدقة فنعطیهم إیاها أَ مجزئ قال لا إنما هؤلاء قوم غصبوکم و ظلموکم و انما الصدقة لأهلها و لا یبعد قوة الاخیر.

ثالثها: أنه لو قلنا بأجزائها زکاة یشترط فیها کون الأخذ مخالفاً و کونه لا یزید علیها فی مذهبه فلو زاد احتسب المساوی زکاة إلا أنه یحرم أخذها و شراؤها لمکان الاشاعة و ان یعرفها فی اهلها علی مذهبه مع احتمال منع الاشتراط فی جمیع ذلک إلا فی الزیادة المتمیزة لأنها ظلم ظاهر و هل یشترط فیها نیة القربة عند دفعها للجائر وجه

ص: 106

و لو اعادها الجائر إلیه بهبة ففی وجوب دفعها مرة اخری علی القول بإجزائها وجه و منها أن بعضاً من اصحابنا حرموا تناول الخراج علی المؤمنین استناداً إلی حرمة التصرف بمال اخذ من اهله ظلماً من غیر حق و لم یأذن اهله فیه و لم یعرضوا عنه و یردهم الاجماع و السیرة القطعیة و لزوم العسر و الحرج و الاخبار المتکثرة کخبر الحذاء فیمن یشتری من السلطان إبل الصدقة و غنمها و هو یعلم انهم یأخذون اکثر من الحق الذی لهم قال أما الابل و الغنم فلا إلا مثل الحنطة و الشعیر و غیر ذلک لا بأس حتی یعرف الحرام بعینه و الظاهر أن المراد بالحنطة و الشعیر هو مال المقاسمة و الظاهر أن الزیادة المشاعة لا تمنع الشراء حتی یعلم الحرام بعینه مفصولًا لا معزولا و الخبر الآخر: (ما منع بن ابی سماک أن یبعث علیک بعطائک أما علم أن لک من بیت المال نصیباً) و الآخر فیمن یشتری من العامل و هو یظلم فقال یشتری منه ما لم یظلم فیه أحد.

و الرابع: اشتری من العامل الشی ء و أنا اعلم أنه یظلم قال اشتر منه.

و الخامس: اشتری الطعام و یجیئُنی من یتظلم و یبیعنی من یظلم قال اشتره.

و السادس: فیمن یتقبل بخراج الأرض و جزیة رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمک و الطیر قال إذا علمت أن من ذلک شیئاً واحداً قد أَدرک فاشتره و تقبل به.

و السابع: قریب إلیه.

و الثامن: لا بأس أن یتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث قال: لا بأس.

و التاسع: فیمن استأجر من السلطان ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمی ثمّ آجرها قال نعم إذا حفر لهم نهرا و عمل لهم شیئاً یعینهم بذلک فله ذلک.

و العاشر: فیمن یتقبل الأرض ثمّ یؤجرها قال لا باس و اجارتها بعد استئجارها بمنزلة اخذ الخراج من الجائر و مثل هذه الأخبار کثیرة و مثل هذه الأخبار کثیر کأخبار قبول الأئمة (علیهم السلام) جوائز أهل الجور و من المعلوم أن غالب دفعهم من الخراج و شبهه و قبول جوائز الخلفاء الثلاثة و الأمویین و العباسیین لأصحاب الأئمة (علیهم السلام) ما لا یکاد

ص: 107

ینکر و لا یحصر و فی الخبر عن شراء الخیانة و السرقة فقال فی أحدها (لا إلا أن یکون من متاع السلطان) و فی الثانی إذا عرفت أنه کذلک فلا إلا أن یکون شی ء اشتریته من العامل نعم یندب إرجاع مال الخراج إلی مستحقیه من المؤمنین کما کان یفعل (علی بن یقطین) و قول الإمام (علیه السلام): (إِتَّقِ أموال الشیعة محمول علی الندب أو علی ما اخذ حراماً و ظلماً من الزیادات و غیرها) و منها أن اخذ الخراج من علمائهم و التابعین لهم و أهل الجرایات و الوظائف حکمه حکمهم للسیرة و إطلاق جملة من الأخبار و منها أن اخذ المخالف کأخذ الموافق الموافق ما لم یکن عاملًا و فی تملکه لأن الخراج للمسلمین فیصح تناوله للمخالف و لو کان من الموافق و عدمه لأنه لأهل الحق و لیس من اهله لأن تحلیله إرفاقاً بالشیعة للزوم الحرج علیهم و لامتناع وصولهم إلی حقوقهم فأذن الشرع بتناولهم دفعاً للمشقة و إیصالهم لما یستحقونه مهما أمکن و یحتمل الفرق بین اخذ المخالف من المخالف فیجری علیه حکم الخراج للمؤمنین و بین أخذه من الموافق فلا یجری لأنه دفعه بخلاف معتقده و منها أن مصرف الخراج علی مصالح المسلمین العامة عند تمکن الحاکم الشرعی کبناء القناطر و المساجد و تعمیر الأوقاف و کتابة الکتب و إعانة أهل العلم لطلب العلم و للغزاة و المجاهدین و لبناء المدارس و القلاع عند خوف هجوم العدو علی المسلمین. و أما دفعه للفقراء من حیثیة الفقر ففی بعض الأخبار ما یشعر به و لکن الأظهر و فی زمن الغیبة لو دفعه الجائر للفقراء فلا یبعد جواز قبوله سیما لو لم یصرف فی المصالح و لم یمکن أو لم یکن محل حاجة و منها أن ضرب الخراج بنظر سلطان الحق علی ما یراه مما یکون عوضاً من منافع الأرض و هو مختلف زماناً و مکاناً و عملًا و عاملًا کما تدل علیه بعض الروایات و کذا ضربه من الحاکم الجور ما لم یزد فی الظلم بحیث یتجاوز العادات بالنسبة للمعاوضات و لو قطع سلطان جاز لمن بعده نقضه و کذا لو زاد أو نقص و لو اجر سنین متعددة ففی مضیها علی الذی بعده و انتهائها بعزل الأول أو موته وجهان و لا یبعد أن للثانی نقض الإجارة أو إمضاؤها و أما من کانت ولایته من السلطان سنَّة فالظاهر عدم مضی إجارته فی الزائد علیها إلا مع إجازة الثانی لأن الظاهر أن السنة الأولی ظرف للولایة و التصرف

ص: 108

لا ظرف للولایة و إن زاد التصرف علی سنة و منها أن ضرب الخراج لا یفترق إلی رضا المضروب علیه بل یکفی ضرب السلطان فی شغل الذمة بالقدر و وجوب أدائه و الخراج إذا لم یتعین جنسه انصرف إلی الدراهم و الدنانیر و أما المقاسمة فهی من حاصل الأرض فیکون شریکاً و منها أن الخراج و المقاسمة و الزکاة من مؤن المال فیجب ما سواها و یدفع زکاته إن بلغ النصاب و إن لم یبلغ احتیاطاً و منها أن المتقبلین الأرض من الجائر و لکنهم رأس قد یکونون مستاجرین أو مشترین و قد یکونون ولاة یتسمون باسم المستأجرین رأس الظالمین و المعتدین فیحرم علیهم حینئذ التصرف بالارض و أخذ خراجها من الغاصبین و الزَرّاعین و قد یکونون وجهتین فهم قادمون علی إجارة الأرض و قبالتها و قادمون علی الولایة و الوکالة و النهب و الغصب و الاعانة للسلطان و تقویته کباقی جنوده و الغالب فی هذا الزمان جمعهما بولایة واحدة و التزامهما بقول واحد فیدخلون حینئذ فی حکم الجائرین و یحرم علیهم ما یحرم علیهم حتی لو اشتری وال من وال أو عامل له من عامل منه ففی صحة الشراء إشکال لأن المتیقن فی الانتقال هو ما لم یکن منهم و یصرفهم فی مصارفهم نعم لوجود نفسه عن الولایة فاشتری لقوته و لعیاله جاز و لو کان جائران فوهب احدهما شخصاً و منع الآخر فلا یبعد تقدیم الواهب.

السابع و السبعون: یحرم التکسب بالمال المختلط حلاله بحرامه علی نحو القبض و الاقباض و التصرف

و إن تبعضت الصفقة بالنسبة إلی العقد و یفسد فی الحرام بل یحرم العقد لو نوی السلطنة فی النقل و الانتقال لمکان التشریع و تفصیل القول فی ذلک أن الاختلاط إما أن یکون علی وجه المزج الذی یدخل بعضه فی بعض فلا یتمیز کماء و ماء و دبس و دبس و عسل و عسل و دهن و دهن أو علی وجه اشتباه الحبوب المتشابهة کالحنطة و الشعیر و الدراهم و الدنانیر المتماثلة إذا اختلطت و لم یمکن تمییزها إذا اختلط نوع بمثله و یلحق به الظروف و الأوانی إذا تشابهت و اختلطت و لم یتمیزا و علی وجه الجهالة به کما إذا دخل محرم للدار لم أعرفه ما هو و لو عرفته لم یشتبه بغیره من جهة المماثلة إذ لا مماثل له یختلط به بخلاف الحبوب فإنک لو عرفتها قبل الخلط لم تعرفها

ص: 109

بعده و الأول من هذه الأقسام موجب للشرکة علی نسبة قیمة المال و القسم الثانی إن أمکن تمیزه بالقرعة لم یوجب الشرکة و إلا أوجبها و القسم الثالث إن لم یمکن استخراجه بالقرعة فالطریق إلی الخلاص منه بالصلح ثمّ إن المختلط أما أن یعلم أهله کلًا أو بعضاً أو لا یعلم ثمّ إما أن یعلم قدره أم لا و معلوم القدر أما فی الجملة أو علی التحقیق و المجهول أهله إما فیما لا ینحصر أو فیما ینحصر فالمختلط بالحرام إذا کان أهله مجهولین أصلًا أخرج خمسة للإجماع المنقول و الأخبار الدالة علی الخمس و دفع لبنی هاشم و لظاهر لفظ الخمس و خلطه مع المعادن و الغنیمة و الغوص و الاقتصار علی المتیقن کلها یقضی أنه لبنی هاشم و لفظ التصدق و إن ظهر منه أنه لغیرهم لا یحکم علی ما هو أظهر منه وحل الباقی لصاحبه و إن علم قدره فی الجملة فإن علم زیادته علی الخمس احتمل أن إخراج الخمس محلل للباقی أیضاً آخذاً بالإطلاق و إن علم نقصه أخرج الخمس تعبداً کذلک للإطلاق و احتمل لزوم الصلح مع الحاکم فی مقام الزیادة ثمّ التصدق به أو التصدق بکل المحتمل من دون صلح أو بالمتیقن أو اخراج الخمس و التصدق بما یحتمل زیادته أو بالمتیقن زیادته و فی مقام النقیصة احتمل الصدقة بجمیع المحتمل أو الصدقة بالمتیقن أو الصلح مع الحاکم ثمّ الصدقة و فی مقام معلومیة الخمس احتمل التصدق به و احتمل کونه خمساً و لو علم فقد الزیادة علی الخمس بطل الصلح و جاءت الوجوه المتقدمة و کذا إن علم قدر النقصان و إن کان أهله معلومین احتمل لزوم رفع ما یتیقن فراغ ذمته و احتمل لزوم رفع ما تیقن شغل ذمته به و احتمل التنصیف إن کان الحرام لواحد و التثلیث إن کان الحرام لاثنین لا للید لأن الید واحدة کما هو مفروض المسألة بل لأصالة عدم التفاضل و الأقوی إِنّ ما تحت الید ملک لأهله إلا المتیقن و احتمل لزوم الصلح مع التراضی أو القهری مع عدمه لأن رفع یقین البراءة إجحاف بالمدفوع إلیه و الصلح قاطع للنزاع فیقهر من طلب الزیادة و الإجحاف إلی ما یراه الحاکم و لو اجتمعت أموال محرمة لأفراد معلومین احتمل التسویة لما ذکر و احتمل لزوم الصلح مع الرضا أو القهری لو امتنع أحدهما فطلب الزیادة و لو کان المال تحت ید أهله فاشتبه قدره تساووا فیه لموجب الید و أصالة عدم التفاضل و إذا کان أهل المال

ص: 110

مشتبهین فی محصور قوی استخراج صاحبه بالقرعة و احتمل التوزیع و احتمل کونه کالمجهول من غیر المحصور یعود للحاکم و فی منع الجمیع دفع المستحق عن استحقاقه و فی التوزیع دفع مال شخص إلی آخر و فی القرعة وصول الحق إلی أهله بطریق شرعی و العلم بجهة الحرام کخمس و زکاة علم بالأرباب و المتولی لجمیع المالک و إلا فولیه و إلا فالحاکم و فی صورة الامتزاج بالوقف یتعین الصلح و یجعل وقفاً و لو کان المشتبه وقفاً و غیره جری علی کل حکم و لو دخل من ینعتق علی صاحب المال فی الحرام فان أخرج خمسه حل الباقی و لا ینعتق علیه أحد لاحتمال أنه فی المدفوع و الاصل فی الانعتاق العدم و احتمل تحکیم القرعة قبل الخمس و احتمل بعده فان حکمها قبل فعرف نقصان الحرام عن الخمس الحکم المتقدم و إن اجتمعت أموال محرمة مختلطة فعرف صاحب لبعضها کان من المال المختلط بالنسبة إلیه و کذا لو ملک بعضها احد مشاعاً بصلح مع الحاکم و نحوه و لو اشتبه الحال باللقطة صولح علیها الحاکم و عرف إن امکن و إن لم یمکن التعریف رجع إلی حکم دفع الخمس و لو دفع خمس المال فتبین صاحبه ضمن لصاحبه و لا یضمن المدفوع إلیه و کذا لو تصدق نعم لو دفع الخمس إلی الحاکم أو صالح الحاکم فدفع إلیه مال الصلح أو دفع إلیه مال الصدقة له لا لله لولایته لم یضمن الدافع و لا المدفوع إلیه و یحتمل عود الضمان علی بیت المال و لو کان المختلط وقفاً عاماً و خاصاً مختلف أهله وجهته فاختلط بوقف عام أو خاص حلال احتمل إجزاء دفع الخمس فیحل له الباقی فیکون وقفاً و ینفسخ الوقف بالنسبة إلی الخمس و احتمل هنا لزوم الصلح و إعطاء کل حکمه و لو اجتمع عند شخص أموال مختلطه من وجوه وقف متعددة لا یعرف أهلها و لا یمیز مصرفها و لا یمیز بعضها عن بعض احتمل انفساخ الوقف و یکون صدقة و بقاؤه وقفاً فی الجملة و الصدقة بنمائه مطلقاً أو الفرق بین العام فالصدقة بنمائِه و الخاص فالصدقة بعینه و یصالح الحاکم علی تعیین العام من الخاص عند الاشتباه و کل من بیده مجهول المالک لا یجوز له دفعه لمن ادعاه إلا ببینة فإن لم یکن بید أحد فلا تجوز معارضة من یدعیه و یؤخذ منه و لو اختلط فی الزکاة أو الخمس أموال محرمة مجهولة القدر و الصاحب احتمل إخراج خمسها

ص: 111

و یحل الباقی بزکاة و احتمل لزوم الصدقة لجمیعها و فی الخمس یحتمل لزوم الصلح و یحتمل عوده خمساً کله و لو اجتمع فی ذمته أموال من قرض أو غصب لا یعرف أهلها و لا قدرها صالح الحاکم و دفعها إلیه و یحتمل جواز الدفع بیده و إن کان ما یقطع بفراغ به أحوط و ما تیقن شغل ذمته به أقوی و لو کان منها معلوم أهله صالحهم أو دفع المقطوع بالفراغ به أو المقطوع بشغل الذمة به.

الثامن و السبعون: یحرم علی الإنسان التکسب بمال ابیه و أخیه و أخته

و أصدقائه و أزواجهما و زوجاته و عماته و أخواله و خالاته و سائر أرحامه سوی ما استثنی من البیوت من الأکل فیها ما لم یظهر من المالک نهی صریح أو فحوی أو ظن قوی بعدم الرضا من الإمارات و الفرق بین المستثنی و بین غیره توقف غیره علی الإذن الصریحة أو الظن الحاصل من دلالة قول أو فعل علی الرضا بالأکل أو الأخذ أو التکسب به لحرمة مال الغیر عقلًا و نقلًا إلا ما دل الدلیل علی حلیته نعم یستثنی من ذلک الضرورة فی المخمصة فإنه یجوز التناول قرضاً و إن لم یرض المالک لمن لا یتمکن من دفع العوض فی الحال و الأحوط الإذن من الحاکم و إذا أمکن دفع العوض فی الحال وجب و إن لم یمکن الأمران إن جاز مجاناً و یستثنی من ذلک واجب النفقة فإنه یتناول مقدار نفقته عند الامتناع و الأحوط الرجوع للحاکم مهما أمکن و یستثنی من ذلک الزوجة الدائمة دون المتعة و الرجعیة علی الظاهر الراجع أمر الرجل إلیها فی بیته بان لا یکون لها بیت آخر أو ناشزه فی المأدوم من ملح أو خل أو دهن أو لحم علی إشکال فی الأخیرین کالإشکال فی الخبز و الفاکهة بأن تتصدق به بشرط کونه یسیراً و لیس من المقومات عند أهل الأموال و لا قلیلًا سواه و یشترط أن یکون جامعاً لشرائط الصدقة و أن لا ینهاها صریحاً أو فحوی و من أتجر بمال الطفل و لم یکن أباً و إن علا کان الربح للیتیم إن لم یکن ولیاً و إن نواه لنفسه و کذا لو کان ولیاً و لکنه غیر ملی فإن لم یربح المال بطل العقد من غیر الولی فإن لم یربح المال بطل العقد من غیر الولی و غیر الولی الملی و لحصول الإجازة السماویة فی الأول دون الثانی و یجوز للولی الملی أن یتجر مع الملاءة بمال الیتیم لنفسه و یکون قرضاً علیه و لا یشترط الرهن علیه و الضمین نعم یشترط ذلک فی الأجنبی

ص: 112

و یشترط الغبطة فی التصرف من الأجنبی بل و من الولی فی الجملة أما الأب و الجد للأب فیجوز له التکسب بمال ابنه الصغیر لنفسه و للصغیر و لا یشترط فیه الملاءة و لا الغبطة و له الاقتراض مع العسر و الیسر و له أن یشتری من مال ولده الصغیر و المجنون و السفیه المستمر سفهه نقداً و نسیئةً فیکون موجباً قابلًا و ان یقوم جاریة ولده علیه فیطأها معاطاة أو بلفظ البیع و نحوه أو بلفظ التقویم و له أن یتناول نفقته مع عسره من ماله من دون استئذان أحد و أما الکبیر الذی لا ولایة له علیه فیجوز له الأکل من بیته مع عدم النهی و یجوز له تناول نفقته منه و إن کان معسراً و الولد مؤسر مع عدم حضوره و لا یفتقر إلی الرجوع إلی الحاکم بل ربما یقال أن له الأخذ و لو مع حضوره مقتصراً علی ما یجب علی الولد بدله و أما بدون ذلک فلا یجوز للأب التصرف و التکسب بمال ولده إلا مع الضرورة أو الإذن للأصل و عمومات الأدلة و خصوص الأخبار و ما ورد (أنت و مالک لأبیک) مصروف عن حقیقته و قیل أنه قضیة فی واقعة و القول بجواز تصرف الوالد بمال ولده الکبیر مطلقاً أو فی خصوص حج الإسلام أو فی خصوص وطء الجاریة للأخبار الواردة فی ذلک ضعیف لا یقاوم ما قدمناه فتطرح أو تحمل علی الاضطرار أو الإذن الفحوائیة أو علی الأخذ من النفقة فی بعض أو علی القرض من مال الطفل فی بعض آخر أو علی الإرشاد إلی الندب لإذن الولد فی ذلک لو فعل الاب ذلک و یکره للزوج لو دفعت إلیه الزوجة مالا لیتجر به لنفسه أن یفعل ما فیه غضاضة علیها فیجعله مهرا لامرأة أخری أو عطیة لضرتها أو یشتری جاریة لیطأها و ربما یسری الحکم لکل مدفوع إلیه إذا فعل فیه ما یشین الدافع.

التاسع و السبعون: یحرم التکسب بما یأخذه الإنسان من ثمره نخل أو شجر أو زرع أو خضر إذا مر بها اتفاقاً من دون قصد

فلا یجوز له نقل ما یأخذه إلا للأکل و لا یجوز بیعه علی أهله و لا علی من یمر مثله و لا علی آخر ثالث سواء کان المتبع اکله أو زائد علیه نعم یباح الأکل له مع شاهد الحال من وضع البساتین أو من عادة أهلها فی البساتین المنصوبة فی الطرق و نحو ذلک بل لا یبعد الجواز ما لم یعلم النهی للأخبار و الاجماعات المنقولة و لکن بشرط أن لا یقصد المرور للأکل و لا یفسد بالاکل أو

ص: 113

بالمرور فیهدم حائطاً أو یکسر شجرة أو یلقی ثمرها إلی و لا یجحف و لو بعد أکل الغیر منه کما إذا بقی ما أن أکله لم یبق شی ء منه و قد ذکرنا المسألة فی عمل آخر.

الثمانون: یحرم التکسب بمنافع الأجیر الخاص

و هو المأخوذ علیه المباشرة لعمل مطلق أو معین فی وقت معین منطبق علی العمل بتمامه وقتاً أو فوریة أو فی أوله أو وسطه أو آخره بأن یکون أجیر العیر المستأجر فی ذلک الوقت بعمل مشروط علیه مباشرته ینافی العمل الأول و یضاده لعدم سلطانه علی نفسه و لعدم القدرة علی تسلیم منافعه المملوکة للغیر و لزوم اجتماع مالکین علی مملوک واحد أو تکلیف ما لا یطاق و مثله من حوطب بعمل معین فی وقت معین کصوم شهر رمضان أو نذر أو حج استؤجر فی وقت خاص فإنه لا یجوز له إجارة نفسه علی عمل یضاده و لا أن یفعله تبرعاً و یفسد حیث یکون عبادة منه لعدم إمکان توجه الأمر بعد حرمة الاستیفاء و لامتناع تعلق الإجارة الثانیة بالمجال لاستحالة التکلیف بالمحال و للزوم التشریع و لتعلق النهی بناء علی أن الأمر بالشی ء یقضی النهی بالنهی عن ضده و لا یحل فی غیر العبادة لأنه ظلم و عدوان لاستیفاء مال الغیر و منفعته و باستعمال الجوارح التی قد تعلق بها حق الأول تعلق الرهانة قیل و للإجماع محصلًا و منقولًا و الأخبار فی بعض الموارد تعم بتنقیح المناط و الإجارة المطلقة و لا تقضی بالفوریة علی الأظهر بالنسبة إلی العمل و إن اقتضت الحلول فی النقل و الانتقال و القول باقتضاء الفوریة عرفاً للطالب وجه غیر بعید و لا تقضی بالمباشرة ما لم یظهر من الخطاب ذلک أو من قرائن الأحوال لأن المقصود فی الإجارة مجرد إیقاع ما استؤجر علیه فی الخارج من دون ملاحظة المباشرة فالمقصود فی الإجارة أن یملک علیه العمل بحیث یوجده فی الخارج بنفسه أو بوکیله أو بأجیر له بخلاف أوامر الشارع فی العبادات المفقودة منها مجرد العبودیة و الخضوع فإن الأصل فیها المباشرة و لذلک ینعکس الحکم فیما أمر الشارع به و فهمنا منه إرادة مجرد وجوده فی الخارج ثمّ إن الأجیر الخاص لو عمل لغیره فإما أن یکون باجرة مسماة أو تبرعاً أو بأجرة المثل من دون ملاحظة المسمی و العمل إما عبادة أو غیرها و الجمیع إما مجانس أو مخالف و الجمیع وقوعه عملًا أو سهواً فإن تماثل العملان أو دخل أحدهما فی الآخر

ص: 114

و أجاز المستأجر الإجارة لنا استحق المسمی فی الثانیة و أعطی الأجیر أجرته و إن لم یجرها و لم یکن مسمی و کانت مطلقة و قد استوفی فی الثانی تمام المدة تخیر بین الرجوع علی الأجیر أو المستوفی باجرة مثل العمل المستوفی او الغالب أو الفسخ و مع الرجوع علی المستوفی بأجرة التفاوت یرجع المستوفی علی الأجیر بالتفاوت إن کان مغروراً من قبله و لو رجع علی الاجیر بأجرة المستوفی رجع الأجیر الیه مع عدم غروره بالتفاوت و لو فسخ فأجاز الأجیر الثانیة بعده بناء علی صحة اجارة من فعل شیئاً ثمّ ملکه صحت الثانیة و لزم المسمی للآخر و إن لم یجز و لم یجز ذلک فلیس للأجیر علی الثانی سوی أجرة المستوفی دون المسمی مع عدم غروره و مع غروره أقل الأمرین و لو اشترک فی العمل بین المستأجر و غیره سلط المستأجر علی الفسخ لتبعیض الصفقة أو الإمضاء فیرجع بأجرة المستوفی علی من شاء من الأجیر و غیره أو أجرة المدة المعلومة و لو ترک الأجیر العمل لهما استحقت الإجارة و الکلام فی الرجوع بالمقبوض من مال الإجارة مبنی علی تعیین من یستحقه کما تقدم و لو تضاد الإجارتان فسدت الأولی مع الإجازة و صحت الثانیة و عاد مسماهما للاجیر و مع عدم الإجازة فللأول الرجوع لأن الثانیة لا مانع من صحتها سوی تعلق حق المستأجر الأول فإذا أجاز صحت الثانیة و بطلت الأولی لعدم إمکان الاجتماع و لو کانت الثانیة عبادة أحتمل صحتها لأن النهی عن الضد لا یقضی بالفساد و احتمل فسادها لأنه تصرف بملک الغیر فی الجملة و له فیها تعلق الرهانة و مع عدم الإجازة فللأول الرجوع علی من شاء منهما بالفائت فإن رجع علی المستأجر رجع المستأجر علی الأجیر بالتفاوت مع غروره و لیس للاجیر مع الرجوع إلیه سوی الاقل من اجرة المستوفی أو المسمی و یحتمل صحة الثانیة و إن لم تجز غایته أنه منهی عنه و النهی لا یقضی بالفساد و لمکان التفویت و یجوز إجارة الاجیر المطلق مطلقاً و خاصاً و إجارة الخاص مطلقاً و لو فهمنا من إجارة العبادات الفوریة امتنعت المطلقتان و المطلقة فی الوقت الخاص إلا أن یکون من باب المطلق و المقیَّد و لو تضیقت المطلقة لم تجز الإجارة الخاصة وقت التضیق علی الاظهر و لو تضیقت

ص: 115

المطلقتان اختار المستاجر ایهما شاء و ضمن الفائت بأجرة المثل و لو استأجر علی مضیقتین دفعة بطل العقد و إلا لزم الترجیح من دون مرجح.

الواحد و الثمانون: یحرم التکسب و الأخذ و النقل بما یقدم للضیف من الطعام و الإکرام للأکل

إلا إذا اقتضت العادة بجواز حمله و نقله و اباحة التصرف فیه فیکون أخذه و التصرف فیه بالاذن الفحوائیة و لو ظنیة لقیام السیرة علی ذلک و حینئذ لو حمله فباعه صح بیعه لإباحة التصرف فیه و یملک الثمن فأقلّه بتمام صیغة البیع او معاطاته فیملک البیع آنا ما بصیغة البیع فیملک الثمن و یکون یمکن الا یکون بین الملکین تقدم زمانی بل تقدم ذاتی کتقدم العلة علی المعلول و بما ذکرناه یحل أخذ ما ینشر أو یقدم فی الأعراس أو نحو ذلک.

الثانی و الثمانون: یحرم التکسب بغیر الحر فی جمیع المعاوضات

و یحرم نقله فی جمیع المجانیات و یحرم التکسب بغیر أم الولد فی جمیع عقود المعاوضات سوی ما استثنی و کذا یحرم نقلها بجمیع المجانیات. و کذا یحرم التکسب بعین الوقف العام و الخاص سوی ما استثنی. و کذا نقله بجمیع المجانیات و یحرم التکسب فی نقل المصحف إلی الکافر و کذا نقله فی العقود و المجانیة. و یحرم التکسب بالأرض الخراجیة عیناً أو منفعة لغیر الحاکم الشرعی أو الجائر إلا ما ملک منها تبعاً لآثار التصرف. و کذا یحرم التکسب عیناً و منفعة فی المباحات قبل ملکها أو حیازتها أو الاختصاص بها. و کذا نقلها بالنواقل المجانیة. و کذا یحرم التکسب فی عقود المعاوضات فی غیر المقدور علی تسلیمة عیناً أو منفعة حتی الصلح فی أقوی الوجهین و حتی فی المهور و عوض الخلع. و کذا یحرم التکسب فیما لا یتمول فی عقود المعاوضات حتی فی الصلح و المهر و عوض الخلع و الظاهر أن العین و المنفعة سواء و لا یلحق بها هنا العقود الجائزة و یحرم التکسب فیما تعلق فیه حق من نذر أو عوض عهد أو یمین زجراً أو شکراً و کذا العقود المجانیة. و کذا یحرم التکسب بما تعلق فیه للمیت حق و إن بقی علی الملک کالکفن و شبهه. و کذا العقود المجانیة. و کذا یحرم التکسب بالمال المتعلق به حق الغیر من دون إذنه کالرهن و ترکة المیت المستغرقة فی الدین من دون إذن الغریم أو إیفائه من الوارث. و کذا یحرم

ص: 116

التکسب بمال الزکاة و الخمس لغیر الحاکم قبل قبضه و ملکه لمستحقه و غیره إلا للمالک مع ضمانه. و کذا یحرم التکسب بالمعدوم فی غیر ما استثنی من البیع و الإجارة و فی الصلح کلام.

و کذا یحرم التکسب بالمبهم الذی لا وجود له کأحد الأشیاء و کل ما یؤول إلی العلم واقعاً لا ظاهراً. و کذا یحرم التکسب بالمجهول بالفعل فی خصوص البیع و إن آل إلی العلم و کذا الإجارة و هذه جمیعها و یلحقها جملة أخری ترکنا الکلام علیها لأنها تذکر فی کتاب البیع و الإجارة و القرض و غیرها و یأتی جملة منها فی الشرائط و منها فی الصرف و منها فی السلم و فی الخیارات.

الثالث و الثمانون: ذکرنا حرمة التکسب بمال الغیر من غیر إذنه

و نذکر هنا بعض المستثنیات منها المال المعرض عنه من مالکه فإنه یحل أخذه لمن تسلط علیه و قبضه بنیة التملک أو بدونها إلا أنه مع نیة التملک یملکه و هل یخرج عن ملک الأول بالاعراض و یدخل فی ملک الثانی عند تملکه له أو أنه یخرج عن ملک الأول و یدخل فی ملک الثانی تملکه وجهان و لو أَعرض عن ماله لجهة خاصة أو لقوم خاصین ففی تحقق الإعراض وجهان و الاعراض عن الوقف لا یخرجه عن الوقفیة و لو وجد المعرض ماله فهل هو أحق به وجه و لا یفتقر الإعراض إلی نیة بل لو کان حال المال مما یعرض عنه تحقق الإعراض نعم لو قال إنی لا أعرض عن هذا المال ففی نفوذه وجه و حلیة المال المعرض عنه یشهد لها قوله إلا بطیب نفسه و إنه من قبیل إباحة المالک

فحوی و ما جاء فی البعیر لو وجد فی غیر کلأ و ماء و کان مریضاً و منها لقطة مادون الدرهم فی غیر الحرم فإنه یصح أخذها و تملکها و التکسب بها و کذا اللقطة مطلقاً بعد التعریف سنة فإنه له کذلک و إن ضمن لصاحبها فی المقامین علی الأظهر و کذا الضالة لو وجدت فی الفلاة من جهد فی غیر کلأ و مرعی فإنه یجوز تملکها و التکسب بها و لا ضمان علی الاقوی و فی وجوب إرجاع عینها لو طلبها المالک بحث و الظاهر أن البعیر و الفرس و الحمار سواء و کذا الشاة و صغار تلک الحیوانات لو وجدت فی الفلاة فإنه یجوز تملکها و التکسب بها سواء کانت فی کلأ و مرعی أم لا و فی ضمانها وجهان

ص: 117

و یحتمل إجراء حکم المال الصامت علی غیر الشاة مطلقاً حتی الدجاجة و کذا کل حیوان لا یمتنع بنفسه من السباع لضعفه أو لصغره و الأحوط إجراء حکم لقطة الصامت علیه و لا یجوز التقاط الحیوان مطلقاً فی العمران کما سیجی ء فی اللقطة إن شاء الله تعالی فلو التقطه عرف به سنة إذا بلغ الدرهم و فیما لا یبلغ وجهان إلا الشاة فإنه یحبسها ثلاثة أیام فإن ظهر صاحبها و إلا باعها و تصدق بثمنها و ضمن و لا یجوز تملک الشاة و لا غیرها و لو بعد التعریف سنة علی الأظهر لحرمة التقاطها مع احتمال إجراء حکم لقطة المال الصامت علیه و منها الأرض المحیاة لشخص لو ملکها بالإحیاء ثمّ ترک عمارتها حتی خربت فإنه یجوز التصرف بها للثانی و التکسب بها و إن لم یرض الأول نعم علیه أن یؤدی للأول قسطها و لو قلنا بملکیة الثانی لها خرجت عن موضوع المسألة و منها میاه الأنهار المملوکة فی طریق المسلمین فإنه یجوز التصرف بها بوضوء و غسل بل و الاکتساب بما أخذه منه ما لم ینه المالک و منها الأراضی المتسعة التی یلزم من اجتنابها العسر و الحرج فإنه یجوز لغیر غاصبها التصرف بها و إن لم یجز التکسب بها و منها المقاصة لمن علیه دین فامتنع عن وفائه یجوز أخذه و تملکه و التکسب به مقاصة عما علیه و أحکامه کثیرة فی باب الدین و منها الودعی لو علم تعلق الحج برقبة المستودع فمات جاز له أن یأخذ من الودیعة ما استأجر به للحج من المبیعات لنفسه أو غیره مع علمه بمنع الوارث و استئذان الحاکم أحوط و منها أنه یجوز أن یؤخذ ممن امتنع من دفع زکاة أو خمس أو نذر أو کفارة بإذن الحاکم مهما أمکن و یجوز أن یتملکه إذا کان من أهله و یکتسب به و منها یجوز للمحسن أن یأخذ و یتصرف فی مال المحسن إلیه لعموم ما علی المحسنین من سبیل و ذلک فی مواضع و سیجی ء جملة منها.

المطلب الثانی: فی قواعد تشترک فیها أکثر العقود

القاعدة الأولی: أن العقود تتبع القصود

لأن المقصد هو المقدمة للعقد و هو المتبادر منه لغةً و شرعاً فینصرف إلیه لفظ العقد و لفظ أنواعه من البیع و إجارة و غیرها و یدخل تحت قوله (لا عمل إلا بنیة) و هو الذی یبتنی علیه التراضی الذی هو شرط فی التجارة فلو خلا عن قصد اللفظ کالغالط أو قصد المعنی کالهازل و العابث و النائم

ص: 118

و السکران و المغلوب علی اختیاره کالغضبان بطل العقد و لا بد من استمرار القصد من ابتداء الإیجاب إلی تمام القبول للموجب و من ابتداء الإیجاب إلی تمام القبول للقابل فلو لم یسمع القابل الإیجاب أولم یعقله لسکر أو إغماء لم ینفعه القبول بعد ذلک و لو سمع الإیجاب غیر عازم علی القبول أو ردد الإیجاب ففی صحة القبول اشکال و هذا الأخیر فی العقود اللّازمة و أما الجائزة فقد یتسامح فیها ما لا یتسامح فی غیرها.

الثانیة: التراضی یشترط فی العقود

لانصراف العقد إلیه لغة و عرفاً و لأنه لا یحل مال امرئ مسلم إلا بطیب و لقوله إلا أن تکون تجارة عن تراض و لا یشترط هنا استمرار الرضا من ابتداء الإیجاب إلی تمام القبول و کذا للقابل بل لو أوقع الإیجاب مکرهاً فرضی عند القبول أو بعده أو أوقع القابل القبول راضیاً بعد الإکراه حین الإیجاب صح العقد لأن الرضا الواقع بعد الصیغة کالمقارن استناداً إلی دخول العقد بعد حصول الرضا تحت أدلة العقود و أنواعها و لیس من الأفراد التی یشک فی شمولها له لفهم الفقهاء دخوله فیها و هم أعرف بمدالیل الألفاظ الشرعیة و لعدم ندرته کی ینصرف الإطلاق إلی غیره و للإجماع المنقول علی صحته و الشهرة المحصلة علی نفوذه فما ذهب إلیه بعض من عدم تأثیر الرضا المتأخر للأصل و للشک فی شمول دلیل العقود له و الإجماع المنقول ضعیف لا یقاوم ما قدمناه و یلزم علی ما اخترناه فی حق المختار و لا یجوز له الفسخ حتی یرضی المکره أو یرد بعد زوال جبره و لو طال الزمان احتمل لزوم الوقف لأن الضرر أدخله المختار علی نفسه و احتمل جواز الفسخ و احتمل الرجوع إلی الحاکم و لو طال زمن الجبر لزم الوقف فإن تعقبه الرضا جاز.

الثالثة: کلما تصح فیه النیابة تصح فیه الولایة فی مقام الولایة الإجباریة

و فی ولایة الحاکم و یصح فیه الوکالة و کلما تصح فیه الوکالة تصح فیه الفضولیة لو تعقبها الإجارة و هو الرضا المتأخر فیصح العقد الفضولی مع تعقب الإجارة و یوقف حتی یرد المالک أو یخبر و یلزم من طرف الأصیل و علیه الانتظار و إن طال الزمان و هل الإجارة کاشفة أو ناقلة بحث یأتی إن شاء الله تعالی و یشمل الفضولی العقود اللازمة

ص: 119

و الجائزة المعاوضة و غیرها المنوی بها القربة و غیرها لشمول دلیله لجمیع ذلک و ما جاء فی فضولی البیع و النکاح من الأخبار الدالة علی الصحة یدل علی غیرها بالأولویة أو یتفتح المناط و أن العقد الفضولی شمول للأدلة جنساً و نوعاً و جامع للشرائط بعد حصول الرضا و لا فرق بین القارن و المتأخر و شرطیة المقارن الأصل عدمها و لیس من النادر و الذی لا ینصرف إلیه إطلاق العقد بل السیرة القطعیة تؤذن باستعماله فی الجملة و نقل الإجماع علی عدم القول بالفرق و کثیر من الأبواب المتفرقة تشعر بصحته ذکرناها فی بحث الفضولی و لا فرق فی الفضولی بین أن ینقل ناویاً لنفسه أو لغیره أو للمالک فإذا أجاز المالک لنفسه عاد له ولغت نیة الخلاف و إن جاز علی طبق ما نوی صح و ینتقل إلی غیر المالک بنفس الصیغة فیملک الثمن کاعتق عبدک عنی و ینبعث من ذلک جواز بیع الإنسان مال لنفسه لغیره فیخیر الغیر و یملکه.

الرابعة: لا یبعد نفوذ إجازة من تصرف بشی ء من نقل أو انتقال أو مضاربة أو عاریة أو رهن أو إجارة

ثمّ ملکه بعد ذلک علی القول بأن الإجارة ناقلة و علی القول بالکشف یشکل من لزوم صحته عدمها لأنه لو صح النقل الأول لما انتقل فلو ترافعا له بصحة الأول للزم عدم انتقاله و هو محال نعم لو اشترطنا فی الإجارة مطلقاً قابلیة المخیر للإجارة فی الحال لم یکن لذلک وجه صحة و لکن لا یشترط لما یرشد إلیه الفضولی عن الصغیرین و یلحق بذلک ما لو باع الفضولی مالًا کاملًا فنقص الکامل فصار ولیه أو مات فکان وارثه أو غاب فتولاه الحاکم الشرعی أو أجر نفسه مملوکاً فصار حراً أو أجیراً خاصاً باجارة خاصة فیقابل مع الأول و هکذا.

الخامسة: یشترط فی صحة العقود البلوغ من الموجب

و کذا القابل حین قبوله و هل بلوغ القابل عند إیجاب الموجب الظاهر جوازه إذا کان ممیزاً للإیجاب حین صدوره و یشترط العقل من الموجب إلی تمام الصیغة و القبض فباشتراط القبض و من القابل من ابتداء الإیجاب إلی تمام الصیغة و شرطها فلا عبرة بعقد الصبی و إن بلغ عشراً فی معاطاة أو غیرها قلیلًا أو کثیراً أو لا عبرة بإذنه و إباحته نعم لو ظن إذن الولی له جازت معاملته فی الحقیر و یکون من قبیل الإباحة من الأولیاء أو من الشرع لقیام

ص: 120

السیرة علی ذلک کما إذا أذن الصبی دخول الدار أو أوصل الهدیة بیده و بالجملة فتصرف الصبی و عقده و إیقاعه لا یفید ملکاً و لا تملیکاً لعدم دخوله فی المخاطبین و لعدم دخول عقده فی العقود جنساً و نوعاً و لعدم ترتب الحکم الشرعی اللازم للمالک و التملیک علیه لرفع القلم عنه و للإجماع المنقول و الأخبار المتکثرة علی عدم صحة عقوده و الشهرة محصلة فضلًا عن أن تکون منقولة مؤیدة للأخبار و کلام الاصحاب و أما قبول شهادته فی الجراح و وصیته و إسلامه و إحرامه و تدبیره و لو قلنا به فللدلیل و أخبار من بلغ عشراً محمولة علی بلوغه عندها أو علی الإناث أو مطرحة و آیة لتبلو الیتامی یراد بها الصور و الحقائق من الولی و اختبار نفس البلوغ و الاختبار بعد البلوغ و الاختبار بغیر اموالهم علی صورة و لو اتلفوها أو علی ما یصح منهم کالوصیة و الحیازة أو السؤال و البحث أو بالامانة فیدفع لهم المال لأن یکون ضراً یناله.

السادسة: یشترط اتفاق القصدین و الرضاءین من الموجب و القابل

فلو اختلف قصدهما کما إذا قصد احدهما تملیک البیع فقصد بالقبول أنه قبول صلح أو قصد الموجب و قصد القابل الإطلاق أو بالعکس أو قصد موجب الخیار و قصد القابل اللزوم أو قصد الموجب شرطاً فقصد القابل خلافه نعم لو قرن القابل قبوله بخیار أو شرط أو اجل فرضی به الموجب بعد قبول القابل بلا فصل فلا یبعد الصحة و اللزوم و لو اختلف قصدهما فیما لا تقوم المعاوضة فلا باس کما إذا قصد أحدهما أنه مرابحة و الآخر مواضعه أو أحدهما البیع المطلق و الآخر السلمیة بعد فرض ذکر الأجل و کذا لو اختلف رضاهما کما إذا رضی الموجب بالمطلق و أکره علی الشرط و رضی القابل بهما بطل العقد من غیر إجازة و لو أجبر الموجب علی الشرط فرضی القابل بالمطلق صح و المجبور علی أحد الأشیاء محبور و المحبور علی معین فعدل إلی غیره صحیح و المجبور علی أحد الأمرین من الواجب علیه و المباح لیس محبورا و کما إذا أجبر علی أن یعتق أو یطلق أو یصلی أو یبیع و نحو ذلک و المجبور علی أنه لو باع لا یبیع إلا بعشر لیس محبوراً علی الأظهر.

ص: 121

السابعة: یشترط اتفاق قصد الاسم و الاشارة فی المعقود علیه

فلو قصد العقد علی ذهب و أشار إلی فضة قاصداً العقد علیها أیضاً زاعماً انها الذهب أو عقد علی مشار إلیه زاعماً أنه ذهب و سماه به فتبین أنه فضة فلا یبعد البطلان مع احتمال تقدیم اقوی القصدین و احتمال تقدیم الاسم مطلقاً و احتمال البناء علی ما تواطأ علیه اولًا بحیث کان هو المقصود أصالة و غیره إنما جاء به الاشتباه تبعاً و هو قوی و لو اختلف قصد الموجب و القابل بطل العقد.

الثامنة: الأصل فی العقد سیما اللازم هو اللفظ الخاص بالصیغة الخاصة الصریحة

و لانصراف العقد إلیه بل لانصراف أدلة أنواع العقود إلیه خلافا لمن زعم أن خلوِّ الأخبار عن الصیغ دلیل علی عدم لزوم ذکرها حال الصدور فلا یکون هی الشائعة بل ترک البیان بیان العدم و هو ضعیف لأنا نقطع باستعمال الصیغ یومئذ کما هو المجزوم به عند الفقهاء إذا أرادوا التدقیق و إن کفتهم المعاطاة فی کثیر عند المسامحة و الفقهاء أدری بذلک لأن أهل مکة أدری بشعابها و ترک بیانها فی الأخبار استفتاء عنه بظهورها فهی المتعارفة من العقد جنساً و نوعاً و الصیغ الخاصة الصریحة هی الدالة علی الإیجاب المأخوذ من مصدر ذلک النوع الماضویة من العربیة و تقوم مقامها العجمیة من العجمی عند عدم قدرته علی العربیة أو علی توکیل العربی أو مطلقا فی وجه و الدالة علی الرضا و القبول لذلک الإیجاب من رضیت و قبلت و یشبهها و یقوی هنا جواز العجمیة و إن تمکن من العربیة بل جوازها للعربی و لا بد من تفاوتهما عرفاً بحیث لا یفصل بینهما فاصل طویل فلا ینعقد العقد بالأفعال الخالیة عن الأقوال أو المجامعة و لکن کان المقصود و منها الامتثال دون الأفعال کالاشارة و الکتابة و غیرهما لما ذکرنا و لقوله (علیه السلام) إنما یحرم الکلام و یحلل الکلام و لو قصد مجموع الفعل أو اللفظ الانتقال أشکل الحال من أصالة العدم و من أن المرکب من الداخل و الخارج خارج و من حصول السبب فتلغی الضمیمة و لا تنعقد بغیر الصریح من الحقائق المهجورة أو المجازات البعیدة و الکنایات و ینعقد بالمشترک المعنوی و المجاز القریب و المعروف و المشترک اللفظی مع مصاحبته للقرینة و لا یخل اللحن بالإعراب و یخل بالبینة المغیرة

ص: 122

لهیئة الکلمة و لا یشترط تقدیم الإیجاب علی القبول و إن کان أولی إلا فی قبلت و رضیت و نحوهما مما هو غیر قام عند تقدیمه بخلاف اشتریت و ابتعت و لمانع أن یمنع من التقدیم بنیة القبول لأن قبول ما لا یقع لا یقع فیشک فی شمول العقد له و لان الانفعال لا یتقدم الفعل إلا إذا عاد القبول متضمناً معنی الإیجاب للثمن و نقله له فیکون کل منهما مرحباً و قابلًا فالمشتری ناقل للثمن بدار قابلها عند انتقالها إلیه و البائع قابل دار الثمن قابله عند انتقاله إلیه.

التاسعة: یخرج عما ذکرنا من عدم صلاحیة الفعل للنقل و الانتقال المعاطاة فی العقود اللّازمة

و الجائزة المعاوضة و غیرها عدا ما خرج بالدلیل کالنکاح و الوقف و شبههما و هی قائمة مقام العقود اللفظیة شاملة أنواعها فی التسمیة العرفیة متعارفة فی المعاملة من قدیم الزمان إلی هذا الآن جاریة علیها السیرة فی جمیع الأقطار و الامصار من غیر إنکار و تفید فائدة العقود اللفظیة القائمة مقامها و تعطی جمیع أحکامها سوی اللزوم حیث أنها حائزة فیما لزم العقد فیه بلفظه لأصالة عدم اللزوم و للإجماع و لانصراف دلیل أوفوا للعقود اللفظیة و الاستصحاب لا یفید اللزوم لأنه من استصحاب المجمل ما بعد العلم بأن المقصود نوعان و یمکن القول بأنها عقد مستقل یقوم مقام العقود فلا یشترط فیه شرائطها من العلم و الصرف و السلم و غیرهما و یکون عمدة دلیلها السیرة القاضیة بالملک و التملیک فی الأعیان و المنافع حیث أنهم یجرون علیهما آثارهما بدیهة و الأثر دلیل المؤثر فالقول بأنها تفید إباحة التصرف بعید مخالف لضرورة المعاملة الجاریة بین الإسلام من بعث النبی (علیه الصلاة و السلام) حیث أنهم لا یقصدون و لا یرتبون سوی أثره و لا یلاحظون الإباحة فکیف یقع غیر ما قصد و اخلاف ما سلکوا هل هذا إلا مجازفة نعم اتفق الجمیع علی لزومها بالتلف و التصرف الناقل و المتغیر و یکفی معاطاة الدفع من جانب واحد کما علیه السیرة و یلزم بتلف البعض و الکلام فی المعاطاة ذکرناه فی موضعه.

العاشرة: یقوم مقام القول الإشارة لمن لا یمکنه اللفظ

کالأخرس و شبهه للإجماع و الأخبار و یکتفی من التمتام و الفأفا و الألثغ و الألتغ بما تیسر منهما و لا یجزی

ص: 123

الإشارة و الأحوط التوکیل و لو اصطلح المتعاقدان علی لفظ یفید البیع حتی یفهم بینهما من دون قرینة ففی أجزائه نظر.

الحادیة عشرة: لا یصح عقد المعاوضة علی ما لا یتمول عیناً أو منفعة

لأنه سفه و لعدم انصراف لفظ المال و العقد علی المطلق إلی العقد علیه ثمناً أو مثمناً و لخروجه عن دلیل التکسب کما فی خبر تحف العقول نعم لو نقل بشرط الانضمام إلی ما لا یتمول أو إلی مثله حتی یصیر الجمیع متمولًا صح.

الثانیة عشرة: لا تصح المعاوضة علی ما لا یقدر علی تسلیمه و تسلمه

و لا یرجو القدرة علیه بعد ذلک و لا ینتفع به و هو بحالة لدخولها تحت الصفة و تحت نهی خبر (تحف العقول) و لعدم انصراف العقد المطلق إلی العقد المشتمل علیه و لو رجا القدرة علیه أو انتفع فیه فی موضعه أو کان ضمیمة غیر مقصودة أصالة فی المعاوضة صح نقله علی بعض الوجوه و امتنع علی بعض آخر و یأتی الکلام علیه فی محله إن شاء الله تعالی.

الثالثة عشرة: قاعدة الإحسان جاء بها الدلیل علی أن ما علی المحسنین من سبیل

و ظاهره نفی الإثم و الضمان و یدور الإحسان مدار الواقع و إن کان واقعاً للإثم لو کان بحسب نظر المحسن فقط کما یظهر من قوله تعالی: (إِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ*) سورة البقرة الآیة (195) سورة المائدة الآیة (13) و قال: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ) سورة الأسراء الآیة (7) و قال: (وَ أَحْسِنْ کَمٰا أَحْسَنَ اللّٰهُ إِلَیْکَ) سورة القصص الآیة (77) إلا أن بینها و بین عموم علی الید ما أخذت حتی تؤدی و من أتلف مال غیره فهو ضامن عموم من وجه فلا بد للفقیه من النظر فی العمومین عند اجتماعهما فی مورد واحد کی ینظر إلی ترجیح أحد العاملین علی الآخر أما بالأخبار أو بالإجماع أو بفتوی المشهور أو بإخراج المتلف عن وصف الإحسان الواقعی فیشمله دلیل الضمان من غیر معارض و یترتب علی ذلک أمور منها أن من تولی مال الأیتام و المجانین مع بعد الحاکم و تولی حفظهما و تنمیتهما بنیة الرجوع بالاجرة علی ما لهم جاز له ذلک و نفذت تصرفاته و أخذ الأجرة أو أکل بالمعروف و لو تلف شی ء تحت یده فلا ضمان علیه و لو أتلفه بیده

ص: 124

من غیر تعد فوجهان و منها لو خیف علی مال الغائب من التلف و لم یمکن الرجوع إلی الحاکم جاز حفظه و إصلاحه و لو بنقل بعض عینه أو کلها منفعة أو عیناً و نفدت تصرفاته و لو نوی الأجرة جاز له أخذها و لو تلفت تحت یده فلا ضمان و لو أتلفه من غیر تعد بیده فوجهان و منها أن الودعی لو ادعی الرد قبل قوله فیه علی الأظهر لانه محسن لقبوله الودیعة و منها أنه لو أکره علی واجب أو ترک محرم فتسبب من ذلک تلف مال أو نفس لم یکن المکره فاعلهما فلا ضمان علیه و منها أنه لو بنی مسجداً و قنطرة أو حفر بئراً للمسلمین فتسبب عن ذلک تلف نفس أو مال بوقوع حائط أو سقف لم یضمن و منها أنه لو تصدق بمجهول المالک لم یضمن لو لم یظهر صاحبه و کذا اللقطة و إن ظهر ضمن إن لم یرض بالصدقة للنص و منها أن اللقطة لو قبضها للتعریف و کذا الأمانات الشرعیة لا یضمنها إذا تلفت بیده من غیر تعد و لا تفریط و منها أنه لو دفع بنیة الرجوع مالًا لتخلیص مال الغائب من ید الغاصب کان له الرجوع علیه فی وجه لقوله: (هَلْ جَزٰاءُ الْإِحْسٰانِ إِلَّا الْإِحْسٰانُ) (الرحمن: 60) و منها أنه لو انقذ غریقاً بمال حیث لا یمکن مباشرته جاز الرجوع علیه به وجه.

الرابعة عشرة: قاعدة العدوان (فَمَنِ اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدیٰ عَلَیْکُمْ)

سورة البقرة الآیة (194) (وَ جَزٰاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُهٰا) سورة الشوری الآیة (40) و بین هذه القاعدة و قاعدة المحرمات عموم من وجه فلا بد من الترجیح فما تقدم فیه القاعدة المقاصة فی الأموال و القصاص فی الأنفس و الجروح و بلزوم الاقتصاد علی المثل إلا إذا توقف التوصل إلیه علی إتلاف شی ء أو قبض زائد فیأخذ حقه و یرد الزائد و لا تجری القاعدة فیما قوی علیه من المحرمات فلا یسب من سبّه و لا یزنی بمن زنی به أو یستغیب من یستغیبه أو یهجوه و الذی یظهر أن الإحسان و العدوان واقعیان نعم لو فعل الإحسان بزعم العدوان لم یترتب علیه أحکام الإحسان و لا العدوان و لو فعل العدوان بنیة الإحسان لم یترتب علیه أحکام العدوان و لا الإحسان.

ص: 125

الخامسة عشرة: (هَلْ جَزٰاءُ الْإِحْسٰانِ إِلَّا الْإِحْسٰانُ) (الرحمن: 60)

یترتب علیه أن الفاعل للإحسان یلزم جزاؤه لو کان عمله ماله قیمة ما لم ینو التبرع سواء نوی الرجوع بأجرة العمل أم لم ینو و قد یقال أن ناوی الرجوع بالأجرة لیس محسناً لمقابلة عمله بالأجرة قلنا فرق بین الفعل مع نیة الرجوع بالأجرة لو حطت من المحسن إلیه و بین الفعل للأجرة المتقدمة فربما یعد ذلک إحساناً و لا یعد هذا أما دفع المال فی المخمصة أو دفع المال لتخلیص نفس من القاتل فلا شک أنه إحسان لأن الغرض کله إحسان و قد یفرق بین المتلف إذا کان أَجیراً فیضمن کالقصار و الطبیب و الحجام و غیرهم و بین من کان ملتمساً قادماً أو متبرعاً أو غیر شارط للأجرة فلا یضمن الأخیر و إن دفعت إلیه الأجرة و لو تلف المحسن مالًا للمحسن إلیه فی طریق الإحسان أحتمل تحکیم قاعدة الإحسان و احتمل تحکیم قاعدة من أتلف فعلیه الضمان و لو أتلف مالًا لغیر المحسن إلیه کان ضمانه علی المحسن مع احتمال أن ضمانه علی من أحسن إلیه و کذا لو کان المتلوف من مال المحسن احتمل عوده إلی المحسن إلیه و لکن الأظهر هنا تقدیم قاعدة الضمان و بالجملة فقاعدة الإحسان شاملة لنفی الإثم و الضمان سواء کان ضمان ید أو ضمان مباشرة أو ضمان تسبیب و غایة ما یخصص بها دلیل ضمان الید و التسبب و أما ضمان المباشرة فظاهر الفقهاء أنه أقوی و لو نبه جاهلًا أو غافلًا أو أیقظ نائماً أو هدی ضالًا أو ذکر ناسیاً قاصداً للإحسان للزوم الضرر فی غفلته أو نومه أو جهله أو نسیانه فإن ترتب الفساد علیه بعد ذلک فلا ضمان لبطلان حکم السببیة و إن وقع الفساد بنفس ذلک الفعل قوی دلیل الضمان کمن ضرب أسداً لتخلیص إنسان فوقعت الضربة بالإنسان فإنه لا تسقط عنه الدیة نعم لو طلب الفاعل لتلک الأجرة علی ما عمل أحتمل دخوله تحت قوله: (هَلْ جَزٰاءُ الْإِحْسٰانِ إِلَّا الْإِحْسٰانُ) (الرحمن: 60).

السادسة عشرة: الأصل فی العقود التنجیز

فلا یقبل التعلیق و لو علقت فسدت لان الإنشاء لا یعلق و لعدم انصراف أدلة العقود جنساً و نوعاً للمعلق فلا یعلق النقل و لا الانتقال فی عین أو منفعة.

ص: 126

السابعة عشرة: الأصل فی العقود الحلول

بمعنی حلول اثر النقل و الانتقال و هو الملک إلا ما خرج بالدلیل کتأخر الملک فی الوصیة إلی ما بعد الموت و تأخیر الملک فی الوقف إلی ظهور البطن الثانی فیتلقی من الواقف و بالجملة فالملک لا یتأخر عن سببه إلا بدلیل یدل علیه.

الثامنة عشرة: الأصل فی العقود حلول تسلیم متعلق الملک من ثمن أو مثمن

إلا ما اجل بدلیل کالنسیئة و السلم.

التاسعة عشرة: الأصل وجود المملوک فی العقود

إلا ما خرج بالدلیل لجمیع المعدوم و إجارة العمل و المنفعة المتأخرة مع أن الجمیع موجودة بالقوة لقیام الأول بأصله و قیام الثانی بالأجیر و الثالث بالعین المستأجرة و قد یدعی أن المعدوم لا یملک و لکنه یملک أن یملک بعد وجوده بصیغة الملک لیست قائمة بل بملکیته بعد ذلک.

العشرون: الأصل فی العقود و قبولها للشروط

لعموم أدلة الشروط و لأنها من مواردها المقطوع بها و الشرط فی اللازم لازم و فی الجائز جائز و فائدته فی اللازم الإلزام به مطلقا فان لم یمکن حصوله تسلط المشتری علی الفسخ و فائدته فی الجائز لزومه ما لم یفسخ الجائز أو ینفسخ و أیضاً لو لزم الجائز جاز من جهة الشرط و یفسد العقد لو کان الشرط حراماً أو غیر مقدور أو مخالفاً لکتاب الله و سنة نبیه) صلّی الله علیه و آله و سلّم) أو حرم حلالًا أو غیر حکماً شرعیاً أو منافیاً لمقتضی ذات العقد و وضعه و فسد العقد بفساده صح و لو کان سفهاً أو لغواً فلا یبعد عدم و لو نافی مقتضی إطلاقه فلا بأس و اشتراط الخیار فی العقد اللازم قضی به الاجماع و الدلیل و الکلام فیه یأتی فی محله إن شاء الله تعالی.

الحادیة و العشرون: الاصل فی العقود الجزم

لعدم انصراف العقد لغیر المجزوم به و لظاهر الاجماع فلو ردد بین بعتک أو صالحتک أو آجرتک أو اعرتک أو ردد بین بعتک أو بعت غیرک أو بعتک انا أو موکلی أو ردد بین کون المبیع هذا أو هذا أو احدهما أو بین هذا الثمن أو هذا واحدهما نعم لو صالح علی مشاهد و ردده فی کیله و وزنه أو علی معین فردد فی اسمه فلا باس.

ص: 127

الثانیة و العشرون: اشتهر أن ما یضمن بصحیحه فی العقود یضمن بفاسده

و قد یعکس فی لسان جمع من الفقهاء بان ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده و یراد بالضمان فی مبدأ الفقرة هو الاقدام علی العوض من طرف الموجب ثمناً و من طرف و یراد بآخر الفقرة الضمان بالمثل أو القیمة لا المسمی و یساعد الفقرة الاولی ادلة الضمان الشاملة للعلم و الجهل متفقین أو مختلفین و یشکل الفقرة الثانیة المنافع فإنها غیر مضمونة فی صحیح العقد مع أنها مضمونة بفاسده و قد یجاب بأنها مضمونة تبعاً لأنها ملحوظة فی معارضة الأعیان تبعاً و یشکل أیضاً فی بیع المحاباة فإن الزائد لم یقابل بالعوض مع أنه مضمون علی قابضه و قد یجاب بأن العوض کان علی المجموع فالمنتقل إلیه قادم علی ضمانه فی الجملة و قد یشکل فی المغصوب فی العین المستأجرة فإن صحیح الإجارة لا تضمن العین فیها من دون تعد و تفریط و کذا فی العقود المجانیة کالوقف و الهبة و العاریة و الودیعة و المضاربة فإن الغاصب یأخذ المثل أو القیمة ممن استولت یده علیه مع أن صحیحها لا ضمان فیه و یجاب بأن عدم الضمان للعاقد لا ینافی الضمان لغیره لو کان مالکاً فالمضمون له غیر العاقد و العاقد غیر مضمون له أو یجاب بأن الضمان مستقر علی الغار فی صورة جهل المتعاقدین أو جهل المدفوع إلیه فالرجوع علی المغرور موجب لرجوعه علی الغار و مع الرجوع علی الغار یعود ضمانه کلا ضمان و أما مع العلم فضمانه لغیر العاقد فلا یقدح أن ما لا یضمن بصحیحه للعاقد لا یضمن بفاسده.

الثالثة و العشرون: اشتهر بین الفقهاء أن المغرور رجع علی من غره

و یکفی فی الدلیل علیه حدیث الضرار المنجبر بفتوی الأصحاب و (رفع عن أمتی ما لا یعلمون) فیرجع علی الغار کی لا یذهب مال امرئ مسلم و (من حفر بئراً لأخیه وقع فیه) و (إِنَّ اللّٰهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ) (النحل: من الآیة 90) و الرجوع إلی الغار من العدل و لأن الغار عاد فیشمله دلیل العدوان و یترتب علی ذلک أن المغرور فی العقود المجانیة بانتقال مال الغیر و لم یقدم علی ضمانه لو أدی لمالکه رجع علی الغار و کذا الزائد علی المسمی فی

ص: 128

عقود المعاوضة فی وجه قوی و کذا الغرامات المبذولة علی المال التی لا یقابلها نفع وصل للمغرور.

الرابعة و العشرون: عموم (علی الید ما أخذت حتی تؤدی)

من القواعد المسلمة المنجبرة بالفتوی و العمل و الأخذ یعم التلف فیدخل فیها (من أتلف مال غیره فهو ضامن) و التأدیة تعم المثل و القیمة لو تلفت لأنه نوع تأدیة و إیصال و لا منافاة بینها و بین قاعدة الغرور کما أنها قد تقدم علی قاعدة الإحسان إذا قویت علیها بفتوی الأصحاب أو باخبار خاصة أو (إذا ضعف الإحسان) و کذا قاعدة (ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده) بناء علی اعتبارها و اشتهارها فیترتب علیها ضمان المقبوض بالسوم و شبهه و ضمان الأمانات مع التعدی و التفریط و ضمان العاریة المضمونة أو المشروط ضمانها أو المأخوذة للرهن و ضمان المقبوض بالعقد الفاسد مع علم المتعاقدین بالفساد أو مع جهلهما أو علم أحدهما و جهل الآخر و دعوی أنه فی حالة العلم لا ضمان علی الجاهل لأن العالم قد سلط الجاهل علی ماله فهو شبیه بالإعراض ضعیف لان العالم قد قصد المعاوضة الصوریة و إن لم یرفعه مجاناً و لو تشریعاً و ابتداعاً و الجاهل هنا لا یجری علیه حکم المغرور لأن الجهل هنا فی الحکم لا فی الموضوع کی یعذر صاحبه و یجری علیه أحکام المغرور و تمام الکلام یأتی إن شاء الله تعالی فی محله.

الخامسة و العشرون: اشتهر من الأخبار حدیث (لا ضرر و لا ضرار)

و هو مجبور بالفتوی و العمل فی الجملة عند الأصحاب و لم یزل یستدلون به فی کثیر من الأبواب و معناه الظاهر فی العقود أن وصفها الشرعی مبنی علی کونها حد بقطع الخصومة و النزاع و یرفع التشاجر و الفساد بین العباد فلا یبقی علی الضرار و الضرر و لا علی النزاع و الغرر فکل عقد ابتنی علی ذلک فهو فاسد إن لحقه ذلک لذاته و إن لحقه لوصفه من اللزوم کان اللزوم باطلًا و هو معنی انجباره بالخیار و یترتب علی ذلک أن العقود المبنیة علی الضرر کبیع المعدوم و المجهول و إجارتهما و غیر المقدور علی تسلیمه کذلک و یترتب علی ذلک ثبوت الخیار للمغبون و لما خرج خلاف الرؤیة و الوصف و لما

ص: 129

اشتمل علی العیب أو علی التدلیس أو علی الشرکة أو علی خلاف الشرط أو علی ظهور الکذب فی الأخبار فی باب المرابحة أو علی ظهور الاعسار من الضامن فی عقد الضمان و یترتب علی ذلک فوات الشرط و إیصال الاختبار فیقوم مقامه الإجبار فیما امتنع الشریک من القسمة أو امتنع من المهاباة فی وجه أو امتنع من الصلح الاختیاری فی مقام الاشتباه فإن الحاکم یصالحه قهراً أو امتنع من الإنفاق فإن الحاکم یبیع ماله لنفقة عیاله و کذا لو امتنع من بیع الطعام عند اضطرار الناس إلیه احتکاراً منه یطلب فیه الغلاء و کذلک بیع کل ما یضطر إلیه عامة الناس و کذا بیع مال الغائب الذی یخشی تلفه و کذلک بیع مال الودعی إذا خشی علیه من الفساد و کذا کل أمانة و دخوله فی قاعدة الإحسان لا ینافی دخوله فی قاعدة أخری و لو تقابل الضرران فلا یجبر ضرر واحد بضرر آخر إلا إذا عاد إلی موضوع واحد فهناک ینظر إلی الترجیح فیقدم أزیدهما ضرراً و إذا توقف النظام علی الأعمال التی لها أجرة قام الحاکم مقامهما و أجرهم او جبرهم عند امتناعهم و قد یکون دلیلًا علی لزوم الجائز کالغادیة للدفن و للصلاة الواجبة و مثله عاریة الرهن فإنها تلزم بالرهن بل ربما یسری فیه لکل مستعار یبتنی علی الدوام و یضر قلعه و کذا تزویج الولی الصغیرة بغیر مهر ضمن المثل فإنه لا یبعد تسلیطها علی فسخ المسمی و کذا المزوجة بالمدلس أو المزوج بالمدلسة و کذا الخیار فی عیوب النکاح و کذا لو تزوجها علی أنها بنت مهیرة فبانت بنت أمة و کذا لو أعتقت تحت عبد أو نقلت.

السادسة و العشرون: قاعدة (وَ تَعٰاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْویٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ)

(المائدة: من الآیة 2) یترتب علیها أن کل عقد صدق علیه عرفاً أنه معاونة علی إثم و إنه کان القصد فیه الضرر کما تقدم فی الأولی فاسد لا یترتب علیه أثره بناء علی أن النهی الحاصل من اجتماع جهتین تقییدیتین فی المعاملة یبطلها فعلی ذلک لو قصد بیع السلاح معونة الظالمین علی الحرب و کذا کل ما یعان به عرفاً أو قصد بالإجارة الإعانة علی فعل الحرام کإجارة البیوت للزوانی و للخمر و للقمار أو قصد ببیع السموم ضرر للمسلمین أو إجارة المساکن للجند ضرر المؤمنین و لو کانت المؤنة غیر واقعیة بل مجرد

ص: 130

أن الناقل زعمها فهی حرام لا تقضی بالفساد قطعا و لو کان بالعکس فلا یبعد الفساد دون التحریم و لو کان صدق المعونة بعید کبیع الطعام أو اللباس لمن یتقوی به علی الحرب معاً و بیع الآجر و الجص لمن یعمل بیتاً فیؤجره للحرام علی إشکال فی الأجیر إلا إذا صرح بالشرطیة أو العلیة فلا یبعد الفساد.

السابعة و العشرون: الأصل فی العقود الصحة عند وقوعها و الشک فی أنها صحیحة أو فاسدة

لأصالة فعل المسلم إلا إذا توقفت علی شرط یشک فی حصوله وقت العقد کمن عقد و لو یعلم بلوغه أو عقله بعد جنونه فان أصل الصحة لا یثبت حصول الشرط مع الشک فی تحققه إلی زمن الشک و إلا لجاز أن أمر الصبی بعقد بعقد تمامه أقول الأصل صحته و لا یقول به أحد نعم لو طرأ علیه وصف الصبا و وصف البلوغ و قد صدر منه عقد لا یعلم أنه قارن أی الوصفین صح التمسک بأصالة صحة العقد و کذا لو وقع الشک فی طرو المانع علی العقد و عدمه و کذا لو حصل الشک فی اجتماع شرائطه و عدمها بعد وقوعه أما لو وقع الشک فی حصول الشرط قبل العقد کالشک فی القدرة علی التسلیم فإنه لا یصح أن یقول نوقع البیع و الأصل صحته فیثبت إذن مادون علی التسلیم نعم لو أوقعوه فثبت بعد ذلک حصول الشرط من البلوغ کان القول بالبطلان قویاً و لیس ذلک من التردید المنافی للجزم بل لا یبعد ذلک فی الطلاق مع الشک فی حصول الشرائط فإنه لا یبعد صحة الطلاق لو أوقعه فتبین اجتماع الشرائط فیه و أما الشک فی صحة أصل العقد بمعنی انا شککنا فی عقد بعد شمول لفظ العقد له و دخوله تحت العموم هل هو موقوف علی شرط أو رفع مانع أم لا فلا یشک أیضاً أن الأصل صحته و الأصل عدم توقفه أو رفع مانع نعم لو وقع الشک فی صحة عقد للشک فی سببیته و دخوله تحت دلیل الصحة فلا شک أن الأصل عدم السببیة و عدم النقل و الانتقال و الأصل عدم الصحة فی العقود حتی تثبت صحتها بدلیل شرعی و حینئذ فالأصل فی کل عقد متعارف جار علی قوانین العقود المتعارفة من الألفاظ العربیة أو ما قام مقامها الفعلیة أو مقامها الماضویة أو ما قام مقامها المرتبة فی وجه قوی الغیر مفصولة بفاصل مخل المشتملة علی القصد و الرضا و البلوغ و العقل صحته حتی یقوم

ص: 131

شاهد علی فاسد و جمع العقود فی الآیة و إن أفاد العموم لکنه عموم العقود المتعارفة للإجماع علی عدم حصول النقل و الانتقال بغیرها و لأنها لو شملت الجمیع لکان الخارج أکثر من الداخل و لأن الشهرة و إن لم تخصص العام و لکنها توهن دلالته علی العموم.

الثامنة و العشرون: الأصل فی العقود اللزوم

للاستصحاب فی وجه و للأمر بالوفاء مهما بها و یمکن منع الاستصحاب لانه من استصحاب المجمل لعدم العلم بکیفیة ثبوت العقد من الجواز و اللزوم کی یستصحب لزومه نعم لو لم یثبت لزومه و طرأ علیه ما یشک ببقاء اللزوم معه و عدمه کان الاستصحاب فی محله و منع دلالة الأمر علی اللزوم إذ الوفاء بالعقد یکون علی ما هو علیه من اللزوم و الجواز فیجب الوفاء به إن کان لازماً فعلی لزومه و إن کان جائزاً فعلی جوازه و لکن الأظهر أنه لو شک فی لزوم عقد و جوازه یحکم بلزومه لظهور ذلک من العقد فإن الظاهر من مشروعیة العقد لیس إلا مجرد الإذن فی التصرف بل الملک و السلطنة و هما ظاهران فی الدوام و البقاء إلا أن یظهر منه أن المقصود رفع الحجر و المنع فی التصرف کالوکالة و العاریة و المضاربة و المقصود منه طلب الإحسان کالودیعة أما البیع فأصالة اللزوم فیه مما لا کلام فی ظهوره من الأدلة.

التاسعة و العشرون: من القواعد قوله تعالی: (وَ لَنْ یَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْکٰافِرِینَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ سَبِیلًا)

سورة النساء الآیة (141) و یترتب علیها عدم صحة تزویج المؤمن بالکافرة و عدم صحة بیعه علیه و جبره علی بیعه لو ملکه قبل کفره و فی إلحاق المخالف للحق بالکافر وجه و یجوز استئجار المسلم للکافر للأخبار و السیرة و للشک فی کونه من السبیل المنفی و یجوز أن یستودع الکافر المسلم و یعیره و یجوز العکس و یجوز أن یجعل المسلم ودیعة و عاریة عند الکافر فی وجه قوی و یأتی الکلام علیه فی محله إن شاء الله تعالی.

الثلاثون: العقد یتولاه المالک أو وکیله أو ولیه الإجباری

و هو الأب أو الجد له مع وجوده و مع عدمه و هل هما فی الولایة سواء مطلقاً فیبطل الإیجابات لو اتحد القابل و الثمن لأن اجتماع علتین علی معلول واحد غیر ممکن و ترجیح أحدهما علی الآخر لا

ص: 132

معنی له من غیر مرجح أو یصح الإیجاب و القبول لأن مجموع الایجابین بمنزلة إیجاب واحد و لأن أحدهما صحیح أما الأب أو الجد فلا تمانع بینهما و الأظهر الصحة هنا قطعاً مطلقاً حیث أن علل الشرع علائم و معرفات فلا یمتنع اجتماع علتین علی معلول واحد و نظائره فی الفقه کثیرة جداً و لو اختلف العقدان احتمل البطلان و احتمل تقدیم عقد الأب و أحتمل تقدیم عقد الجد و احتمل التخییر للمولی علیه بعد ذلک لأن العقدین ضار بمنزلة الفضولی فیما إذا اتحد العقود معه و اختلف المعقود علیه و احتمل القرعة و یحتمل التنصیف عملًا بکلا العقدین و الأظهر تقدیم عقد الجد لأن الولد و ماله لأبیه و لتقدیمه فی النکاح فغیره أولی بالتقدیم و لما دل أن ولی النکاح ولی المال أو أن الأب مقدم فی الولایة فاختیاره مقدم علی اختیار الجد أو أن الجد مقدم فاختیاره مقدم علی اختیار الأب و الأظهر تقدیم ولایة الجد نعم لو لم یتشاحا فی الاختیار فالعقد للسابق منهما قطعاً و الولایة من بعد الأب و الجد لوصی أحدهما و من بعده للحاکم أو قیم الحاکم أو من بعده لعدول المسلمین و قد تثبت الولایة شرعاً للمقاص و الأمین عند خوف التلف و للمتصدق باللقطة و مجهول المالک و الأب و الجد یلیان الصغیر و الکبیر المستمر جنونه و سفهه من صغره إلی حین العقد و لو بلغ الصغیر عاقلًا رشیداً زالت ولایتهما فلو عاد الجنون عاد علی الأظهر و لو عاد السفه لم تعد و رجعت إلی الحاکم علی الأقوی و لهما أن یتولیا طرفی العقد علی الأظهر و الحاکم و أمینه و المحتسب مع عدم وجودهما یلون المحجور علیه مع عدم الأب و الجد و الوصی لأحدهما لصغر أو جنون أو سفه مستمرین أم لا و مع وجودهما یلیان من تجدد سفهه و یلیان الغائب مع خوف الضرر و الممتنع و العاجز و الوصی یلی الصغیر و المجنون مطلقاً إذا کان متصفاً بالوصف حین الوصایة و بدونه إشکال و یلی من استمر سفهه کذلک دون من تجدد لو زال النقص بعد الموت فعاد عادت وصایته علی إشکال و للأوصیاء و الوکلاء و الحاکم و عدول المسلمین تولی طرفی العقد و الکلام فی هذا فی محله قد ذکرناه.

الإحدی و الثلاثون: الأصل فی نواقل الأعیان البیع

بمعنی أنه لو عقد علی غیره و شککنا فی الواقع أنه بیع أو صلح أو هبة فالغالب و الراجح کونه بیعاً فتجری علیه

ص: 133

أحکامه و قد یقال إن الأصول متعارضة و لیس إلا القرعة أو یحکم بالنقل فقط دون الأحکام الزائدة لانتفائها بالأصل و علی الأول فالقول قول مدعی البیع و علی الثانی منع التحالف و ینفسخ العقد و قد یقال بأصالة البیع فیما لو وقع العقد بصیغة ملکتک أو وقع معاطاة و لم نعلم بقصد العاقد فإنه یحمل علی البیع لظهوره و لأنه الغالب و کذا لو اختلفا فی القصد فقال الموجب قصدت البیع فالقول قوله و قد یقال بأصالة البیع فیما لم یقع قصد من أحدهما کما إذا وقعت معاطاة بینهما أو عقد بلفظ ملکتک و لم یقصد سوی النقل غفلة عن قصد الخصوصیة أو تعمد فإنه یحمل علی البیع و تجری علیه أحکامه لانصراف العقد إلیه لأن المحروز فی الأذهان عند الغفلة و السهو و النسیان.

الثانیة و الثلاثون: الأصل فی الأسباب الشرعیة تغایر تأثیرها و إن کانت کالمعرفات

و الأصل عدم تداخلها سوی ما دل الدلیل علی صحته من اجماع و شبهه کإجزاء قبول واحد لإیجابات متعددة من نوع واحد أو متعدد کبیع و إجارة و علی إجزاء إیجاب واحد لبیوع متعددة و قبولات متعددة هذا لو تعدد المنقول أما لو اتحد فتکررت صیغة البیع علی مبیع واحد فقبل القابل للجمیع فإن نوی القبول لواحد معین کان له و جرت علیه أحکامه و إن نوی غیر معین و یکون بمنزلة نقل واحد فالأظهر البطلان و إن نوی قبول المجموع فالأظهر الصحة و یکون بمنزلة نقل واحد و یختلف فیما لو قصد الموجب التأسیس و التأکید و کذا مختلف الأحکام بالنسبة إلی تقیید أحدهما و إطلاق الآخر و تقییده بقید مناف لقید الآخر أما لو تکررت صیغة بیع و صلح فإن نوی القابل قبول معین جرت أحکامه و إن نوی أحدهما بطلت و إن نوی المجموع احتمل الصحة و إجراء أحکام البیع لانه أصل و أحتمل إجراء أحکام الصلح لأنه مسقط لأحکام البیع فیکون بیعاً بالذات جاریة علیه أحکام المصالحة و مثل ذلک ما لو باع أحد الوکیلین و صالح الآخر دفعة قبلهما القابل دفعة و کان المبیع و الثمن و الشرائط متحدة و کذا الولیان لو صالح أحدهما فباع الآخر فقبل المشتری دفعه و لو باع أحد الوکیلین مطلقاً و باع الآخر بشرط أو خیار فقبلهما معاً احتمل الصحة و إجراء حکم الشرط و الخیار و احتمل البطلان و الأول أوجه و یحتمل مع تعدد الإیجاب بطلان القبول لهما بانهما فی

ص: 134

النقل کالعلتین فلا یوردان علی معلول واحد و یحتمل مع تعدد الإیجاب و هو الانتقال إلا أن یکون المقصود تأکید النقل الأول و الأظهر أن العلة کالمعرف لیست علة حقیقیة.

الثالث و الثلاثون: الأصل مساواة للفرد فی النقل و الانتقال

لعموم الأدلة و لظاهر الاتفاق إلا ما أخرجه الدلیل فی خصوص الهبة و الوقف و العاریة و المضاربة فیصح بیع الکلی الموصوف بوصف دافع للجهالة مؤجلًا و غیر مؤجل و یصح جعله ثمناً و مؤجلًا و غیر مؤجل إلا ما خرج بالدلیل کبیع الکالی بالکالی نعم یشترط القدرة علی تسلیمه حالًا فی الحال و عند حلول الأجل فی المؤجل لیس بیع الکلی من بیع المعدوم لأنه موجود بوجود أفراده و لان ملکة فی الذمة و الفرد مشخص و هل دفع الفرد کاشف عن کونه نفس المبیع ابتداءً ناقل للفرد و عوض للکلی فهو بمنزلة الوفاء للدین وجهان و الأخیر أوجه لأن الفرد غالب أحواله یکون مملوکاً لغیر العاقد حین العقد فلا ینکشف أنه مملوک لأحد المتعاقدین و إنه نقله للآخر و لا یقال الکلی لا یملکه البائع و لا یبیع إلا فی ملک لأن الکلی فی الذمة مملوک للبائع فهی ظرف للکلیات المملوکة کما أن الخارج ظرف للافراد الخارجة و من یبیع بیع القدر المشتمل علیه العین کبیع رطل من صبرة وطن من قصب فلو تلف فی ید البائع الجمیع سوی قدر ما یبیع کان للمشتری مع احتمال أن حکمه حکم الإشاعة و من یبیع الکلی فی وجه یبیع الکسر المشاع لدورانه بین ما فوق الواحد و قد یقصد بالمشاع قصد بیع الکلی المحصور فی معین کما أنه قد یقصد بالکلی الإشاعة و التفرقة فی القصد فظهر من المقامات الخطابیة.

الرابع و الثلاثون: الأصل فی نواقل الأعیان و المنافع أنه لو وقع العقد مع القابل و غیر القابل صح القابل

و بطل فی غیره و یقسط فی نواقل المعاوضة ما قابل الجمیع علی القابل فیسقط منه بحساب غیر القابل إذا کان متمولًا و لو عند مستحلیه کالخمر و الخنزیر و ما لا یتمول یحتمل جعل الجمیع بإزاء القابل و یحتمل الفرق بین تقدیره مالًا متصفاً بصفة فیقوم فیسقط عنه ذلک و یحتمل الفرق بین العلم و الجهل و یحتمل البطلان هنا و فی کل ما یبیع و فیه غیر القابل لأن العقد لا یتبعض و لعدم حصول الرضا بالنقل

ص: 135

المقصود فما وقع لم یقصد و لارتباط الرضا بالنقل بعضه ببعض و الکل ضعیف کما تری لمنع تبعض العقد بل هو انصباب علی القابل دون غیر القابل فغیر القابل منصرف عنه إلا أنه بطل بقدره و لمنع عدم القصد لان القصد إلی الجمیع حاصل فالقابل مقصود بالنقل بما قابله و لمنع الشرطیة فی الارتباط غایته إن وقع علی ذلک الحال لأن ذلک الحال شرط فی نقله فهو نقل بصیغة لا شرط لوصف.

الخامس و الثلاثون: الأصل فی عقد جائر تابع للإذن أن ینتفی بانتفائها

فلأحدهما فسخه متی شاء بقول أو فعل دال علی الفسخ أو مناف للإذن و ینفسخ بالموت و الجنون و الإغماء و الأصل فی العقد الجائز الناقل للملک کالعادة و الهبة و الجعالة فی بعض الأحوال أنها لا تنفسخ إلا بفاسخ من أحدیهما و کذا الجائر من جهة و اللازم من أخری کالرهن حیث أنه یشبه النواقل التی لا ینفسخ إلا أن یفسخه المرتهن و الأصل فی اللزوم دوام لزومه و لا ینفسخ إلا بالتقابل و هل الإقالة علی الأصل حیث أن إرجاع کل من العوضین إلی صاحبه بطریق المعاوضة الجدیدة فیبقی العقد علی لزومه فیشملها أدلة العقود و الشروط أو أنها فسخ من حینه للعقد کما هو الظاهر فتکون علی القاعدة بل خروج المعاوضات الصرفة للدال علی مشروعیته فیها و یبقی الوقف و النکاح علی القاعدة و قد یراد باللزوم هو ما لم یکن لأحدهما فقط فسخه و مع الاتفاق یکون مشمولًا للتجارة عن تراض و أما الجائز بالعارض لخیار أصلی أو مشترط فالأصل فیه إلا أن ینفسخ إلا أن یفسخه احد المتعاقدین.

السادس و الثلاثون: الأصل فی شرائط العقود أن تکون واقعة

فلا یؤثر العذر فیها أثراً شرعیاً فلو باع تقیة کبیع کبیع العامة علی الموافق أو علی من کان منهم أو نکح نکاحاً مشروعاً عند المخالف و لیس مشروعاً عندنا أو غیر ذلک فالأصل بطلانه و احنمال أن التقیة دین یجری فی العبادات و المعاملات یرده الأصول و القواعد و خصوص ما جاء من الأدلة فی الشرائط و الموانع التی تدور مدار الواقع نعم لو وقع العقد بینهم و أجریناه مجری الصحیح لانا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم و وجوب العمل بالتقیة لا یقضی بصحته فی العبادات فضلًا عن المعاملات لأصالة عدم الصحة و عدم

ص: 136

الإجزاء إلا ما دل الدلیل علی قیامه مقام الصحیح کوضوء التقیة و صلاتها و التقیة و إن کانت دینار لکن أثر أسبابها لیس دینار و لا یلزم من أحدهما الآخر.

السابع و الثلاثون: الأصل فی العقد أن لا یصح من جانب و یفسد من جانب آخر

سواء کان بالحکم الواقعی أو الظاهری فلو تبایعا مجتهدان أو مقلدان لمجتهدین مختلفین فی بیع المعاطاة صحة و فساداً فی صحة بیع الکلب و فساده و فی صحة بیع الدهن النجس و فساده و فی صحة العقد بغیر العربی و فساده إلی غیر ذلک من بیع العقود أو مما علیه معقود کان العقد باطلًا کلّه للأصل لأن النتیجة تتبع أحسن المقدمتین و احتمال أنه یصح کله من جانب و یفسد کله من جانب و محال أنه یصح أحد رکنیه من جانب و یفسد الرکن الآخر من جانب آخر لارتباط رکنی بعضه ببعض نعم یمکن أن یقال أن العقد کله صحیح بالنظر لمن یری صحته و کله باطل بالنظر لمن یری بطلانه و لا یضر اختلاف الحکم الشرعی بالنظر إلی اختلاف المجتهدین فلو کان دافع الثمن یری صحة العقد لوجب علیه دفعه و کان قبض المبیع حلالًا عنده لأنه ما لم ینظره و لو کان دافع المبیع یری البطلان کان دفعه له حراماً و قبضه للثمن کذلک و لزوم علیه رده فله المطالبة بمبیعه و لما لم یکن لصاحب الثمن أن یأخذه لأنه برأیه مال غیره کان له أن یمتنع من رد المبیع و یبقی ما لا یدّعیه احد فیرجع إلی الحاکم الشرعی و لو تداعیا عند من یری صحة العقد فحکم علیهما بالصحة لزمهما ذلک ظاهراً أو کان تکلیفهما واقعاً ما ذکرنا و یحتمل جریان الحکم علیهما ظاهراً أو واقعاً و کذا لو تداعیا عند من یری فساده فحکم علیهما بالفساد و لزمهما ذلک و لو تداعیا عند من یری کلًا منهما یمضی علی ما یراه لزمهما ذلک إلا أنه قد یؤدی إلی النزاع و الشقاق فلا بد للحاکم من نهی من یری الفساد أن لا یتعرض من یری الصحة و إن لزمه طرح ماله علیه لأن الحاکم منصوب لتلک المصالح و لو عقد مخالف مع موافق عقد مزابنة أو عقد علی ما لا یصح تملکه عند الموافق کان ما أخذه الموافق سحتاً علی الأظهر و الزمهم بما ألزموا به أنفسهم خاص فیما إذا وقع العقد بینهم و یحتمل حلیته لظاهر الخبر و أما ما أخذه المخالف فالأظهر

ص: 137

حلیته بالنسبة إلی من یتناوله منه إلزامهم لهم بما ألزموا به أنفسهم و إن لکل قوم عقد و أما بالنسبة إلیه فصحّت.

الثامنة و الثلاثون: الأصل فی العقود مغایرة أرکانها الستة من حیث الذات

الموجب و القابل و الثمن و المثمن و الإیجاب و القبول هذا فی المعاوضة و فی غیرها الأربعة لانصراف أدلة العقود نوعاً و جنساً لذلک و لا بأس بالاتحاد بالعارض کوکیل فی رکن أصیل فی آخر لوکیل أو ولی عن اثنین و کذا لو أَقام الواحد مقام قبول و إیجاب لأن القابل لا یقدر علی شی ء کزوجتک و أعتقتک و جعلت عتقک صداقک و لا یجوز أن یکون الثمن بعض المثمن أو بالعکس کالمزابنة و المحالقة علی بعض تفاسیرهما إلا ما استثنی کبیع العرایا فی وجه و الصلح علی الدین ببعضه فیکون بمنزلة البراء و کالصلح علی المؤجل ببعضه حالًا فیکون الباقی بمنزلة مقابلة الأجل و کالصلح عن الشی ء المعین ببعضه فیکون بمنزلة الهبة و لا یجوز أن یکون الثمن و المثمن من مالک واحد و یمکن صحته فی الصلح کصالحتک عن إدراک بستانک فیکون بمنزلة الهبة فی وجه و فی جواز الإذن بأن یصالح عن ماله بماله فیملک المصالح فی مال الصلح بالمصالحة ثمّ ینتقل إلی المالک الإذن فیعود له الثمن و هل یملکه کالهبة أو کالقرض إشکال فی إشکال و یجری ذلک فی البیع کما یقول بع مالی لک علی کما یقول بع مالک لی و اعتق عبدک عنی و قد یقال أن تقویم الأب جاریة ولده للوطء قائم مقام الموجب و القابل للإیجاب و القبول من دون ملاحظة التغایر الاعتباری.

التاسعة و الثلاثون: الأصل فی البیع أن یتعلق مبیعه بالأعیان

و فی الإجارة بالمنافع و قد یبطل أحدهما و قد یدخل أحدهما فی الآخر تبعاً لأنه یفتقر فی الثوانی و التوابع ما لا یفتقر فی الأوائل و المتبوعات و هی قاعدة استقرائیة مأخوذة من تتبع مظان العقود و حینئذ فالمنافع تدخل فی بیع الأعیان تبعاً و هل یقسط علیها الثمن بفواتها أو لا یقسط فیکون فواتها کفوات الشرط المسلط علی الخیار وجهان و الأقوی الأخیر و بالجملة فللتوابع حکم غیر حکم المتبوع من الجهالة و العلم و القدرة علی التسلیم و عدمه و أما بالنسبة إلی توزیع الثمن علیهما و عدمه فمختلف لأن منها ما هو کالشرائط

ص: 138

الضمنیة و منها ما هو کالأجزاء و منها ما یکون مقصوداً فی العقد و منها ما لا یقصده العاقد و لکنه من قبیل الأحکام الشرعیة اللاحقة.

الأربعون: الأصل جواز جعل الثمن فی المبیع عیناً و منفعة و حقاً

و کذا فی الأجرة جواز کونها عیناً و منفعة و حقاً و لو أرید نقل الحق و انتقاله أو اسقاطه جاز جعله فی الصلح عوضاً و معوضاً و کلاهما معاً فیجوز الصلح حقا بحق و إسقاط حق باقساط حق و انتقال حق باقساط حق و بالعکس نعم لا بد من النظر فی الحقوق المالیة کحق الخیار و الشفعة و غیرها و الحقوق الغیر مالیة و الحقوق المالیة المقیدة اختصاص بذی الحق المسجد و الطریق و الحقوق القابلة للإسقاط و الحقوق الغیر القابلة و الحقوق القابلة للانتقال و الحقوق الغیر قابلة و هو من باب واسع ذکرنا جملة منه فی الصلح و یترتب علی ذلک حق المضاجعة للزوجة و الوطء و حق الطلاق و حق الرجعة و حق السبق إلی المشترکات بین المسلمین و حق المادة و حق الاختصاص بالید فی الموضوعة علی ما لا یملک إلی غیر ذلک و لا بد من النظر إلی عموم دلیل الصلح و عموم أدلة المعاوضة و کبقیة دخول المشکوک به و خروجه.

الواحد و الأربعون: یجوز استعمال الحیل الشرعیة فی العقود

و لا منافاة فیها للقصد المشترط فیجوز التخلص من الزکاة و الخمس و الحج و الربا و حرمة الاحتکار بأن یبیع أو یهب أو یرهن ماله فی أثناء السنة أو یبیع أو یهب ما یراد من النفع فی القرض أو یضم إلی المتماثلین ضمیمة تخرجهما عن الربا أو یرهن لأمواله فی أثناء السنة علی دین یستدینه حیلة أو یبیع بخیار أو یبیع علی فقیر بأضعاف الثمن شیئاً أو علی سید من دون مواطأة ابتداءً ثمّ یحتسبه من الزکاة او الخمس و مع المواطأة إشکال لتأدیته إلی إذهاب الحقوق و بالجملة فیجوز التوصل بالعقود إلی تحلیل ما لولاه لحرم حیلة ما لم یود فی المواطأة إلی ذهاب الحقوق العامة فإن الأظهر و الأحوط عدم صحتها و کذا یجوز التوصل إلی تحریم ما یحل لولاها و هو باب واسع للفقیه لا بد من النظر فیه.

ص: 139

الثانیة و الأربعون: الأصل فی بطلان العقود الواقعة علی غیر النهج الشرعی فی مذهبنا

سواء کان الخلل فی صیغة أو ثمن أو مثمن أو شرط أو مانع أصالة عدم السببیة و عدم ترتب الأثر فی غیر ما جاء فیه الأثر نعم یخرج من ذلک ما جاء أن لکل قوم عقد و ما جاء من قوله ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم و من دفع العسر و الحرج و السیرة القاطعة أن ما جری بین الکفار أو بین سائر الفرق من أهل المذاهب یجری علیهم فیه حکم الصحیح فیحل لنا ثمن خمرهم و إن رأینا فساد بیعهم و لکن بشرط أن یجرده علی مذهبهم وفق و یحل لنا أخذ مال فیه الخمس منهم و ما فیه الزکاة لو دفعه الکافر أو غیر الکافر لو دفعها علی مذهبه و لو لم یدفعها فوجه الحل ضعیف و یجوز لنا تناول ما ورثوه بالعصبة حتی للوارث الإمامی لو دفعه إلیه الوصی أو الوارث و یجوز لنا تزویج المطلقة بمذهبهم و یحرم نکاح من تزوجت بعقدهم و لو وقفوا أجرینا علیه حکم الوقف نعم لو شرطوا فی الوقف العام خروجنا لم یلزم لأنا أحق منهم بما هو للمسلمین و لو باعوا وقفاً بینهم حل لنا ثمنه إن رأوا صحة بیع الوقف و لا یبعد جواز شرائه منهم إن کان الواقفین له هم و کذا من اسلم و آمن و اشتملت أمواله و نساؤه علی ما کان صحیحاً فی مذهبهم باطلًا فی مذهبنا فإنه یجری حکم ما تقدم منهما عینهما إلزاماً لأنفسهم فی الراهن الأول بما ألزموا به أنفسهم نعم ما کان أثره فی الدوام کأثره فی الابتداء لم یجز البقاء علیه و لو أسلم المجوسی علی المحارم من النساء أو أسلم الکافر علی مدخول بها فی عدتها أو علی موطوءة الأخ قبل العقد علیها أو شبه الکافر من أهل المذاهب الفاسدة فالأظهر البینونة و فی قوله علیه السلام لغیلان أمسک و فارق أربعاً سایرهن ما یدل علی إمضاء عقد الأربعة علی أی نحو وقع و علی بینونة الباقی و إن حل الزائد فی مذهبهم سابقاً و کل ما فعلوه علی مذهبنا لا بأس به و کل ما لم یفعلوه علی مذهبهم لم یجرِ علیه حکم الصحیح کما إذا غصبوا مالًا أو فرجاً و نحو ذلک و یمکن أن یکون حلیة الخراج المأخوذ من بعضهم بعضاً من هذا القبیل و کذا الزکاة و إن عممنا الحکم فی البحث الأول.

ص: 140

الثالث و الأربعون: الأصل فی العقد و توابعه أن لا یؤثر إلا ما وقع التلفظ به

لأنه إنما یحلل الکلام و یحرم الکلام و علی ذلک فیشکل الالتزام بالشرائط المضمرة الغیر مصرح بها و یشکل عدم ذکر المبیع کما یقول بعتک فیحذف المثمن و الثمن و إن عرفاهما نعم لو أشار إلیهما فلا یبعد صحة العقد و کذا یشکل لو خالف الهیئة المعتادة فقال باع أنا أو زید أو عمر و کذا لو صدر العقد بصورة الغنی فی زمان و کذا بشکل لو وجه البیع إلی واحد فأجاب الآخر فرصتی البائع بعده بنقله إلیه نعم الاشتباه بالبائع لا بأس به و لو قال بعت داری لمن یقول لی قبلت أو لمن یسمع ایحائی فأجابه من لم یعنیه ففی صحته إشکال.

الرابعة و الأربعون: الاجتهاد و التقلید لیسا شرطاً فی صحة العقد،

نعم یکتفی فیه بالمطابقة لفتوی المجتهد الذی یرجع إلیه فی الفتوی و یشکل ذلک فیما شرطه القربة کالوقف و لو کان الجهل منافیاً للجزم فلا یبعد فساد العقد و کذا الجهل بالموضوع لا ینافی صحة العقد فلو عقد علی مال أبیه بزعم حیاته فاتفق حین العقد موته العقد صح و کذا لو تزوج من امرأة بزعم أنها ما کانت ذات بعل فظهر أنها خلیة أو بزعم أنها فی عدتها فتبین فراغها فإن الأظهر فی الجمیع الصحة و لیس هذا من باب من باع شیئاً ثمّ ملکه بل من باع شیئاً و قد ملکه.

الخامس و الأربعون: یقوم الحاکم مقام الممتنع فی قبض حقه من ثمن أو مثمن أو وفاء دین

لعموم ولایته فإن لم یکن فعدول المسلمین و لا یبعد الاکتفاء بطرحه علیه أو التخلیة بینه و بینه حینئذ فینتقل ضمانه إلی المشتری و لو تلف الثمن أو المثمن فی عقود المعاوضة قبل القبض أو ما یقوم مقامه فلا یبعد انفساخ المعاوضة مطلقاً و لا یختص ذلک بتلف المبیع.

السادس و الأربعون: الأصل شمول الربا لجمیع المعاوضة

إلا ما أخرجه الدلیل کالصلح علی الذین ببعضه أو عن الشی ء ببعضه حیث أنه بمنزلة الابراء و الهبة و لا یتفاوت فی القرض فی حرمة الربا بین ابتداء العقد فی القرض و بین اشتراطه بعده لبقاء الدین و بین کونه فی عقد القرض و بین کونه فی عقد آخر قبل القرض کما یقول بعتک

ص: 141

هذا بشرط أن تعطینی کذا نفعاً لما تستقرضه منی أو بعد القرض نفعاً لما استقرضته منی قبل العقد، نعم لو دخل فی عقد آخر حیلة بحیث أنه لم یصرح بکونه نفعاً القرض صح و لا بتفاوت هنا بین کون النفع عیناً أو منفعة أو عملًا أو حقاً أو صفة زائدة کاشتراط الصحاح عوض المکسورة کل ذلک لتحریم النفع و الانتفاع نعم فی ربا المعاوضة لا یشترط المساواة فی الوصف بل یشترط المساواة بالکیل و الوزن لأن الواجب فیها المثل بالمثل المنصرف للزیادة فی قدر الوزن و الکیل لا الزیادة الخارجة و لیوهن اشتراط النفع اشتراط الرهن و الکفیل لحفظ ماله و لا یتفاوت فی رباء العقد بین کون الزیادة جزاءً و شرطاً عیناً أو منفعة أو عملًا أو حقاً لحصول الزیادة فی الجمیع و عدم کونها مثلًا بمثل و یجوز اشتراط ما لا یعود نفعه للمقرض کما یشترط علیه أن یصوم أو یصلی حقاً له علیهما و لیس نفس الشرط زیادة إذا لم یزد المشروط و یجوز اشتراط القرض فی عقد آخر و أما اشتراط عقد خال عن المحاباة فی العقد الربوی أو فی عقد القرض ففی صحته إشکال و لا یجوز اشتراط الأجل فی أحد الربویین لأنه زیادة کما لا یجوز الربا فی مقابلة الأجل و لیس من الربا اشتراط تعجیل المؤجل من الدین فی عقد آخر لأن الحلول لیس ما ینصرف إلیه المنع من النفع کما لو باع دیناً مؤجلًا بدین حل أجله و فرق بین البیع المؤجل بالحال و بین تأجیل أحد العوضین.

السابع و الأربعون: الأصل فی کل عقد وقع الفراغ من أنه لا یلتفت إلی الشک بعده

لعموم قوله علیه السلام: (إذا شککت فی شی ء و قد فرغت منه أو دخلت فی غیره). فلو وقع التقابض فی الصرف و شک فی وقوع العقد قبله بنی علی وقوعه و لو حصل شک فی الإیجاب بعد قبول القابل احتمل لزوم الإعادة مطلقاً و احتمل لزومها علی الموجب فقط و أما القابل فکأنه فرغ من الإیجاب و دخل فی غیره و إن کان الإیجاب فعل غیره و أحتمل البناء علی قبوله مطلقاً و لو قبضه للهبة أو للرهن أو الوقف و شک فی صدور العقد یبنی علی صدوره.

ص: 142

الثامنة و الأربعون: و الأصل فی کثیر الشک عدم الاعتناء بشکه فی جمیع أنواع العقود

فبنی علی الصحة و کذا کل من خرج عن الاعتدال فی إدراکاته و هما و ظنا و قطعا و کذا کثیر السهو وجه قوی.

التاسع و الأربعون: الأصل فی من ادّعی ملکا بأصالة أو ولایة أو وکالة فباعه أو وهبه هبة أو أجَّره تصدیق قوله إذا لم یکن له معارض

سواء کان تحت یده أم لا و الأصل فی تصرفاته الصحة و سواء علم سبق مالک لهذا المال أم لم یعلم معلوم کان أو مجهولًا عبداً کان أو حراً و لو ادعی العبد أنه مأذون من مولاه صح أن یعامل معاملة من ادعی الوکالة من الأحرار و من ادعی الاجتهاد فتصرف فی أموال الأیتام و کل حق عام فالأقوی مضی عقود الأقرب و إن کان الاحتیاط فی التفحص عن أحواله نعم لا یجوز دفع مال الیتیم إلیه و إن جاز الأخذ منه و دفع الثمن إلیه عوض ما یأخذ منه و کذا من ادعی أنه وکیل المجتهد المطلق.

الخمسون: من بعدوا عن دیار الشرع فلم یعرفوا عقداً و لم یتمکنوا من الوصول إلی الحاکم الشرعی

جاز لهم أن یخترعوا عقوداً تکون ماضیة علیهم بمنزلة العقود الصحیحة و لا یلزم تجدیدها.

الواحد و الخمسون: الأصل فی العقود التطابق صورة

فلو اختلفا أشکل الحال فلو باعه الدار بألف فقبل ربعها بمائتین و خمسین و سکت بطل قبل الربع الآخر و الربع الآخر کل ربع مائتین و خمسین ففی صحته إشکال و لو وزع الموجب فجمع القابل فلا یبعد الصحة و لو کان للمبیع هیئة اجتماعیة لم یصح افرادها بالبیع و لا ذکرها صریحاً نعم یوزع الثمن علیهما لو کانت لمالکین و قد لزم البیع و إن کانت لمالکین فأجاز أحدهما ورد الآخر کان للمجیز قیمة ماله منفرد إذ لا یملک من الهیئة الاجتماعیة بعد فواتها شیئاً و لو باع ما یملک و ما لا یملک کان کذلک و بالجملة فالهیئة الاجتماعیة إن انتقلت تبعاً صار حکمها حکم المتبوع و إلا فلا یستحق الناقل منها شیئاً لأن أخذ عوضها ظلم فلا یستحقه صاحب الغبن و لا بد من انتفائهما انتفاء أحد الجزءین.

ص: 143

الثانیة و الخمسون: للحاکم الشرعی أن یتصرف بمال الفقراء مع الغبطة و یضارب به

و کذا الخمس و مجهول المالک و له أن یصالح علی الأقل مع الغبطة و یکون صلحاً حقیقیاً لا استنقاذ و له أن یدفع للفقراء و السیادة و لا بنیة القرض علی الجهة الخاصة و إن لم یخبرهم أو یتوکل عنهم فیقبض من مالهم وفاء للقرض لتلک الجهة و له أن ینوی القربة حین الدفع لو دفع المال إلیه إلی سبیل الولایة فقبضه و له أن لا ینوی القربة و له أن یقبض الحق و یرجعه إلی أهله إن کانوا من اهله و له أن یستفرض من الحق من دون وهن و ضمین و له أن یحتسبه علی نفسه لو کان من أهله و له أن یأخذه له إذا قبضه بالولایة لا بالوکالة.

الثالثة و الخمسون: الأصل فی ألفاظ العقود و إن یکون التلفظ بها مملوکاً للافظ بها

فلو کان للّافظ مملوکاً لغیره کالعبد فإن لسانه و لفظه مملوکان للمولی و کذا من أجر منافع لسانه مدة لغیره و حینئذ فلو وقع عقد من مملوک علی مال مولاه أو علی مال شخص أمره بأن یعقد عنه بیعاً أو إجارة أو نکاحاً کان باطلًا لأنه تصرف بمال غیره من دون إذنه فلا یصح للسببیة و الأصل عدمها نعم لو أجاز المولی وقوع اللفظ منه قوی القول بالصحة إلحاقاً له بالفضولی مع احتمال المنع لأن الفضولی هو عقد المالک بلفظه علی مال غیره لا العاقد بلفظ غیره و یحتمل القول بالصحة مطلقاً لمنع عدم السببیة و التأثیر و إن کان مملوکاً للغیر لعموم الأدلة نعم للمالک أجرة المثل و یشیر إلیه صحة عقد العبد لو أجاز السید فإن الظاهر أن الإجازة لنفس النکاح لا للتصرف الحاصل من لفظ العبد و یحتمل القول بالبطلان مطلقاً لعدم دخوله تحت الفضولی و یمکن القول بالصحة بنحو آخر و هو المنع من ملک اللفظ للمولی إذا لم یلزم منه تصرف زائد بل غایته أنه لا یجاب بلفظ لا ینافی ملکیة العبد و منافعه للمولی لعدم کونه من التصرفات الراجعة للمولی بل قد یدعی أن السیرة قاضیة بجواز ذلک و إن أمکن حمل السیرة علی الإذن الفحوائیة غالباً من المولی و لا بد من التأمل فی المقام.

ص: 144

المطلب الثالث: فی الآداب

اشارة

و فیه أمور:

الأول: یندب فی التجارة أمور:

أحدها: التفقه اجتهاداً أو تقلیداً بالاحتیاط الجامع الذی یتیقن معه حصول سبب الشرعی بشرط أن لا یتزلزل قصده فیفوته القصد و لا یتسرع فیفعل حراماً. الثانی: الإقالة للمستقبل للخبر المشتهر. الثالث: أخذ الناقص و دفع الراجح و مع التنازع فالقرعة. الرابع: التسویة بین المعاملین إلا بترجیح أهل الدین. الخامس: ترک الربح للموعود بالإحسان و للمؤمن إلا الیسیر مع الحاجة. السادس: التسامح فی البیع و الشراء و القضاء و الاقتضاء. السابع: الدعاء بالبرکة عند دخول السوق. الثامن: التکبیر و الشهادتان عند الشراء. التاسع: الإجمال فی الطلب. العاشر: مباشرة الأعمال بالید. الحادی عشر: إصلاح المال. الثانی عشر: إحراز القوت. الثالث عشر: البیع عند الربح. الرابع عشر: المماکسة إلا فی الأضحیة و النسمة و الکفن و الکری لمکة. الخامس عشر: البکور فی طلب الرزق. السادس عشر: التوکل. السابع عشر: نصح المستشیر و قبول نصح المشیر و طلب النصیحة. الثامن عشر: مشارکة أرباب الحضوظ. التاسع عشر: تبدیل الصنائع. العشرون: التعرض للزروع. الحادی و العشرون: کتمان المال سیما الذهب. الثانی و العشرون: مهارة العمل. الثالث و العشرون: ابتداء صاحب السلعة بالسوم. الرابع و العشرون: الرجوع فی طریق لم یجی ء منه. الخامس و العشرون: الرفق بالمعیشة. السادس و العشرون: أکل الشعیر بالغلاء لیساوی الفقراء. السابع و العشرون: شراء القوت یوماً فیوماً لیساوی و الفقراء فی الغلاء. الثامن و العشرون: شراء الحنطة. التاسع و العشرون: وضع کل شی ء فی سوقه. الثلاثون: المعاملة مع من تشاء فی الخیر. الحادی و الثلاثون: المکافأة علی الهدیة. الثانی و الثلاثون: اتحاد الحرف الرفیعة. الثالث و الثلاثون: عدم إعلام

ص: 145

الإخوان بالإعسار و الخروج عن البلد. الرابع و الثلاثون: الإحسان إلی الإخوان. الخامس و الثلاثون: الکسب فیما یحصل به تقویة الدین. السادس و الثلاثون: الإتیان بجید السلعة و ترک ردیِّها. السابع و الثلاثون: طرح الدینار المغشوش بعد کسره فی البالوعة. الثامن و الثلاثون: تفریق ماله فی تجارات متعددة کی لا یتلف جمیعه. التاسع و الثلاثون: تولی العقد علی العظیم من التجارة بنفسه. الأربعون: عمل الرجل فی بیته و المرأة أولی. الحادی و الأربعون: مساواة الفقراء فیما یأکلون و یلبسون. الثانی و الأربعون: الاستعانة بدعاء المؤمنین. الثالث و الأربعون: کیل الطعام إذا أخرج أو أحرز للبرکة. الرابع و الأربعون: التعقیب إلی ما بعد طلوع الشمس فإنه جالب للرزق. الخامس و الأربعون: استعمال مکارم الأخلاق مع العاملین. السادس و الأربعون: التوکیل فیما لا ینبغی مباشرته. السابع و الأربعون: إنظار المدیون. الثامن و الأربعون: اتخاذ الغزل للامرأة صنعة. التاسع و الأربعون: التطهر لقضاء حوائجه و التحنک. الخمسون: قبول الهدایا و تعجیل رد ظروفها إلی غیر ذلک مما یتأکد به استحباب التجارة و یکون نوراً علی نور و لو نوی بأکثره القربة تضاعف الثواب الثانی المکروه و هو بالنسبة إلی الواجب کمکروه العبادة و هی ما وجب علی الإنسان لضرورة النظام و کذا بالنسبة إلی المندوب بالدلیل الخاص و أما ما لم یندب بدلیل خاص فلا یبعد أن الکراهة فیه علی حقیقتها و دعوی أن کل تجارة مندوبة مشکل و لو سلم ذلک کان مکروهاً کمکروه العبادة مع احتمال کانت کمکروه ان نوی لها القربة أنه کمکروه العبادة و إن لم ینو القربة تخلصت للکراهة أمور:-

أحدها: السبق إلی دخول السوق قبل کل أحد و التأخر عن کل أحد و یلحق بالسوق مواضع المعاملة و لا یبعد ارتفاع الکراهة لو دخلوا جمیعاً.

الثانی: مدح البائع سلعته و ذم المشتری لها و بالعکس.

الثالث: کتمان العیب من غیر غش و تدلیس و غلا فیحرم. الرابع: الیمین الصادقة. الخامس: السوم و المعاملة الطلوعین. السادس: تزیین المتاع یکون غشاً

ص: 146

فیحرم. السابع: التعرض للکیل و الوزن مع عدم المعرفة. الثامن: الاستحطاط بعد العقد زمن الخیار و بعده علی الأظهر. التاسع: الزیادة وقت النداء عند امتداد الصوت أو بین الصوتین المتلاصقین. العاشر: الدخول فی سوم المؤمن. الحادی عشر: بذل الزائد لصاحب الخیار و لفسخ بل قیل بتحریمه لما فیه من الضرر و الکدر. الثانی عشر: أن یتوکل کل من حضر لباب بل کل ذکی لغبی لقوله (علیه السلام) دعوا الناس علی عقالاتها یرتزقون من بعض و قد یقال بارتفاع الکراهیة مع التماس المؤمن و حاجته. الثالث عشر: تعاطی الصناعات و المعاملات الدینیة الرذیلة. الرابع عشر: المداقة فی المعاملة علی الحج و الکفن و الأضحیة و النسمة. الخامس عشر: سلوک طریق یفوت به قبل المیقات یعنی الواجبات و المندوبات. السادس عشر: الاتجار بمکة لغیر أهلها. السابع عشر: الشکایة فی غیر ما استثنی و استقلال قلیل الرزق. الثامن عشر: وضع المال فی الکم التاسع عشر: کثرة النوم و الکسل العشرون: الطحین و الخبز. الحادی و العشرون: بیع آلات العبادة و العقارات إلا لشراء خیر منها الثانی و العشرون: استئصال خفض الجواری و مسح الماشطة بالخرقة. الثالث و العشرون: أن یؤجر نفسه أجیراً خاصاً. الرابع و العشرون: استعمال الأجیر بلا شرط. الخامس و العشرون: استخدام من یستحق الإکرام لعلم أو سیادة و کبر سن. السادس و العشرون: إنزاء حمار علی عتیقه. السابع و العشرون: خراب الناقة و ولدها طفل. الثامن و العشرون: إخراج ردی السلقة و ترک جیدها. التاسع و العشرون: تملیک الأمة دون ولدها و بالعکس. الثلاثون: أخذ الوصی فی مقابلة عمله. الحادی الثلاثون: بیع المکیل و الموزون قبل قبضه. الثانی و الثلاثون: إجارة الأجیر بأقل مما استؤجر به و لم یعمل شیئاً. الثالث و الثلاثون: استکشاف الرزق علی غیره فإن حسده حرم. الرابع و الثلاثون: الاکتساب و بالسواک سیما بالکف. الخامس و الثلاثون: الاکتساب بالمدح و إعطاء المادح. السادس و الثلاثون: إیجار الأرض بأکثر مما استأجرها. السابع و الثلاثون: استئجارها بحنطة أو شعیر. الثامن و الثلاثون: المقاصة من الودیعة. التاسع و الثلاثون: معاملة الشریک

ص: 147

نفسه. الأربعون: تفضیل معلم الصبیان بعضهم علی بعض و کذا تفضیل المستأجرین بعضاً علی بعض إلا لوصف زائد. الواحد و الأربعون: زخرفة المساجد و تزیینها. الثانی و الأربعون: الانهماک فی علم النحو. الثالث و الأربعون: مدح الظالم و التواضع له من غیر علة. الخامس و الأربعون: رد الهدایا. السادس الأربعون: صحبة الظالمین ما لم یبعث علی محرم فیحرم. السابع و الأربعون: طلب الحاجة من مستجد النعمة. الثامن و الأربعون: طلب الحوائج باللیل. التاسع و الأربعون: استعمال الأمانی. الخمسون: الإکثار من حفظ الشعر بغیر حق. الواحد و الخمسون: معاملة الرجال الأجانب النساء. الثانی و الخمسون: أکل الحجام من أجرته المأخوذة بالشرط. الثالث و الخمسون: الإسراف. الرابع و الخمسون: فعل الشبهات فی المعاملات. الخامس و الخمسون: الرجوع فی الهبة. السادس و الخمسون: السعی فی مقامین أحدهما الاحتکار یحرم حبس ما یحتاجه الناس و یضطرون إلیه بحیث یؤدی إلی ضرر بالنفس و الإعراض فیجبره الحاکم علی البیع و یسعر علیه بما یمکن دفعه لعامة الناس و مع عدم الاضطرار و عدم الحاجة فلا بأس به إلا إذا قصد الإضرار بحصول الغلاء و أما مع الحاجة و عدم الاضطرار فقیل یحرم حبس الحنطة و الشعیر و التمر و الزبیب و السمن و أزاد بعض الملح و بعض الزیت و علی الخمسة الأول معقد إجماع بشرطین أحدهما الاستیفاء للزیادة و الثانی تعذر غیره و الظاهر أنه و لو من غیر المتجانس و استندوا إلی قبحه العقلی لأدائه إلی ضرر المسلمین و ظلمهم بمنع ما یحتاجونه علیهم و إلی منافاته المروة و إلی انه من الحرص المذموم و قساوة القلب و إلی الأخبار الناهیة عنه و الآمرة بالبیع و الإخراج و فیها أنه لو تصدق بثمن ما باعه لم یکن کفارة لما صنع و قیل بکراهته استضعافاً لجملة من الأخبار و حمل الباقی علی قصد الاضرار أو علی حصول الاضطرار المؤدی إلی التلف و البوار و الإجبار علی البیع لا یلازم التحریم کزیارة النبی (صلّی الله علیه و آله و سلّم) و حضور الجماعة فی زمنه فلا تصلح مخصصة للأصل و عموم الناس مسلطون علی أموالهم و ما دل علی التجارة و المغابنة فیها و الجزم فی الکسب و فی بعض الأخبار ما یشعر بالکراهة و إن مناط الحرمة الضرر و هو حسن و الأول أحوط

ص: 148

و علی کل حال فیجبره الحاکم علی البیع بنفسه و إلا یمکن الحاکم فعدول المسلمین فإن لم یبع بنفسه أو أخفی نفسه قام الحاکم مقامه فی البیع و لا یستقر الحاکم علیه هنا بل الثمن أمره إلیه إلا إذا طلب ما یؤدی إلی عدم إمکان شرائه عامة الناس منه فإنه یقصره عنه لئلا یفوت الغرض من الإجبار علی البیع.

الثانی فی تلقی الرکبان و ما یشبههم من الوافدین و المعاملة معهم جائزة و مکروهة

أما الجواز فللأصل و عمومات الأمر بالتجارة و طلب الرزق و السعی فی مناکبها و ما دل علی التحریم من الأخبار لا یقاوم تلک الأدلة لمخالفتها للمشهور و موافقتها العامة و لإعراض قدماء الأصحاب عنها مع أنها بمرأی منهم و مسمع تطرحها و حملها علی الکراهة هو الوجه و أما الکراهة فللإجماع المنقول و فتوی الفحول و للأخبار المحمولة علی ذلک و للتسامح بأدلة السنن و لدخوله فی طلب الحریص و لعدم خلوه غالباً عن الخدع و المغالبة و الحیلة و التلقی المکروه و هو الخروج إلی ما دون المسافة و هی الأربعة فراسخ للمعاملة مع الوافدین من التجار علی أعیان أموالهم بقصده ذلک و لا مع الخلو عن القصد أو قصد غیره من غیر اطلاع علی شهود بسعر البلد و لا بناء علی أخبارهم بحقیقة الحال و لا علی اشتراط الخیار لهم و لا علی التماس صدر منهم لداع لهم کل ذلک اقتصاراً علی المتیقن من دلیل الحرمة أو الکراهة و تمسکاً بما تشعر به العلة فی ذلک و علی کل حال فالعقد الصادر بین الوافدین و المتلقین صحیح اما علی الکراهة فظاهر و أما علی التحریم فللإجماع المنقول و فتوی الفحول و النهی و إن تعلق بنفس الشراء أو الأکل فی الأخبار إلا أن الإجماع المتقدم و الفتوی و السیرة أخرجت اقتضاءه الفساد عن الظاهر الخطاب و النهی عن الأکل قبل الشراء کما إذا قدم لهم لیشروا أو علی الکراهة و إن لزم التفکیک بین الفقرتین علی القول بالتحریم لأن فی کثیر مثل ذلک و تخییر المغبون من البائع و المشتری و من حصة البائع جری مجری الغالب حیث لا یکون عالماً و لا مسقطاً لخیاره قبل العقد أو بعده و لا عاقد عقد مسامحة بین الفسخ و الامضاء مجاناً لحدیث الضرار المنجبر بالفتوی و العمل المحمول علی الانجبار بالخیار و لعدم إرادة النهی لبعدها عن ظاهر اللفظ و فهم الفقهاء و لا نفی الحقیقة للزومه خلاف الواقع بل المراد فعینه فی

ص: 149

الشریعة المستلزم بثبوت الخیار عند حصول الاضرار و لما ورد أن الرکب لهم الخیار و بعد ورودهم و وصولهم و لما نقل من الإجماع علی ثبوت الخیار فی المغبون مطلقاً و هنا خصوصاً فی البائع و العلة منقحة فی غیره و هل هو علی التراخی للاستصحاب أو علی الفور کما نقل أنه مشهور الأصحاب وجهان و الأقوی الأخیر لعموم دلیل اللزوم فی الأزمنة فیقتصر فی دلیلها تخصیصها علی الزمان المتیقن من الإجماع و حدیث الضرار و الاستصحاب لا تخصیص المخمصة العام و لا یعارض الدلیل فحکمه حکم ما جاوز للاضطرار من تناول الحرام للتقیة و شبه ذلک من تناول بعض أشیاء للمحرم و الصائم للضرورة و لعدم جریانه فی التابع بعد زوال المتبوع و المقید بعد زوال القید نعم لو تعلق الحکم بالذوات جری الاستصحاب لعدم معارضته للدلیل کما یجری مع بقاء سببه کما لو کان المغبون جاهلًا فی الحکم او الموضوع أو غافلًا أو ناسیاً فإن الضرر متحقق فی ذلک کله بخلاف ما لو علم فإن انتظاره ضرر آخر و لأن نفس ثبوت الخیار له رافع للضرر فتراخیه حینئذ طلب للضرر علی نفسه و إرجاع للعقد علی أصله نعم یراد بالفور العرفی لا العقلی لأن المدار غالباً فی الشرعیات علی العرفیات دون العقلیات.

تم کتاب التجارة بحمد الله تعالی و الله الموفق لکل خیر.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.